قال ديفيد لامي إن التطهير العرقي يجب أن يوصف على حقيقته “إنه تطرف. إنه أمر مقزز. إنه وحشي” (مجلس العموم)
ملخص
على رغم تصاعد الإدانات الأوروبية غير المسبوقة لسلوك إسرائيل في غزة، تظل الولايات المتحدة الجهة الوحيدة القادرة على كبح حكومة نتنياهو، لكن تفادي العزلة والانهيار الأخلاقي والسياسي يتطلب من إسرائيل تغيير مسارها جذرياً، بدءاً بإزاحة حكومتها الحالية.
انهالت الإدانات الغاضبة سريعاً بسبب سلوك إسرائيل في الحرب على غزة.
شهد النصف الثاني من عام 2024 موجة انتقادات، غلبت عليها اللهجة اللاذعة من الاتحاد الأوروبي وإدارة بايدن على خلفية الدمار غير الضروري الذي ألحقته إسرائيل بالقطاع، واستخدامها المفرط للذخائر ضد غير المقاتلين، وتجويعها للسكان، ومنعها المساعدات الإنسانية، ورفضها المشاركة في وضع إطار سياسي لحقبة ما بعد الحرب في غزة، وتلكؤها في إنهاء الحرب حتى، واتهامها بارتكاب أفعال ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
لكن هذا الأسبوع، ارتفع سقف الانتقادات وتصاعدت حدة التنديد.
أين نبدأ؟ من البيان البريطاني – الكندي – الفرنسي المشترك في شأن إسرائيل، وتعليق بريطانيا المحادثات التجارية، واتخاذ الاتحاد الأوروبي قراراً بمراجعة الاتفاقات المشتركة. وصولاً إلى التوبيخ النادر إنما الشديد من وزير الخارجية البريطاني في مجلس العموم، وعودة الحديث عن اعتزام بعض الدول الأوروبية بالاعتراف الأحادي الجانب بدولة فلسطينية.
والأقسى من كل هذا ربما في عيون إسرائيل، تلك التسريبات من البيت الأبيض التي تعكس إنهاك الرئيس دونالد ترمب، واستيائه من تصرفات بنيامين نتنياهو.
التهجير شرط لنهاية الحرب… فلماذا لا تسمح إسرائيل بمغادرة الغزيين القطاع؟
والامتعاض السائد داخل الحكومة الإسرائيلية هو أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا دانت إسرائيل ليس فقط لأنها – طبعاً – منافقة وجبانة، بل أيضاً لأن دونالد ترمب همش إسرائيل خلال جولته في الشرق الأوسط، مفضلاً زيارة السعودية والإمارات وقطر. وبالتالي، وجد هؤلاء الأوروبيون المعادون لإسرائيل أمامهم فرصة سانحة.
لكن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، صحيح أن ترمب همش إسرائيل وأثار الشكوك حول قيمتها كحليف. وفعل ذلك حين دخل في محادثات مباشرة مع إيران حول صفقة نووية، وعلق العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن من دون أن يأتي على ذكر إسرائيل، وسافر إلى السعودية والإمارات وقطر في جولة حصاد اقتصادي تفادى خلالها زيارة إسرائيل بكل وضوح، لكنه لم يقلل من شأن إسرائيل، بل نتنياهو من فعل ذلك بعد سنوات من التحدي والغرور والسياسات المتهورة.
ترافق البيان البريطاني – الكندي – الفرنسي المشترك الصادر يوم الإثنين الماضي ضد سلوك إسرائيل مع تهديد مبطن، “لن نقف كالمتفرجين فيما تستمر حكومة نتنياهو بهذه التصرفات السافرة. وإن لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع القيود عن المساعدات الإنسانية، سنرد على ذلك باتخاذ خطوات ملموسة أخرى”. إن بريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي ليست ضد إسرائيل لكن ضد نتنياهو وحكومته، ولم يأخذوا إشارة للتحرك من واشنطن.
اعترضت وزارة الخارجية الإسرائيلية بصورة درامية قائلة “انتهى الانتداب البريطاني منذ 77 عاماً”، لكن ذلك محض هراء، والشيء الوحيد الصحيح فيه هو التاريخ: لم يكن لإسرائيل صديق أفضل في أوروبا من بريطانيا منذ كارثة السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والحرب التي تلتها في غزة.
ولم يلطف أي من كير ستارمر أو ديفيد لامي، وهما حليفان طويلا الأمد لإسرائيل، كلامهما تعقيباً على ذلك، فقال ستارمر: “وصلت المعاناة في غزة إلى مستوى لا يطاق”. أما لامي فكان أكثر صرامة، إذ استشهد بدعمه الصادق ل إسرائيل منذ بداية الحرب عام 2023، قبل أن يقول “علينا أن نسمي الأشياء [التطهير العرقي] بأسمائها. هذا تطرف. وهو بغيض. ووحشي”. ثم علقت بريطانيا المحادثات التجارية مع إسرائيل، وفرضت بعض العقوبات، يجب القول من باب الإنصاف إنها كانت خفيفة، على عدد من المستوطنين وبعض المنظمات الاستيطانية المتشددة في الضفة الغربية.
ومن خلال مبادرة هولندية، أعلن الاتحاد الأوروبي نيته “مراجعة” اتفاق الشراكة الاقتصادية مع إسرائيل، وهو الاتفاق الساري منذ عام 1995. ولعل الساسة الفاسدين الذين يتصدرون الحكومة الإسرائيلية نسوا أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل، إذ يمثل 34 في المئة من وارداتها، ونحو 30 في المئة من صادراتها.
وبرر الاتحاد الأوروبي هذه الخطوة بالاشتباه في أن إسرائيل قد لا تلتزم بحسن نية بالمادة الثانية من الاتفاق، التي تنص على أن “العلاقات بين الطرفين، وكذلك جميع أحكام الاتفاق، يجب أن تقوم على احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، وهو ما يعد بنداً جوهرياً في الاتفاق”.
فهل يكون هذا هو التسونامي الدبلوماسي الذي حذر منه كثيرون طوال سنوات، الذي يعمق عزلة إسرائيل وتهميشها، وبدرجة أكبر منذ أن أطلق نتنياهو انقلابه الدستوري في مطلع عام 2023؟
تظل الولايات المتحدة الطرف الحاسم في هذه المعادلة، وكما شددت افتتاحية “اندبندنت”، فإن الضغط الأميركي هو السبب الوحيد الذي دفع إسرائيل إلى السماح، ولو بحد أدنى، بدخول المساعدات إلى غزة. ومع ذلك فإن التوسع البري الإسرائيلي الجديد يثير تساؤلات حول ما ناقشه نتنياهو مع ترمب، وما الذي تعهد ترمب بتنفيذه – أو الامتناع عنه – رداً على ذلك.
يمكن لترمب، الذي رجته السعودية أن ينهي الحرب، أن يمارس ضغطاً حقيقياً على إسرائيل، ولن يواجه معارضة شديدة في واشنطن إن فعل ذلك. كما يمكنه، في المقابل، أن يظل بعيداً ويقول “اتصلوا بي حين تصبحون جديين، أسحب يدي من الموضوع”. وأي من الخيارين قد يثير انتقادات أوروبية جديدة، وربما حتى اتخاذ خطوات ملموسة ضد إسرائيل.
عندما تتجاهل أفكار حلفائك واقتراحاتهم في السياسة وتزدريها وتتحداها منذ عام 1967، وتغذي في المقابل حساً كاذباً بعقلية الضحية، وبأن “العالم ضدنا” في سبيل جني مكاسب سياسية، قد يأتيك بالفعل يوم حساب. ومن أجل تفادي ذلك، تحتاج إسرائيل إلى تخليص نفسها من هذه الحكومة.
ألون بينكاس هو قنصل عام إسرائيلي سابق لدى الولايات المتحدة، وكان مستشاراً سياسياً لرئيسي وزراء سابقين هما شمعون بيريز وإيهود باراك.