يبدو لبنان وكأنه يعود إلى انقسام بين خطابين ووجهتين في السياسة. كلام رئيس الحكومة نواف سلام المتكرر، والذي يتطابق مع كلام رئيس الجمهورية جوزاف عون وخطاب القسم ومع البيان الوزاري، عن ضرورة تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، والإمساك بقرار الحرب والسلم، وانتهاء عصر تصدير الثورة الإيرانية. في مقابل كلام حزب الله ومسؤوليه، ولا سيما الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، الذي قال بوضوح إنه لا يمكن الحديث عن تسليم السلاح قبل انسحاب إسرائيل وإطلاق سراح الأسرى ووقف الاعتداءات. وصولاً إلى كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد عن التفاهم مع رئيس الجمهورية، وعدم وجود مهل زمنية ولا حدود مكانية لتسليم السلاح. وعلى الرغم من العتب الذي أبداه رعد تجاه تصريحات رئيس الحكومة نواف سلام، إلا أنه لم يشأ أن يدخل في سجال معه، لكنه مرر رسالة العتب في مقابل الإشادة بمواقف رئيس الجمهورية!
أصبح من الواضح أن حزب الله يعتمد سياسة التفريق في المواقف بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، علماً أن زيارة بعبدا كانت منتظرة منذ فترة، خصوصاً أنها تندرج في سياق الحوار الجاري بين الرئيس عون والحزب، لوضع إطار متدرج لتحقيق مبدأ حصر السلاح بيد الدولة. في المقابل، تفيد مصادر متابعة بأن حزب الله سيطلب موعداً من رئيس الحكومة نواف سلام للقائه، والبحث معه في ملف إعادة الإعمار، لا سيما أن الحزب يطالب الحكومة بإنشاء صندوق خاص لتجميع المساعدات فيه، بالإضافة إلى البحث في مسألة وقف الضغوط التي يتعرض لها الحزب في مختلف المجالات المالية وحتى العسكرية.
أورتاغوس في السعودية
يأتي ذلك على وقع استمرار الضغوط الدولية الهادفة إلى سحب سلاح حزب الله، ومنع إعادة بناء قدراته العسكرية. تأتي زيارة وفد الحزب إلى القصر الجمهوري في ضوء انتظار لبنان لزيارة ستجريها الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، والتي تقوم بجولة في المنطقة. إذ علمت “المدن” من مصادر متابعة أن أورتاغوس وقبل توجهها إلى دولة قطر للمشاركة في منتدى قطر الاقتصادي، كانت قد زارت المملكة العربية السعودية بعيداً من الإعلام، وعقدت اجتماعاً مع مسؤولين سعوديين وفرنسيين في العاصمة السعودية، جرى خلاله البحث في الملف اللبناني. وحسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن هناك تطابقاً في وجهات النظر الأميركية السعودية حول لبنان، وضرورة الإسراع في الخطوات لسحب سلاح حزب الله وسحب السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات، مع التشديد على ضرورة إنجاز الإصلاحات المطلوبة.
في المقابل، تفيد المعطيات بأن الفرنسيين لا يؤيدون زيادة الضغط الدولي على لبنان خوفاً من حصول صدام داخلي أو عودة الانقسام العمودي واهتزاز الاستقرار. ويشدد الفرنسيون على ضرورة إنجاز الإصلاحات الاقتصادية، والتمهل في مسألة سحب السلاح، واعتماد الحوار كمبدأ أساسي لذلك.
استمرار الضغط الدولي
كذلك، تجري أورتاغوس زيارة اليوم إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وستبحث الملف اللبناني أيضاً من جوانب مختلفة، أولاً المساعدات الاستثمارية التي يمكن تقديمها للبنان، وثانياً، مسألة مواصلة الإجراءات المطلوبة لتبسط الدولة اللبنانية سيادتها على كامل أراضيها. وتفيد مصادر متابعة بأن هذا ما سيكون عليه مضمون زيارة أورتاغوس إلى بيروت، التي لم يتم تحديدها حتى الآن. لكنها ستتحدث مع المسؤولين بلهجتين، الاولى حاسمة كالعادة، وأنه لا مجال للتباطؤ في هذا المسار، ولا بد من تسريع الخطوات لأنه لم يعد هناك وقت، والثانية الحديث بلهجة إيجابية حول مساعدة لبنان في مجالات مختلفة على مستوى البنى التحتية والمشاريع الاقتصادية.
بين حزب الله وإسرائيل
حزب الله يرفض حتى الآن أي نقاش في مسألة تسليم السلاح شمال نهر الليطاني، وهو يطالب بانسحاب إسرائيل بالكامل ووقف الاعتداءات. في المقابل، فإن الأجواء الدولية تشير إلى أن إسرائيل ترفض ذلك كلياً، وستكون مستعدة لتصعيد عملياتها إلى أن يتحقق ما تريده وتجبر حزب الله على الالتزام به. وهنا ترد رسائل تحذير من مرحلة مقبلة قد تتصاعد فيها وتيرة العمليات العسكرية أو الضربات التي سينفذها الإسرائيليون ضد أهداف للحزب في لبنان.