تحليلات مخيمات وسجون “داعش” تحت الاختبار.. كيف تحاول واشنطن ضبط أخطر ملف بين “قسد” ودمشق؟
يقع ملف تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا ضمن دائرة الأولويات السياسية والسياسات الأمنية، الإقليمية والدولية، لا سيما في ظل تأثيراته وتداعياته المختلفة في المجالين العام، المحلي والخارجي. فيما تنعكس التداعيات المباشرة على مختلف النطاقات الحيوية المتصلة بالاستقرار الداخلي وكذا بالعمق الجيواستراتيجي.
لهذا ثمة ضرورة قصوى وملحة باتجاه توافر بيئة لا تبدو رخوة أمنيا، فضلا عن ابتعاث استراتيجيات شاملة لمواجهة احتمالات المخاطر، وتأميم فرص حدوثها، وهي جهود تتخطى الأمني إلى سياسات الإنذار المبكر، كما الجوانب الاقتصادية، والتعاون مع القوى المختلفة التي لها سوابق خبرة في مكافحة الإرهاب.
“داعش” قضية شائكة وملغمة
في أول زيارة من نوعها منذ تشكيل السلطة الانتقالية في دمشق، زار وفد حكومي سوري، أمس السبت، مخيم “الهول” الخاضع لسيطرة “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا، والذي يضم آلاف النساء والأطفال المرتبطين بمقاتلي تنظيم “داعش“، وفق ما أكدته “الإدارة الذاتية” ومصادر حكومية.
وجاءت الزيارة في سياق متابعة الاتفاق الموقع في 10 آذار/مارس بين الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي، والذي نصّ على دمج مؤسسات “الإدارة الذاتية”، داخل هياكل الدولة السورية، مع التركيز على تسوية ملفات حساسة مثل مخيمات وسجون بها عناصر وعوائل مقاتلي “داعش”.
يتعين التعامل مع ملف “داعش” من منظور وطني سوري، وذلك من خلال فهم وتحديد أبعاده الوظيفية بيد بعض الأطراف والقوى التي تبحث عن تحريك بعض الأوراق لجهة تحقيق مصالحها، حيث إن احتمالية إدارة القضية من خلال السلطة الانتقالية، وانفرادها بها، يعكس محاولة واضحة ومباشرة نحو تنحية “قسد”.
وتزامنت الزيارة مع لقاء أحمد الشرع بالمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، في تركيا. وقد أشاد باراك بالخطوات الملموسة التي اتخذها الشرع لتنفيذ توصيات الرئيس دونالد ترامب، سواءً فيما يتعلق بمحاربة “داعش”، وإدارة المخيمات ومراكز الاحتجاز في شمال شرق سوريا، أو حل ملف المقاتلين الأجانب، وأيضا العلاقات مع إسرائيل.
ليس ثمة شك، أن تلك الزيارة تحمل جوانب إيجابية بقدر ما تؤشر إلى جملة الأعباء والتحديات الملقاة على الأطراف كافة. إذ تبدو السلطة الانتقالية أمام قضية شائكة ومعقدة بل وملغمة، وتمثل أحد تحديات المرحلة الانتقالية، ومن ثم، متابعة سياساتها تجاه هذا الملف سيعكس حجم الثقة التي يمكن أن تحوزها سواء مع شركائها المحليين أو الأطراف الدولية والإقليمية.
ويمكن القول إن “قسد” منذ مواجهة التنظيم الإرهابي والقضاء عليه في الباغوز بريف ديرالزور شرق سوريا، قبل سنوات قليلة، فضلا عن إدارتها مخيمي “روج” و”الهول” المتواجد فيهما عوائل عناصر التنظيم بما فيهم الأطفال، بجانب مراكز لإعادة التأهيل والدمج، متواجد فيها يافعو التنظيم المعروفون بـ”أشبال الخلافة”، كشفت عن شراكة استراتيجية في “التحالف الدولي” لمحاربة “داعش”، بل قدرات وإمكانات وخبرات عسكرية وكذا على مستوى محاولة إعادة التأهيل بواسطة منظومة تعليمية تحلحل الأيديولوجيا الإسلاموية المتشددة.
قافلة من النساء من عوائل “داعش” خلال معركة الباغوز- “أ.ف.ب”
بالتالي، الزيارة خطوة مهمة ولافتة لجهة ضرورة توسيع دمشق من دائرة حلفائها وشركائها بالداخل للوصول إلى مقاربة عملية وسياسية أكثر فعّالية في قضية “داعش”، وأن لا تكون ورقة وظيفية في يد أطراف خارجية تعادي استقرار سوريا وتحول دون التسوية السياسية وتبحث عن إطالة أمد الوضع الانتقالي بسيولته الأمنية، وفوضويته أحيانا، والاستثمار في الأزمات.
إشراك “رمزي” لإدارة ملف “داعش”
بحسب شيخموس أحمد، الرئيس المشترك لمكتب شؤون النازحين واللاجئين في “الإدارة الذاتية” لوكالة “فرانس برس“، فقد عُقد اجتماع ثلاثي في المخيم، ضم ممثلين عن الحكومة السورية، و”التحالف الدولي”، و”الإدارة الذاتية”، حيث ناقشوا آليات إخراج العائلات السورية من المخيم.
وقد أكد المتحدث باسم “وزارة الداخلية السورية”، نور الدين البابا، أن زيارة الوفد الحكومي تندرج ضمن تنفيذ الاتفاق بين الشرع وعبدي، معتبرا أن الملف يحتاج الى “علاج مجتمعي شامل لأسر تعد ضحية لمنتسبي تنظيم داعش”.
الخطر الذي يتسلل مجدداً.. عن احتمالات عودة “داعش” إلى سوريا
وبحسب المصادر السورية، فإن زيارة الوفد الحكومي للسجون التي تضم معتقلي “داعش”في الحسكة، لا يعني أنها تمهيدا لتسليم هذه المراكز إلى الحكومة السورية الحالية، حيث إن النقاشات لا تزال في إطار تقييم الوضع وتحديد الأولويات.
في هذا الصدد، أكد الباحث السياسي الكُردي السوري في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية في “جامعة كوفنتري” ببريطانيا، زارا صالح، أن ما جرى تداوله في الإعلام حول زيارة وفد من سلطات دمشق لشمال وشرق سوريا أنها في إطار تنفيذ اتفاق 10 آذار/مارس الموقع بين عبدي والشرع، والذي ضمن أحد بنوده محاربة “داعش” والتنسيق في قضية السجون وأنه كان مطلبا أميركيا وأوروبيا بالعموم بأن يتم حلّ هذه المعضلة.
وفي تقدير زارا صالح خلال حديثه لـ”الحل نت”، فإن ملف مخيمات وسجون “داعش” من أعقد القضايا، خاصة الأطفال المتواجدين داخل المخيمات، والذين تم تغذيتهم بأفكار وأيديولوجيا التنظيم المتطرف، ولهذا تعد هذه المخيمات بمثابة “قنبلة موقوتة”، يصعب حلها دون خطط واستراتيجيات مدروسة، وبالتعاون مع الطرفين الأساسيين، “التحالف الدولي” وقوات “قسد”.
مركز “هوري للأحداث” لإعادة التأهيل والدمج، الذي يحوي “أشبال داعش”- “الشرق لأوسط”
وأردف صالح بأن أميركا تعي ذلك جيدا. بالتالي من المحتمل أن تبقى إدارة هذه السجون بيد “قسد” و”التحالف الدولي”، مع إشراك رمزي لسلطة دمشق ضمن إطار اتفاق 10 آذار/مارس، نظرا لعدم ثقة الغرب الكاملة بالإدارة السورية الجديدة، لما لها من خلفية متطرفة.
لماذا الآن؟
أما أسباب تحريك ملف تنظيم “داعش” في الوقت الحالي، فإنه في اعتقاد زارا صالح يأتي في إطار استجابة سلطة دمشق للشروط الأميركية عقب تخفيف العقوبات عن سوريا. ويتضمن الاتفاق مشاركة الحكومة السورية في معالجة ملف المخيمات والسجون بالتنسيق مع “قوات سوريا الديمقراطية” و”الإدارة الذاتية”، وخاصة فيما يتعلق بإعادة العائلات السورية من مخيم “الهول”.
لكن تبقى معضلة “الدواعش” الأجانب، إذ ترفض الدول الأوروبية استعادتهم، وهو ما سيطيل أمد حلحلة هذا الملف الخطير. ووفق زارا صالح، فإن الأطفال داخل المخيمات يمثلون تهديدا مستقبليا جديا، ما يتطلب برامج رعاية وتأهيل حقيقية لتفادي بناء “خلافة جديدة” رغم اختلاف التسميات إلا أن الفكرة والأيديولوجية واحدة.
“88 عملية منذ بداية 2025”.. “داعش” يكثف هجماته ضد “قسد” ودمشق
وبتقدير صالح، فإن ملف “داعش” اختبار آخر لسلطة دمشق لجهة تنفيذ المتطلبات الأميركية، وأيضا محاولة من تركيا وبالتنسيق مع دمشق لتصوير التعاون الأميركي مع “قسد” كمسألة ظرفية مرتبطة بمحاربة “داعش” وهذه المخيمات، “على أمل” أن يؤدي إشراك دمشق في ملف السجون إلى إنهاء الدعم الأميركي للأكراد، وهو تصور مشحون بسوء نوايا، ويتجاهل المطالب الكُردية والدولية المستمرة بحلّ جذري وشامل لهذا الملف، على حد تعبير زارا صالح.
لماذا لن تتسلم دمشق الإدارة بالكامل؟
أما مسألة من سيدير ملف “داعش” في شمال وشرق سوريا، يقول زارا صالح، إن ملف “داعش” سيبقى تحت إدارة “قسد”، لأنها الطرف الوحيد الذي تثق به “التحالف الدولي”، على اعتبار أن أميركا وأوروبا لا تثقان بالأطراف الأخرى، لا تركيا ولا حكومة الشرع، بسبب سجل الأخيرين في دعم أو احتضان جماعات متطرفة.
بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالخبرة والتنسيق العسكري والأمني القائم منذ عدة سنوات بين “قسد” و”التحالف الدولي”، ولذلك، ستبقى “قسد” الطرف الرئيسي في إدارة السجون والمخيمات، مع إشراك محدود وشكلي لحكومة دمشق تحت إشراف “التحالف الدولي”، على الأقل خلال المستقبل المنظور.
وعزا صالح هذا الأمر لحساسية الملف، خاصة مع عودة نشاط “داعش” والخلايا النائمة، ما يُبقي على ضرورة استمرار شراكة التحالف مع “قسد”. كما أن هذه الشراكة تُمثل خطوة عملية نحو بناء نظام لامركزي في سوريا، قد لا يكون فيدراليا، لكنه يشير إلى مستقبل تتوزع فيه السلطات محليا، لا في الشمال الشرقي فقط، بل في مناطق أخرى مثل السويداء ومناطق الساحل.
تحذيرات من استعادة “داعش” لقوته في سوريا
في المحصلة، يتعين التعامل مع ملف “داعش” من منظور وطني سوري، وذلك من خلال فهم وتحديد أبعاده الوظيفية بيد بعض الأطراف والقوى التي تبحث عن تحريك بعض الأوراق لجهة تحقيق مصالحها، حيث إن احتمالية إدارة القضية من خلال دمشق، وانفراد السلطة الانتقالية بها، يعكس محاولة واضحة ومباشرة نحو إضعاف سلطة “الإدارة الذاتية” أو تنحية “قسد”، بالإضافة إلى الضغط لإنهاء فرص اللامركزية في سوريا، مثلا، بل يعيق الحوار بين الطرفين واستكماله (وانعكاس ذلك على باقي المكونات السورية: علويين ودروز، وغيرهما) لجهة التوصل إلى صيغة ممكنة ونهائية بخصوص هيكلية الجيش وشكل الحكم الجديد.