يعرف الجنوبيون أن أمنهم وسلامهم يخضعان الآن لحوار هو في أحسن الأحوال حوار بين عاجزَين عن تبديد فكرة الخوف من الحرب، كما القدرة عليها. حوار بين رئيس جمهورية لا ينفك يطلق وعوداً عن الأمن والازدهار مع علمه بشروطه، وبين حزب تبدو أكبر مشقاته الراهنة الخروج على فكرة سلاح أدخلها في وعي جمهوره كأول مقتضيات خلاصه وآخرها.
صار الحوار بين رئيس الجمهورية جوزف عون وبين “حزب الله” مُعلَناً حول سلاح الأخير.
قبل زيارة رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد إلى بعبدا، تواترت أخبار عن تولي مستشارين لرئيس الجمهورية مشقّة المهمة التي تتبدى المفتاح الذي يفترض أن يُخرج لبنان من أسوأ أزماته الاقتصادية، وشعبه إلى بر الأمان على ما تدَّعيه شروط من يقفون على أبواب الحل.
منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، ظهر جوزيف عون كضنين بهذه الشروط، وهو من موقعه الرئاسي، كما من تباينه الضمني مع آلية طرحها دولياً، يفترِض أن حواره مع الحزب قادر على ردم الهوة العميقة بين هذه الشروط وبين رؤية “حزب الله” لكيفيتها ومآلها.
واللافت، أن التباين المعلن بين عون وواضعي هذه الشروط، يتلازم مع تباين داخلي بينه وبين رئيس الحكومة نواف سلام، وكلام الأخير عن إدراج سلاح الحزب كماضٍ، معطوفاً على تحفّظ “ودي” من النائب رعد على كلام سلام، ومن القصر الجمهوري، يشي بهذا التباين إذا ما أخذنا بالاعتبار ما قاله رئيس كتلة الحزب إيجاباً عن الرئيس عون.
إقرأوا أيضاً:
وداعاً للسلاح… فلسطينياً وعربياً وكردياً أيضاً !
حين يلتقي الشعبوي بالجهادي: صفقة تتجاوز التوقعات
إذاً، باشر رئيس الجمهورية حواره حول سلاح الحزب. والحوار محكوم بالضرورة بمعرفة الرئيس والحزب أن الوقائع الأمنية المفروضة إسرائيلياً، والاقتصادية وهي صنيعة سلطة لبنانية، يفترضان تجفيف ضنينية عون كما رؤية الحزب حول مسألة الاستراتيجية الدفاعية كمآل مفترض لمسألة السلاح.
وعلى وقع مباشرة الحوار، يتمسك الحزب أيضاً بلازمة تستبطن ما يوحي بمحاولة اللعب على عامل الزمن، فيدرج مسؤولوه هذا الحوار بلا سقف زمني، وغالب الظن أن إدراج كهذا يفترض أن الوقائع التي حكمت بمباشرة الحوار راهناً قد يتخفف منها الحزب مستقبلاً! وهو أمر يبدو صاحبه كمن يمارس لعبة الزمن على حافة الهاوية، فالوقائع الأمنية جنوباً، والأزمة الاقتصادية عموماً، لا شيء يؤشر إلى تبددهما بدون الأخذ بالشروط العربية والدولية. وحده عون يباشر حواره محكوماً بزمن ولاية رئاسية يريدها استثنائية عن سابقاتها، ويريد الحزب استهلاكها ربما في حوار قد لا تسعف زمن الخائضَين فيه شهية إسرائيل المفتوحة على الحرب.
“حزب الله” الذي زار رئيس الجمهورية لم يترك، على الأرجح، زمن الزيارة للمصادفات. فبعد يومين على الانتخابات البلدية في محافظتي الجنوب والنبطية، صعد وفد الحزب إلى بعبدا ومعه تكريس لسيطرة “الثنائي الشيعي” على غالبية هذه البلديات.
بدت التنمية كأساس العمل في البلدية هامشيةً في خطاب الحزب وهو يستنفر بيئته للتصويت له، ولم يُخفِ إرادته في جعل الاستحقاق المذكور استفتاءً على المقاومة، وبالتالي على سلاحه، وهو نجح بلا شك في استدراج تلك البيئة إلى مبتغاه ، والذي وصل بالضرورة إلى مسامع رئيس الجمهورية قبل أن يدرجه الحزب تفويضاً شعبياً مفترضاً في الحوار الذي بوشر.
وفي ذروة تحشيد فكرة السلاح في بيئته، وتسييلها في الحوار الراهن، لم يلتفت الحزب على الأرجح الى تدني نسب الاقتراع الراهنة مقارنةً بسوابقها، ولم يرُد أحد أسبابها إلى وضع أمني هش يخضع لاختبار إسرائيلي يومي، واستدار عن شح بيوت مال بلديات تتقاطع مع وضع مالي عام يلامس الانهيار، بيوت تسعفها غالباً هِبات المنظمات والجمعيات الدولية، ومنها قوات اليونيفيل. حصد “حزب الله ” ربحاً بلدياً أراده قبل أي شيء عوناً له في زمن الحوار حول سلاحه، ومع الرئيس عون تحديداً.
والحال، يعرف الجنوبيون أن أمنهم وسلامهم يخضعان الآن لحوار هو في أحسن الأحوال حوار بين عاجزَين عن تبديد فكرة الخوف من الحرب، كما القدرة عليها. حوار بين رئيس جمهورية لا ينفك يطلق وعوداً عن الأمن والازدهار مع علمه بشروطه، وبين حزب تبدو أكبر مشقاته الراهنة الخروج على فكرة سلاح أدخلها في وعي جمهوره كأول مقتضيات خلاصه وآخرها.
إقرأوا أيضاً: