كان كلام رئيس الحكومة نواف سلام عن “نهاية عصر تصدير الثورة الايرانية” بمثابة إعلان سياسي عن دخول لبنان مرحلة مختلفة، تُرسم فيها أولويات جديدة للسيادة والدولة، وتتراجع فيها شرعية السلاح الخارج عن الشرعية، وتُفتح فيها أبواب المواجهة الهادئة مع منظومة طالما حصّنت سلاحها باسم المقاومة، وشرّعت تغوّلها على الدولة باسم التحرير.
وعلى وقع هذا التحوّل، لم ينتظر “حزب الله” فتح الملف رسمياً، فاستبق تحركات رئيس الجمهورية جوزاف عون وحكومته بلقاء ودي ومباشر، لا يخلو من استعراض “الود السياسي”، لكنه يضمر تحذيراً مبطناً: كل نقاش في السلاح مشروط بانسحاب إسرائيلي كامل، ووقف الخروق، والإفراج عن الأسرى. بكلام أوضح: الحزب يُمسك بأجندته وحده، ويرسم خطوط التفاوض قبل أن يبدأ.
اللقاء الذي وصفه رئيس الكتلة البرلمانية للحزب النائب محمد رعد بـ”الايجابي” وبأن الأبواب مفتوحة، لا يلغي حقيقة أن الحزب يضع شروطاً فوق دستورية على الدولة نفسها، إذ يتعامل مع رئيس الجمهورية كشريك في “رسم الأولويات”، لا كرئيس مكلف بفرض سلطة الدولة. واللافت أن اللقاء جاء عشية انتهاء الانتخابات البلدية، الموعد الذي قطعه العهد على نفسه لبدء تحريك ملف سلاح “حزب الله”، بالتوازي مع مسار نزع سلاح المخيمات الفلسطينية.
وبينما يستعد لبنان لتطبيق خطة زمنية لمعالجة السلاح في ثلاثة مخيمات فلسطينية، تشير مصادر حكومية في حديث لموقع “لبنان الكبير” إلى أن العهد ماضٍ، وإن بتدرج، في فتح حوار حول سلاح “حزب الله”، لكن لا آلية واضحة حتى الآن، ولا جدول زمنياً، ولا ضمانات بأن يكون النقاش جدياً أو قابلاً للتنفيذ، خصوصاً أن حليف الحزب، الرئيس نبيه بري، سيتولى تسهيل هذا الحوار، أي أنه سيكون “الوسيط الحليف”، لا الراعي المستقل.
سلام، من جهته، لا يهادن. فقد صرّح بوضوح أن “لا سلاح خارج سلطة الدولة”، في تأكيد على نهج حكومي يسعى إلى إنهاء عهد السلاح الميليشيوي. سلام الذي وصف التخوين بأنه “سلاح سياسي رخيص”، اختار المواجهة من موقع مشروعه الإصلاحي: بناء دولة تستعيد ثقة اللبنانيين والعرب، تُصلح القضاء، وتحارب الفساد، وتفتح الباب أمام الاستثمار العربي لا التهريب والمخدرات.
رسائل سلام تتجاوز الشأن الداخلي، إذ أعلن أن لبنان “شبِع من الاستقطاب الايراني – الأميركي”، وأعاد توجيه البوصلة نحو العرب. حديثه عن استعادة ثقة الخليج، وإعادة التصدير إلى السعودية، يؤكد أن مشروعه ليس داخلياً وحسب، بل إقليمي أيضاً. إنه لبنان ما بعد المحور، لبنان الذي يريد العودة إلى عمقه العربي، لا التحوّل إلى جبهة حرب بالوكالة.
العدوان الاسرائيلي المتكرر على الجنوب والبقاع والضاحية، والذي بلغ ذروته في الأيام الأخيرة مع استهداف دراجات نارية ومدنيين، لا يُبرّر استمرار “حزب الله” في مصادرة قرار الحرب والسلم، بل يؤكد مرة جديدة أن “المعادلة الثلاثية” (الجيش، الشعب، المقاومة) التي يتمسك بها الحزب لم تعد كافية لحماية لبنان، بل أصبحت مدخلاً لاستباحته.
اللبنانيون لم يعودوا يقبلون بأن يُختزل أمنهم بمعادلات غير قابلة للمحاسبة. والمجتمع الدولي لن يتساهل مع دولة عاجزة عن فرض سلطتها. وبين لغة الحوار التي يطرحها الرئيس عون، ومشروع الدولة الذي يقوده الرئيس سلام، والردود المشروطة التي يعتمدها “حزب الله”، سيكون على لبنان أن يقرّر: إما أن يكون وطناً لكل مواطنيه تحت سقف القانون، أو يبقى أسير دويلات، تتبادل رسائل التفاهم، وتتناسى أن الدولة لا تقوم بالشروط، بل بالقرار.
سحب السلاح الفلسطيني الشهر المقبل
أكد الرئيس عون أمام وفد أميركي برئاسة السيناتور أنغوس كينغ، “أننا شكّلنا لجاناً لبنانية – فلسطينية، وسيبدأ العمل في منتصف الشهر المقبل في 3 مخيمات فلسطينية في بيروت لمعالجة مسألة وجود السلاح الفلسطيني فيها”. وأشار إلى أن “البدء برفع العقوبات الأميركية عن سوريا خيارٌ جيد، لأن تحسين الاقتصاد السوري يساعد في حلّ أزمة النازحين السوريين في لبنان، الذين عليهم العودة للمساهمة في إنعاش اقتصاد بلدهم”، معتبراً أن “على الأمم المتحدة أن تقدّم المساعدات للنازحين في بلادهم وليس في لبنان”.
سلام: خطة زمنية لبسط السيادة
أما الرئيس سلام فأكد خلال لقائه الوفد الأميركي “إصرار الحكومة اللبنانية على بسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، بما فيها معالجة مسألة السلاح الفلسطيني في المخيمات، وفق خطة زمنية تم وضعها وسيبدأ العمل على تنفيذها”، مشدداً على “أهمية دعم الجيش اللبناني كي يعزز سلطته على الحدود وفي الداخل”.
ودعا إلى “زيادة الضغط الأميركي على إسرائيل كي تنسحب من الأراضي اللبنانية التي ما زالت تحتلها، ولوقف خروقها للسيادة اللبنانية”. وتناول اللقاء أيضاً المسار الاصلاحي الذي تنتهجه الحكومة، بالاضافة إلى المستجدات في سوريا ورفع العقوبات عنها ما سيسهّل عودة النازحين السوريين إلى ديارهم.
التصعيد الاسرائيلي مستمر
ميدانياً، شن الطيران الحربي الاسرائيلي ثلاث غارات على محلة النبي “سراج” في خراج بلدة بريتال، لجهة سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية. وحلق طيران الاستطلاع بصورة مستمرة ولأكثر من ساعة، في أجواء خلدة، عرمون وبشامون. كما حلّقت المسيرات على علو منخفض في أجواء بيروت والضاحية الجنوبية.
جنوباً، نجا أحد أبناء بلدة بيت ليف بأعجوبة بعد استهدافه وهو على متن دراجته النارية من مسيّرة إسرائيلية، أطلقت في اتجاهه صاروخين. وأعلنت وزارة الصحة عن إصابة مواطنين اثنين في العدوان الاسرائيلي ليل الاثنين على بلدتي بيت ليف ومجدل زون.