لعلّ أكثر ما يَكشفُ منطقَ الحُكم في سوريا اليوم هو الكيفية التي تُقابَل بها لحظاتُ الانفراج؛ بالتأسيس أم بالتكيّف. لقد جاء رفع العقوبات الأوروبية، وتجميد جزء من العقوبات الأميركية، كعتبةٍ جديدة يُراد لها أن تُقرأ كبداية خروج من «الحافة»، غير أنه قد يكون من الخطأ أن يُفهم هذا الحدث كمدخل تلقائي لإعادة تأسيس الدولة، لأن رفع العقوبات لا يُنتِجُ تلقائياً عقداً اجتماعياً، ولا يطلق ديناميات التحوّل، حيث أن الحافة في سوريا غير ناتجة عن فراغ مؤقت، وهي تُدار اليوم من قِبل سلطة انتقالية لا تتعامل مع الدولة كعقد تمثيلي، إنما كأداة ضبط ديني–إداري، وهو ما يُبقيها فعلياً خارج شروط الحُكم المدني والمؤسسي حتى اللحظة.
الحافة، كما تتبدى في السياق السوري اليوم، ليست موقعاً بين الدولة والفوضى فحسب، بل هي نمط حُكم يُدار من موقع التعليق الدائم، من دون مؤسسات مكتملة ومن دون انهيار كلي، كما حاولتُ أن أُبرهنَ في مقال سابق بعنوان سوريا كـ«دولة على حافة الدولة». إنها بنية تُعاد هندستها كل مرة، لتمنح السلطة أسباباً جديدة للبقاء دون دولة. ولهذا، فإن لحظة رفع/تجميد العقوبات الأوروبية والأميركية، قد لا تفتح بالضرورة أفقاً مختلفاً، فهي تبدو أقرب إلى اختبار جديد لذلك المنطق الذي حوّلَ المؤقتَ إلى قاعدة، واللّااستقرار إلى نمط إدارة.
يُطرَح هنا تساؤل جوهري حول ما إذا كانت السلطة الانتقالية تمتلك تصوّراً فعلياً للخروج من منطق الحافة، أم أنها تكتفي بإدارته بأساليب أكثر مرونة دون مساس بجوهره. وهل تَقرأ الانفراج كترخيص جديد لإدامة منطقها السلطوي دون أن تدخل فعلياً في مشروع بناء الدولة كمجال تمثيلي وتشاركي؟ وهل يُستَقبَل رفع العقوبات كمقدّمة لبناء سياسي–مؤسساتي، أم كحافز لإعادة تدوير أدوات التأجيل بلغة أكثر مرونة؟
بين خطاب الشرعية ومسارات الاعتراف
لم يكن قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات عن سوريا فعلاً تقنياً بقدر ما كان إشارة سياسية مُضمَّنة إلى أن النظام الدولي بات مستعداً لـ«فحص» مآلات السلطة القائمة، أما الولايات المتحدة، التي لم ترفع العقوبات حتى الآن بشكل كامل ونهائي؛ مُشيرةً إلى تجميدها مؤقتاً وفق وزير خارجيتها، ماركو روبيو، تحت بند «المرونة المشروطة»، فمارست ما يمكن تسميته بـ «تفويض الأزمة» لا حلّها، واضعةً السلطة في حالة اختبار مؤقت، قابل للتراجع كل 180 يوماً.
في أعقاب قرار رفع العقوبات الأوروبية، أجرى أنطونيو كوستا، رئيس المجلس الأوروبي، اتصالاً مع أحمد الشرع، أكد فيه أن الخطوة الأوروبية تمثل «فرصة حقيقية لتعافي سوريا»، وقد جاء في البيان الرسمي أن الشرع شدَّدَ خلال الاتصال على «التزامه بالتحوّل الديمقراطي»، رابطاً ذلك بعودة الاستقرار الاقتصادي وجذب الاستثمارات.
لكن هذه اللغة، وإن بدت تَصالُحية، لا تحمل في طيّاتها أي ضمان مؤسسي أو رقابي على مضمون هذا «التحوّل»، إنما تُستخدم كصيغة خطابية تسمح بإعادة إدماج السلطة الانتقالية دون الاعتراف بها بالكامل. هكذا، تتحوّل الديمقراطية إلى أداة لغوية تُستدعَى في لحظة الانفراج، كممر ضروري لعودة العلاقات الاقتصادية، حتى ولو لم تكن مشروعاً تأسيسياً ممكناً.
فيما حرصت واشنطن، على نزع الطابع الاستراتيجي الواضح عن قرارها، مُعتبِرةً أنه «تجميدٌ خاضع للتقييم، لا رفعٌ شامل للعقوبات».
هذا الانفصال المقصود بين الإجراء والمعنى السياسي، يضعُ الداخل السوري في مواجهة سؤال مقلق: هل السلطة الانتقالية ترى في هذه اللحظة بداية تحول بنيوي؟ أم فرصة جديدة لتحويل الظرف الاستثنائي إلى قاعدة؟
ويمكن في هذا السياق استدعاء تجربة طالبان بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان رغم الفروقات الكثيرة في ظروف البلدين وتركيبتهما، حيث سعت الحركة إلى انتزاع اعتراف دولي دون أن تُعيد تعريف بنيتها العقائدية أو آليات حكمها. لقد قُدِّمت خطابياً كسلطة قادرة على إدارة البلاد، لكنها واجهت مأزقاً بنيوياً شبيهاً بالحالة السورية؛ متمثلاً في الرغبة بالحفاظ على الشرعية العقدية، مقابل الحاجة للانخراط في منظومة دولية لا تعترف إلا بمؤسسات الدولة التقليدية. هذا ما يُعيد طرح السؤال؛ هل يُستخدَم الخطاب السياسي لتليين الحواف السلطوية دون تعديل جذري في منطق السيطرة؟
ما يتبدّى الآن في سوريا هو قراءة نفعية للانفراجة الدولية من جانب السلطة الانتقالية، بوصفها فرصة لإعادة تثبيت أنماط السيطرة القائمة. فبدلاً من التعامل مع رفع العقوبات كنافذة لانفتاح سياسي-اجتماعي، قد يجري تأويلها ضمن منطق «شرعنة السلوك السلطوي» المستند إلى الولاء العَقدَي وليس مراجعته.
وبهذا، تُعاد صياغة «الحافة» كنموذج تفاوض دائم؛ تُدَار شروطه من الخارج عبر رفع تدريجي للقيود، وتُعَاد هندسته في الداخل بمنطق التكيُّف لا التحوُّل. هنا، تتحوّل الحافة إلى منظومة حُكم تُراكِمُ شرعيتها من قدرتها على البقاء بدلاً من مشروعيتها التمثيلية، وتُظهر السلطة الانتقالية استعداداً كبيراً لإعادة إنتاج اللّااكتمال بوصفه صيغة حُكْم وليس خللاً مرحلياً.
رفع العقوبات؛ هل يفكك الحافة أم يُرممها؟
في منطق الاقتصاد السياسي للسلطة الانتقالية الراهنة في سوريا، لا تُقاس لحظات الانفراج بحجم الموارد المُتاحة فحسب، لكن لا بد من النظر إلى كيفية إدارتها داخل بنية حُكم جديدة، ذات مرجعية شرعية-عَقَدية، تُعيد إنتاج السيطرة من خلال آليات توزيع لا تستند إلى التمثيل أو الكفاءة. ومن هنا، لا يكفي رفع القيود الخارجية لتغيير قواعد التوزيع أو آليات الحكم، ما لم يترافق ذلك مع إعادة تعريف للوظيفة الاقتصادية للدولة، وتفكيك نمط التمكين الذي تُعيد السلطة تثبيته اليوم كبنية حُكم مركزية تُدار عبر الولاء العَقَدي، لا القانوني-المؤسسي.
وإذا استمر هذا المنطق في إدارة الموارد، فقد تتحول الانفراجة الاقتصادية الناتجة عن رفع العقوبات إلى أداة لتقوية الشبكات الزبائنية. فالسلطة التي لم تُراجِع حتى الآن آليات التعيين أو توزيع الموارد، يُخشى أن تُكرِّسَ عبر الانفراجة ذاتِها شبكات نفوذ جديدة تُعيد إنتاج الحقل الإداري بمنطق التعبئة الشرعية، كما يتجلّى في المجالس الدعوية والمؤسسات الظلّية، لا بمنطق الحوكمة التمثيلية.
يُمارَس الإقصاء هنا من خلال مأسسة الولاء العقائدي في البيروقراطية نفسها، فتُصاغ معايير التوظيف الإداري وفق منطق «الامتثال الشرعي»، وتُستبدَل الكفاءة بـ شالانضباط العَقَدي»، ويُعَاد إنتاج الخطاب المهني من داخل الجهاز الديني لا القانوني. بهذا، تُفرَز السلطة عبر عملية إدماج تدريجي للقواعد في أجهزة الدولة، ليس بوصفهم موظفين بل كحَمَلةٍ لقيم الدعوة.
ما يتبدى من سلوك السلطة الانتقالية في سوريا هو انخراطٌ كامل في نمط ما أسماه جويل ميغدال بـ«الدولة الضعيفة التي تُحافِظُ على هشاشتها بوصفها شرطاً للضبط»، حيث لا يُبذَل جهدٌ لتأسيس مؤسسات قادرة. هي تُنتج البُنى الناقصة مقصودةً لتبقى السلطة متحكمة في نقاط التوازن، فالسلطة تسعى إلى هندسة المشهد السياسي بحيث يُدار من خلال الضعف، لا القوة، ومن خلال الطوارئ، لا التشريع.
إذا كانت السلطة جادة فعلاً في مغادرة موقع الحافة، فعليها أن توجّه موارد اللحظة نحو بناء مؤسسات تمثيلية-خدمية، لا مجرد أدوات ضبط تستند إلى «الصفوة الإيمانية».
ويشير مفهوم «الصفوة الإيمانية» إلى بنية إيديولوجية مغلقة تُحكَم من داخلها معايير التعيين والترقية والتمثيل. في هذا السياق، تُستبدَلُ شرعية الكفاءة أو الأصوات أو الخبرة التمثيلية بـ«الولاء الرمزي»، ويصبح الحُكم انعكاساً لنخبة دعوية-عقائدية تُقدَّم بوصفها الأعلم.
يُبيِّنُ هذا المسار أن لحظة رفع العقوبات، في غياب تغيير جذري في بنية الحكم، يُعاد توظيفها كوسيلة لتعويم السلطة ضمن شروط مرنة، لا ضمن قواعد تمثيلية واضحة.
ما يجري في سوريا بعد رفع العقوبات يُعيدنا إلى نموذج ما يُعرف بـ«الدولة الهجينة» أو «السلطوية الحديثة»، كما طوّرتها دراسات الانتقال السياسي في أميركا اللاتينية وشمال أفريقيا. فالدولة هنا لا تُلغَى، لكنها لا تُبنَى كذلك؛ فهي تتحوّل إلى شبكة من المؤسسات الشكلية تُستخدم لشرعنة السيطرة، دون توزيعها. هي دولة تتبنّى لغة التمثيل، لكنها تُفرِغُها من مضمونها وتُعيد إنتاج الحكم باسم «الاستقرار».
الدولة المُؤجَّلة في لحظة انفراج دولي؛ فرصة أم خطر؟
الدولة المؤقتة في السياق السوري لا تُبنَى بوصفها أداة انتقالية نحو عقد تمثيلي، بقدر ما تُعاد تهيئتها بوصفها البنية الوحيدة الممكنة تحت السلطة الانتقالية القائمة، فهي ناقصة مؤسساتياً، ومشروطة عَقَدياً، وتُدار من خلال المجالس والهيئات الشرعية، ويُعاد إنتاجها ضمن حدود السيطرة لا التمثيل.
إن نموذج الحافة كما تديره السلطة الانتقالية يشمل غياب المركز، وتَموضُع السيطرة في تفاصيل الحياة اليومية، وهو ما يقارب ما وصفه ميشيل فوكو بـ«السلطة الميكروفيزيائية»، حيث لا تُمارَس السلطة من الأعلى؛ وإنما من خلال آليات انضباط ناعمة تُعيد تشكيل الذوات، وتُجنِّد المجتمع نحو الطاعة دون قسرٍ مباشر. فغيابُ الدولة هنا يعني حضور السلطة من خلال تطويع الفضاء العام، وتوجيه السلوك السياسي والديني والاجتماعي بمنطق التأويل لا القانون.
ولذلك، فإن رفع العقوبات لا يعني بالضرورة الخروج من الحافة، بل ربما يُستخدَم لتثبيت الحافة نفسها كنموذج إدارة ناجح في نظر القوى الدولية، إذا ما قُدِّمَت كسلطة قادرة على الضبط دون التأسيس. هنا، يتحوّل المؤقتُ إلى دائم، ويتحوّل الانتقالُ إلى سلطة أمر واقع.
وهنا تتبلور فكرة «الشرعية المؤقتة–الدائمة»، حيث تُدار السلطة في سوريا على أساس طارئ، بلا دستور، بلا انتخابات، وبلا تمثيل مدني حقيقي، لكن مع ذلك تستمر وتُقدَّم بوصفها خياراً وحيداً ممكناً.
ليست الحالة السورية فريدة في هذا المسار، فقد شهدت السودان نموذجاً انتقالياً مشابهاً بعد الثورة، حيث تم الترويج لمرحلة انتقالية مدنية-عسكرية، دون الوصول إلى عقد اجتماعي جديد أو بناء مؤسسات سيادية تمثيلية. يوضحُ هذا المثال كيف يمكن للحظة «الانفراج السياسي» أن تُستخدَمَ لتكريس السيطرة، خاصة حين تكون السلطة نفسها غير مؤمنة بفكرة التأسيس المدني للدولة.
إن جوهر المأزق السوري الراهن يكمن في انعدام أي تَعاقُد سياسي يمثل المجتمع كجماعة مدنية موحّدة، ففي تقاليد العقد الاجتماعي كما طرحها لوك وروسو، لا تكون السلطة شرعيةً إلا إذا استمدّت تفويضها من الإرادة العامة، عبر عقد واضح يحمي الحقوق ويُنظِّم السلطة. بالمقابل، فإن ما نشهده اليوم هو نموذج معكوس لما تحدّث عنه هابرماس في «الفعل التواصلي»، إذ تغيب تماماً المساحات التداولية التي يمكن من خلالها للمجتمع أن يشارك في تشكيل الإرادة السياسية، ويتم اختزالُ المجال العام في منظومة تأويلية مغلقة تُمارس السلطة باسم التفويض الشرعي، وليس التمثيل التشاركي.
في ظل هذا الإطار، لا يُعاد بناء العقد الاجتماعي، إنما يُعاد إنتاج «العقد المغشوش»، حيث تُمنَح الحقوق بوصفها امتيازات لمن ينتمي للصفوة الإيمانية أو الشبكات الدعوية، وتُدَار القرارات السياسية كما تُدَار الفتاوى؛ بالتأويل، لا بالتفويض. تلك هي خطورة لحظة الانفراج؛ أن تُعلِّقَ التحوُّل، لا أن تُفعِّله.
فوق القانون وتحت الشرعية
يبدو حتى الآن أن السلطة الانتقالية لا ترى في البناء المؤسسي فرصة بقدر ما تراه تهديداً، فالبناءُ يتطلب وضوحاً في الهوية السياسية، وتوزيعاً حقيقياً للسلطة، ومَأسسةً للمُساءلة، وكلها شروط تتناقض مع منطق الحافة الذي تتبناه هذه السلطة، سواء لجهة الغموض في المرجعية، أو الالتباس في الصلاحيات، وكذلك إدارة المجتمع بمنطق الطوارئ لا التأسيس.
هذا هو جوهر «الخوف من البناء»؛ أن لا تمتلك السلطة الانتقالية تصوراً للدولة إلا بوصفها أداة للحماية وليس مجالاً للتمثيل. لهذا لا تُستَقبل لحظات الانفراج كمداخل للتأسيس، وإنما تُرى كمخاطر اختراق لبنية سلطوية تقوم على الانغلاق والاصطفاء، فالمطالبة بالتمثيل والمساءلة والمأسسة تهدد الغموض الذي تستند إليه هذه السلطة، وتفتح الباب أمام فقدان احتكارها للسيطرة، وهو ما تعتبره خطراً وجودياً على استمراريتها.
وفي لحظة كهذه، تصبح الانفراجة في نظر السلطة فرصة لتكييف أدواتها، فبدلاً من إدراك أن رفع العقوبات يمكن أن يكون مدخلاً لتفكيك منطق «الحكم فوق الدولة»، قد يُعاد استخدامه لتبرير استمرار منطق «الحكم بدون دولة»، عبر تحسين شروط التأجيل بدل استبداله بخطة بناء.
ما يُكرّسه هذا الشكل من الحُكم هو ما يمكن تسميته بـ«الحكم فوق الدولة»، وهي سلطة تتحرك خارج البُنى القانونية، لكنها تُوظِّفُ مؤسسات الدولة لأغراضها الخاصة، دون أن تلتزم بمعاييرها. هذا النموذج يُعادي الدولة شكلياً، ويَركَبُ على شكلها المؤسسي ليُفرغه من مضمونه التمثيلي، فتتحول الوزارات إلى أدوات دعوية، والإدارات إلى منصّات ضبط رمزي، ويُعاد إنتاج الدولة نفسها بوصفها جهازاً شرعياً لا مدنياً، وهذا ما يُحوّل الانفراجات الخارجية إلى فرص لتعميق السيطرة، دون بناء الدولة.
العقوبات قد تكون نتيجة لمحاولات محاصرة نظام الأسد الذي أدار الدولة بمنطق التدمير الذاتي والتوحش السلطوي، لكن ما يطرحه رفع هذه العقوبات اليوم ليس بالضرورة مساراً نحو الحل، وطالما أن البنية الجديدة التي تحكم البلاد لم تُراجِع أدوات السيطرة، فهي تواصل تحويل كل لحظة انفراج إلى مناسبة لاستنساخ الحافة بلغة مختلفة. فالسلطة الانتقالية الحالية، وإن لم تكن طرفاً مباشراً في فرض العقوبات، إلا أنها تُدير رفعها بمنطق التكيُّف لا التأسيس، مُكرِّسةً موقعها خارج شروط الدولة.
سوريا اليوم ليست على عتبة تأسيس، لكنها أمام احتمالين، فإما الاستمرارُ كـ«دولة على حافة الدولة» أكثر ذكاءً ومرونةً، أو كسرُ حلقة التأجيل عبر طرح مشروع حقيقي لدولة تمثيلية متماسكة. لكن المشروع الأخير يُبنى على تغيير جذري في علاقة السلطة بالمجتمع، وهو ما لا يبدو مُتاحاً ضمن هندسة السلطة الحالية.
لم تكن الحافة في التجربة السورية مجرد موقع بين الفوضى والدولة، فقد تحوّلت في عهد نظام الأسد إلى نظام حكم قائم على إنتاج اللّااستقرار كمصدر للشرعية والضبط. والمفارقة أن هذه الوظيفة لم تنتهِ بسقوط النظام، إذ أعادت السلطة الانتقالية إنتاجها عبر أدوات جديدة؛ خطاب تعويضي، توازنات عقدية، وتَحكُّم بالغموض المؤسسي.
مع الانفراجة الخارجية التي تمثلت في رفع/تجميد العقوبات الأوروبية والأميركية، لا يبدو أن الداخل يُعيد تعريف شروطه السياسية، فهو يواصل العمل تحت «عقيدة الاحتواء»، حيث يُدار الفضاء العام بوصفه هامشاً آمناً للسلطة، وليس كمجال تأسيس مشترك.
السؤال الحاسم اليوم لا يتعلق برفع العقوبات، وإنما بقدرة السلطة الانتقالية على كسر منطق الحافة، وبناء دولة تقوم على تَعاقُد تمثيلي حقيقي.
مقالات مشابهة