بصرف النظر عمن مثل الجزائر، والرئيس عبد المجيد تبون في القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في بغداد، فإن المهم هو استمرار “الاستياء” الجزائري من مجريات تحضير القمة، فغياب رئيس الجزائر ليس وليد اليوم أو البارحة.
وقد مثل وزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الجزائر في أشغال الدورة العادية الـ34 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، وكذلك الدورة الخامسة للقمة العربية التنموية.
وبسبب تعاقب غيابه عن القمم العربية، وتوالي خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي في بعض الأحيان، تحضر أسئلة ملحة عن خلفيات الغياب وتداعياته على العلاقات العربية، لا سيما تجاه الملفات المشتركة والقضايا المصيرية، وهناك تساؤل ملح آخر يخص طبيعة الاستياء فهل سيكون عابرًا؟ أم إنه سيؤسس لمرحلة وخريطة علاقات جديدة؟
“رسالة استياء”
يجمع مراقبون ومحللون سياسيون أن استمرار غياب الرئيس تبون هو “رسالة استياء” جزائرية عن أسلوب إدارة الجامعة العربية للمنتظم العربي، خاصة في هذه اللحظة التاريخية التي تحتاج فيها الجزائر إلى موقف موحد لمواجهة تعقيدات الوضع في غزة، وهو ما أوردته برقية وكالة الأنباء الرسمية، في تعليقها على غياب الرئيس عن قمة القاهرة، إذ سلطت الضوء على “الاختلالات” و”النقائص” التي شابت المسار التحضيري.
ويقول المحلل السياسي نور الصباح عكنوش في قراءته لموقف الجزائر بشأن القمة العربية إن “الإطار الموضوعي المحدد للسلوك الجزائري في هذه النقطة، يعبر تحديدا عن عدم استعداد الجزائر، لأن تكون لاعبا ثانويا في القضايا العربية، لا سيما في ظل الوضع الإقليمي والدولي المعقد الحالي، والذي يحتاج لتفعيل أكبر في المرحلة المقبلة، من منظور أن أي قمة عربية، لا يجب أن تكون مجرد موعد روتيني، بل آلية مستدامة لمواجهة التحديات، وحلحلة الخلافات بعيدا عن أي أجندات خارجية دخيلة”.
يعيد الاستياء الجزائري الرسمي من مجريات تحضير القمم المتعاقبة النقاش حول “إمكانية إصلاح الجامعة العربية” و”ديمومة بقائها”
ويعيد الاستياء الجزائري الرسمي من مجريات تحضير القمم المتعاقبة النقاش حول “إمكانية إصلاح الجامعة العربية” و”ديمومة بقائها”، وكانت مسودة “إعلان الجزائر” التي تمت مناقشتها من قبل وزراء الخارجية العرب، خلال الاجتماع التشاوري الذي انعقد نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، قد تضمنت 20 بندا أساسيا، من ضمنها بند يخص إصلاح الجامعة العربية بعد إصرار الجزائر.
وألح الرئيس تبون، في رسالة قرأها نيابة عنه وزير الخارجية الجزائري، خلال القمة العربية الـ34 في العاصمة العراقية بغداد، على ضرورة “إصلاح جامعة الدول العربية، لتواكب التحولات المعاصرة، كونها تأسست في سياق مختلف عن واقعنا الراهن”.
وكان قد أبدى في لقائه الإعلامي الدوري (بث في مارس/آذار الماضي) رفضه المطلق لـ”وجود الجزائر في القمم العربية للتزكية فقط”.
“الإصلاح المستحيل”
لكن ترتبط دعوات “إصلاح الجامعة” بوجود خلافات بين الأعضاء، وهو ما يجعل الأمر صعبا، ويقول المحلل السياسي الجزائري أحسن خلاص لـ”المجلة” إن “الاستياء لا يقتصر على القمة فقط، بل من وضع الجامعة ككل، والذي هو في حاجة ماسة إلى إصلاح عميق، لا سيما إذا أراد العرب الرقي بها إلى تكتل سياسي واقتصادي، لكن للأسف هناك عقبات حقيقية تعترض هذا المسار، متعلقة بطبيعة التحالفات بين الدول الأعضاء، وهو ما يشكل حجر العثرة، الذي ينقض أحلام العرب في تحقيق ولو منجز واحد وفاعل”.
.أ.ف.ب.أ.ف.ب
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في القمة العربية 31، المنعقدة في الجزائر، 2 نوفمبر 2022.
لن يكون موقف الجزائر في حال تأزم وضع الجامعة العربية، أكثر من تجميد عضويتها أو تعليقها إلى أن يتم إصلاح حالها
وإذا عدنا إلى الوراء حسب الأكاديمي والباحث السياسي عبد الرفيق كشوط واستحضرنا القمم التي انعقدت تزامنا مع أحداث مفصلية شهدتها المنطقة انطلاقا من فلسطين والعراق ثم سوريا ولبنان واليمن وصولا إلى ليبيا والصومال والسودان، الذي يعيش اليوم إحدى أحلك وأصعب مراحله التاريخية، حيث تتشابك خيوط الصراع على السلطة مع أهوال الجرائم الإنسانية، نجد أن جامعة الدول العربية قد تحولت فعلا إلى “هيئة للشجب والتنديد ما أفقدها مصداقيتها أمام الشعوب العربية، وتراجعت هيبتها، ولم تعد تمثل الهيئة أو الكيان الجامع الذي يعول عليه في المرافقة، والدفاع أمام تكرار التكالب الغربي”.
وأخرج وضع الهيئة التي باتت ميؤوسا منها منذ سنوات، الجزائر عن صمتها، ودفعت نحو الإصلاح في الكثير من المرات، لكن باءت جميع محاولتها بالفشل لعدة أسباب، يذكر من بينها المحلل السياسي عبد الرفيق كشوط “وقوع هذا الكيان الجامع رهينة حسابات ضيقة، فلكل دولة من الدول العربية مشكلاتها وارتباطاتها وسياساتها وتحالفاتها، سواء في محيطها العربي أو الإقليمي أو الدولي، ولذلك وجدت الجزائر من الأجدى الضغط عبر المقاطعة للقمم التي تعقد من حين لآخر”.
هل آن الأوان لبروز تكتلات عربية جديدة؟
في ضوء هذه التطورات التي تواجهها جامعة الدول العربية، ثمة سؤال سيطرح نفسه بحدة عاجلا أم آجلا. يتعلق السؤال بأوان الحديث عن بروز تكتلات عربية جديدة؟
إلا أن الحديث عن بدائل أخرى لها، لا يعد مجديا على الأقل في الوقت الراهن، ويقول المحلل السياسي عبد الرفيق كشوط في تقديره للموقف الجزائري، إن الجزائر لن تكون السبب في انهيار وتفكيك الجامعة العربية، لأنها تقف دائما مع المبادئ لا المصالح، وهنا يمكن الإشارة إلى عدم تأخرها عن التضامن العربي المشترك، إذ خرج الجيش الجزائري بعد الاستقلال مباشرة خارج حدوده للمشاركة إلى جانب الجيوش العربية في 1967 و1973، ونهاية الثمانينات وبالتحديد في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1988 احتضنت الجزائر الميلاد الرمزي لقيادة دولة فلسطين، ومعها تشكيل حكومة فلسطينية برئاسة ياسر عرفات.
وفي تقديره دائما “لن يكون موقف الجزائر في حال تأزم وضع الجامعة العربية، أكثر من تجميد عضويتها أو تعليقها، إلى أن يتم إصلاح حالها، وأكثر من ذلك لن يكون عمليا ومجديا خصوصا وأن بعضا من الدول، تدفع باتجاه حل الجامعة، أو تقليص نفوذها وقوتها وفاعليتها في القضايا العربية، وهو الأمر الذي يخدم الكثير من الدول سواء داخلها أو خارجها”.
+ / –
font change
حفظ
شارك