هنا كان جدول مائي
بغداد- تكشف أزمة المياه المتفاقمة في العراق حدود التقارب بين أنقرة وبغداد، فرغم التنسيق الأمني عالي المستوى بين البلدين لمواجهة “حزب العمال الكردستاني”، إلى جانب صفقات تجارية ومشاريع بنية تحتية مثل مشروع طريق التنمية، إلا أن ملف المياه ظل خارج هذا التقارب.
ولم تسجل أي اختراقات فعلية في ملف تقاسم المياه بين أنقرة وبغداد، وهو ما فاقم أزمة الجفاف في العراق، حيث كشفت السلطات الأحد أن مخزون المياه في أسوأ مستوياته منذ 80 عاما.
واختارت بغداد الدبلوماسية الهادئة للتعامل مع أنقرة في هذا الملف الحسّاس، لكنّ مراقبين يرون أن هذه الإستراتيجية لم تؤت أكلها حيث فشلت في انتزاع أي التزام تركي بشأن تقاسم المياه، أو حتى تحديد جدول زمني واضح للتفاوض بشأن الموضوع.
العراق بحاجة إلى أدوات تفاوض أكثر فاعلية، تدمج ملف المياه في سلة العلاقات الثنائية بدل تركه معلقا
ويرى هؤلاء المراقبون أن العراق بحاجة إلى أدوات تفاوض أكثر فاعلية، تدمج ملف المياه في سلة العلاقات الثنائية بدل تركه معلّقا، متسائلين عن عدم ربط هذا الملف بالملفات الأمنية والاقتصادية للوصول إلى علاقات متوازنة؟
ومن أبرز مصادر التوتر ما يعرف بـ”مشروع جنوب شرق الأناضول” الذي يتضمن العشرات من السدود على نهري دجلة والفرات داخل الأراضي التركية، لعل أبرزها “سد إليسو” الذي دخل الخدمة في السنوات الأخيرة وساهم في تقليص تدفق المياه إلى العراق بشكل كبير.
وتبرّر أنقرة مشاريعها بأنها جزء من خططها التنموية الداخلية، مشددة على أنها تعرض “التعاون الفني” مع العراق لضمان الاستخدام المشترك للمياه، وهو ما ترفضه بغداد وتعتبرها عروضا لا ترقى إلى مستوى الاتفاقيات الملزمة ولا تحمي حقوق العراق كدولة مصب.
وليست تركيا لوحدها من تثقل كاهل العراق المائي، فإيران بدورها تسهم في تعقيد المشهد من خلال تحكمها في تدفق عدد من الروافد الشرقية التي تغذي نهر ديالى ونهر سيروان وروافد دجلة، وعمدت خلال السنوات الأخيرة إلى تحويل مجرى بعض الأنهار إلى داخل أراضيها، وهو ما تقابله السلطات بالصمت والحذر لاعتبارات سياسية وطائفية معقدة.
وقال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، الأحد، إن النقص في المياه أسوأ من العام 2024، وسيجبر السلطات على تقليص مساحة الأراضي الزراعية المزروعة هذا الصيف.
po
وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف المستمر منذ خمس سنوات على الأقل، تنتقد بغداد بانتظام السدود التي بنيت على النهرين في بلدي المنبع تركيا وإيران، والتي أدت إلى انخفاض كبير في مستوى النهرين اللذين يشكلان المصدر الأساسي للمياه في العراق.
وقال شمال على هامش مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه “لا يستلم العراق سوى أقل من 40 في المئة من استحقاقه (…) ونستطيع أن نلاحظ منسوب المياه في كل من دجلة والفرات”.
وأكد أن “الخزين الإستراتيجي كان أفضل في العام الماضي، إذ كان ضعف الموجود حاليا.”
وتابع المسؤول، وهو أيضا مدير الهيئة العامة لمشاريع الري والاستصلاح في الوزارة، “في بداية موسم الصيف من المفترض أن يكون لدينا ما لا يقل عن 18 مليار متر مكعب، أما الآن فنحن لدينا حوالي 10 مليارات متر مكعب.”
وأوضح أنه “خلال 80 سنة لم نحصل على خزين منخفض” بهذا الشكل، مشيراً إلى أن “الأمطار هذه السنة كانت شحيحة وحتى الإرادات المائية من ذوبان الثلوج كانت قليلة جداً، كل ذلك أثّر على الخزين.”
ومن أجل ضمان توافر مياه الشرب لـ46 مليون عراقي، اضطرت السلطات خلال السنوات الماضية إلى تقليص المساحات الزراعية.
op
وقال شمال “لن نتوسع في الخطة الزراعية الصيفية.” وتابع “مؤشرات الخطة الزراعية تبنى على ما هو موجود من مياه بالخزين أو الإرادات، وبما أن الخزين قليل والإرادات أقل، ستكون الخطة الزراعية هيكلية للحفاظ على أصول النباتات وأصول المزروعات.” وأضاف “سنحافظ فقط على المساحات الخضراء أو المساحات المثمرة، أي أكثر من مليون ونصف مليون دونم.”
وفي صيف العام الماضي، سمحت السلطات للمزارعين بزراعة مليونين ونصف مليون دونم من حقول الذرة والأرز والبساتين.
وخلال السنوات الماضية، شجعت الحكومة العراقية المزارعين على استخدام تقنيات الري الحديث للحد من استهلاك المياه. وخلال مؤتمر بغداد للمياه، أعلن رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني السبت عن مبادرة إقليمية لحماية نهري دجلة والفرات.
وتهدف المبادرة، بحسب شمال، إلى حشد الدعم الدولي وزيادة الضغط الدبلوماسي على دول الجوار وتشجيع التفاهمات الثنائية مع كل من تركيا وسوريا وإيران لضمان حقوق العراق.