النفط أصل الخلاف
بغداد – فتحت الحكومة العراقية معركة قضائية مزدوجة ضد إقليم كردستان العراق، حيث رفعت دعوى لحل برلمان الإقليم ودعوى أخرى لوقف اتفاقيتين نفطيتين وقعتهما أربيل مع شركتين أميركيتين دون الرجوع إلى بغداد.
ويرى مراقبون أن هذه التحركات لا تعد مجرد نزاعات قضائية أو دستورية بين بغداد وأربيل وإنما تعكس إستراتيجية جديدة تتبناها بغداد لتقليص استقلال الإقليم سياسيا واقتصاديا وإعادة رسم العلاقة بين الطرفين.
ويرى هؤلاء المراقبون أن الطعن في شرعية برلمان إقليم كردستان الذي يهدف بالأساس إلى ضرب رمز الفيدرالية في العراق وإرسال رسالة سياسية مفادها أن لا مؤسسات شرعية في الإقليم خارج مرجعية المركز، كما يحمل في طياته رغبة في كسر احتكار الأحزاب الكردية لتمثيل الإقليم سياسيا وفرض واقع جديد تتحول فيه مؤسسات كردستان العراق من كيان سياسي متمايز عن الدولة إلى مجرد إدارة محلية.
لجوء بغداد إلى المحكمة الاتحادية يهدف إلى خلق أزمة سياسية جديدة في الإقليم ما يمنع حكومته من تنفيذ أي مشاريع دون غطاء تشريعي.
وحددت المحكمة الاتحادية العليا في العراق السادس من يوليو المقبل موعدا للنظر في دعوى قضائية تطالب بإلغاء نتائج انتخابات إقليم كردستان وإعادة تنظيمها، وهو أمر صعب التحقق على المدى القريب في ظل الخلافات الكردية – الكردية ما يعني حدوث فراغ تشريعي تستغله بغداد للضغط بشكل أكبر على الإقليم.
ولم تجد الحكومة الاتحادية أيّ مدخل لتعطيل اتفاقيتي النفط بين الإقليم والشركات الأميركية سوى تسليط المحكمة الاتحادية التي طالما اتهمها الأكراد بأنها ورقة بيد بغداد للضغط على الإقليم، وأنها تلعب دورا سياسيا أكثر منه دورا قضائيا لحل الخلافات بين الفرقاء.
وفي ظل عجز بغداد عن اتخاذ خطوات سياسية مباشرة ضد الإقليم، فإن لجوءها إلى المحكمة الاتحادية يهدف إلى خلق أزمة سياسية جديدة في الإقليم وإدامة الفراغ السياسي ما يمنع حكومته ومؤسساته من تنفيذ أيّ مشاريع اقتصادية دون غطاء تشريعي. كما أن الهدف كذلك هو توتير الوضع الاجتماعي بالاستمرار في حجب الرواتب والميزانية وجعل حكومة الإقليم في مواجهة مع الاحتجاجات الشعبية.
وفي فبراير 2024، قرّرت المحكمة الاتحادية إلغاء مقاعد الكوتا وتقليص عدد نواب برلمان كردستان من 111 عضوا إلى 100 عضو فقط، في مسعى لتغيير موازين القوى في الإقليم. كما قررت تقسيم الإقليم انتخابيا إلى ما لا يقل عن أربع دوائر بدل الدائرة الواحدة، وحلول المفوضية العليا المستقلة للانتخابات محل الهيئة العليا لانتخابات برلمان كردستان العراق في الإشراف على انتخابات الإقليم.
ووصف الحزب الديمقراطي الكردستاني وقتها تلك القرارات بأنّها “تتعارض مع روح الدستور والحقوق الدستورية لإقليم كردستان ومبادئ الفيدرالية.”
اقرأ أيضا:
السياسات النفطية صداع مزمن يسمم العلاقات بين بغداد وأربيل
ويقول مراقبون إن بغداد لا تقدر على أن تطلق تصريحات ضد الشركات الأميركية بسبب اتفاق النفط الذي تعتبر أنه مناف للدستور العراقي، ولذلك فهي لا تجد من ردة فعل سوى تحميل إقليم كردستان المسؤولية والزج بالمحكمة الاتحادية في المعركة من جديد كأداة ضغط على أربيل. لكن ذلك سيجعل المحكمة بدورها في مواجهة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وفي يناير الماضي، انتقد عضو مجلس الشيوخ الأميركي جو ويلسون المحكمة الاتحادية العراقية وشكّك في دستوريتها. ووجه انتقاداته إلى رئيسها القاضي جاسم عبود واصفا إياه بـ”الدمية في يد إيران وميليشيا بدر.”
وقال في تدوينة له على منصة إكس “المحكمة العليا العراقية غير دستورية وأصبحت أداة للنظام الإيراني،” مشيرا إلى ضرورة إصلاحها بشكل جذري أو فرض عقوبات عليها.
ويشير المراقبون إلى أن التلويح بحل برلمان كردستان يمكن أن يخلق أزمة سياسية في الإقليم ويضاعف من معاناة المواطنين بعرقلة دفع الرواتب لفترة أطول، لكنه لن يوقف اتفاق النفط مع الشركات الأميركية ولن يجعل واشنطن تراجع موقفها في الرهان على الإقليم سياسيا وأمنيا واقتصاديا طالما أن حكومة محمد شياع السوداني ما تزال مترددة في حسم موقفها من إيران ومن خطوة حل الحشد الشعبي كما تطالب بذلك واشنطن.
وليس مستبعدا أن ترد واشنطن على تلويح المحكمة الاتحاد بحل برلمان الإقليم بتصعيد موقفها من موضوع الحشد الشعبي وتحميل حكومة السوداني مسؤولية ذلك.
وقالت بغداد إن التعامل المباشر بين الشركتين وحكومة إقليم كردستان دون مشاركة الحكومة الاتحادية مخالف للدستور. وأعلنت “بطلان” الاتفاقيتين.
وأفادت ثلاثة مصادر مطلعة، الاثنين، بأن وزارة النفط العراقية أقامت دعوى قضائية على حكومة إقليم كردستان العراق شبه المستقل بشأن عقود نفط وغاز وقعتها مع شركات أميركية.
اقرأ أيضا:
كردستان العراق بوابة الوساطة نحو سلام إقليمي شامل
وكان رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني قد أشرف على توقيع اتفاقيتين في مجال الطاقة بقيمة إجمالية قدرها 110 مليارات دولار على مدار مدة سريانهما مع شركتي إتش.كيه.إن إنرجي وويسترن زاجروس الأميركيتين خلال زيارته إلى واشنطن الأسبوع الماضي.
وذكر بيان صادر عن حكومة إقليم كردستان أنه التقى مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يوم الجمعة، وناقشا “أهمية استئناف تصدير نفط إقليم كردستان عبر خط الأنابيب العراقي – التركي.”
وتشمل الاتفاقيتان تطوير حقلي غاز ميران وتوبخانة – كردمير في مدينة السليمانية بشمال العراق.
وتراهن بغداد في صراعها مع إقليم كردستان على الاختراق الواسع الذي قامت به في الإقليم من خلال الاتحاد الوطني، الذي يتولى عرقلة أيّ مشاريع تخص الإقليم وتعارضها بغداد مثل مشروع “حسابي” لتوطين الرواتب. كما أنه يعرقل تشكيل الحكومة منذ أشهر لحسابات حزبية.
وكشف عمر كولبي، المرشح الفائز عن حركة العدل الاجتماعية، في تصريح صحفي، أن المحكمة الاتحادية العليا خصصت يوم 6 يوليو 2025 لعقد أولى جلساتها للنظر في الدعوى المرقمة (88/اتحادي/2025)، التي قُدمت مطلع الشهر الجاري.
وأوضح كولبي أن مضمون الشكوى يتضمن المطالبة بـ”إلغاء الدورة السادسة لبرلمان إقليم كردستان، وتكليف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإجراء انتخابات جديدة في أقرب وقت، فضلاً عن استرجاع جميع الامتيازات المالية التي حصل عليها 97 نائباً خلال الأشهر الستة الماضية دون مزاولة أيّ عمل فعلي.”
اقرأ أيضا:
كردستان.. تساؤلات شعب وأزمة شراكة
وبيّن أن النواب الذين أدوا اليمين القانونية منذ ستة أشهر لم يتمكنوا من مباشرة أعمالهم بسبب تعثر انتخاب هيئة رئاسة البرلمان، إلا أنهم استمروا بتقاضي رواتب شهرية بلغت 8 ملايين و200 ألف دينار لكل نائب.
وأعلنت رئيس كتلة الجيل الجديد سروة عبدالواحد في 8 مايو الجاري، رفع دعوى قضائية ضد رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، لدى المحكمة الاتحادية، وذلك لامتناعه عن حل برلمان الإقليم، وفشله في انتخاب هيئة رئاسة البرلمان ضمن المدة القانونية.
وكان عضو حركة تفكري آزادي الكردية لقمان حسن أكد في 5 مايو الجاري مساعي الحزبين الحاكمين لترحيل تشكيل حكومة الإقليم إلى ما بعد الانتخابات التشريعية في البلاد، من أجل تقاسم السلطة وفق الرؤية السياسية التي ستنتجها الانتخابات.
وجدد رئيس حراك الجيل الجديد، شاسوار عبدالواحد، في 22 أبريل الماضي، تهديده بحل برلمان إقليم كردستان، في حال عدم عقد الجلسة.
وشهد البرلمان بدورته السادسة انعقاد جلسته الأولى في مطلع ديسمبر 2024، والتي تضمنت تأدية اليمين القانونية لأعضائه، وإبقاء الجلسة مفتوحة بسبب عدم حسم المناصب الرئيسة في الإقليم.