فيما كانت سوريا تطوي صفحة طويلة من العقوبات الاقتصادية وتفتح باب الانفتاح وإعادة الإعمار، كان لبنان يُنهي، بهدوء وثقة، المرحلة الرابعة والأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الجنوب والنبطية، في مشهد يعكس تمسّك اللبنانيين بالمؤسسات والاستحقاقات الديموقراطية، على الرغم من التحديات السياسية والأمنية المحيطة.
قرار وزارة الخزانة الأميركية بإعفاء مؤقت من “قانون قيصر” لمدة 180 يوماً مثّل نافذة جديدة أمام الاستثمار الدولي، ومؤشراً على تحوّل تدريجي في مقاربة المجتمع الدولي للملف السوري. وجاء ذلك متزامناً مع لقاء رسمي في إسطنبول جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بالمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، في محطة ديبلوماسية لافتة.
وإن لم يكن اللقاء بحدّ ذاته مستجداً، نظراً الى لقاء الشرع السابق بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن الاشادة العلنية من المبعوث الأميركي بـ”الخطوات الجادة” التي يتخذها الرئيس السوري، لا سيما في ما يخص ملف المقاتلين الأجانب والعلاقة مع إسرائيل، شكلت إشارة واضحة إلى تحوّل في الخطاب الأميركي تجاه دمشق، وربما تمهّد لانخراط أكبر في مسارات الحلول الاقليمية المرتبطة بسوريا.
في لبنان، وعلى الرغم من التوتر الأمني في الجنوب، أُنجز الاستحقاق البلدي وسط ضمانات دولية هدفت إلى حماية المسار الديموقراطي من أي تصعيد. رئيس الجمهورية جوزاف عون أدلى بصوته في بلدة العيشية، مشيداً بعزيمة المواطنين، ومؤكداً أن الانتخابات البلدية تعكس إرادة الصمود والتمسك بمسار الدولة والتنمية.
في موازاة ذلك، ظهرت تحديات سياسية داخلية في بعض القرى، لا سيما في البيئة الشيعية، حيث تعثّرت مشاريع التزكية التي كانت مرسومة مسبقاً، وظهرت خلافات علنية داخل التحالفات التقليدية، في مشهد يدل على دينامية جديدة تتطلب مواكبة تنظيمية وسياسية.
هذه الانتخابات تزامنت مع مرحلة إقليمية دقيقة يُعاد فيها ترتيب الأولويات وصياغة التحالفات. وبينما تستعيد سوريا موقعها على الخريطة الدولية، يواصل لبنان بعث رسائل إلى المجتمع الدولي حول استعداده لاحتضان استحقاقاته الدستورية، والحفاظ على انتظام مؤسساته، في سياق يؤكد أن العمل البلدي هو أحد ركائز الصمود والتنمية المستدامة.
سلام: وعدنا ووفينا
شكر رئيس الحكومة نواف سلام جميع من ساهم في إنجاح العملية الانتخابية، وقال من وزارة الداخلية: “وعدنا ووفينا بأن تتم الانتخابات في موعدها، وجهوزية الوزارة كانت عالية جداً”. وأضاف: “لا يمكن إنكار وجود بعض الشوائب، خصوصاً في الشمال، وقد تعلّمنا منها وسنبدأ بالتحضير للانتخابات النيابية العام المقبل مستندين إلى دروس هذا الاستحقاق”.
وشدد سلام على أن “الحكومة لم تتوقف يوماً عن المطالبة بتسليم الأسرى اللبنانيين والانسحاب الاسرائيلي من النقاط التي ما زالت تحتلها إسرائيل”. كما أكد “السعي المستمر مع البنك الدولي والجهات المانحة لتوفير التمويل المطلوب لإعادة الإعمار، والتواصل مع الدول الصديقة لتأمين مزيد من الدعم”.
الحجار: الشعب مارس حقه الديموقراطي
أما وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، فأكد عقب إقفال صناديق الاقتراع، أن “الشعب اللبناني مارس حقه الديموقراطي، وهذا هو الأساس”، آملاً “أن تكون هذه الانتخابات مدخلاً لتجديد الحيوية في العمل البلدي”. ولفت إلى أن “الاشكالات التي حصلت وبعض حالات العنف موثقة وتمت إحالتها إلى الجهات المعنية من دون تهاون”.
وفي تصريح سابق، قال الحجار: “لبنان ينهض دائماً، وها نحن نواكب انطلاق العملية الانتخابية بأمان ونتعامل مع النواقص اللوجيستية”. وأوضح أن “معظم الشكاوى لم يحمل طابعاً جدياً”. وخلال جولته في الجنوب والنبطية، أعلن عن “توقيف عدد من الأفراد بسبب تقديم رشى انتخابية”، معتبراً أن “انتخابات الجنوب قد تكون بداية لعودة الحياة الفعلية إلى البلديات”.
ومن سراي مرجعيون، قال: “الدولة موجودة إلى جانب شعبها في الجنوب، ونأمل أن تكون الانتخابات مناسبة لتجديد العمل البلدي وإعادة إعمار ما تهدّم”. وفي شبعا، شدد على أن “كل الاتصالات الديبلوماسية مطمئنة”، مؤكداً “تمسك الدولة بسيادتها”. ورأى أن “الإعمار بدأ أولاً في النفوس، رغم الإمكانات المتواضعة، إلا أن إرادة الشعب تبقى أقوى”.
هيكل: الجيش أحد أهم عوامل الطمأنينة
اعتبر قائد الجيش العماد رودولف هيكل أن نجاح الانتخابات يكتسب أهمية مضاعفة في ظل التحديات الراهنة. وتوجه إلى العسكريين بالقول: “إن نجاح العملية الانتخابية دليل على تمسّك أهالي الجنوب بأرضهم، والجيش هو أحد أهم عوامل الطمأنينة والصمود بالنسبة إليهم”.
وأضاف: “رسالتنا أن الجيش يقف بثبات إلى جانب اللبنانيين، ولن تثنيه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عن أداء واجبه الكامل”. وشدد على أن “الجيش هو ضمانة الاستقرار، والمؤسسات الأمنية تمثل أحد أعمدة الدولة، واللبنانيون ينظرون بثقة إلى هذه المؤسسة لحماية مستقبلهم”.