تتوقع الإدارة الذاتية أن إنتاج القمح هذا العام سيتراوح بين 350 و400 ألف طن، وهو الأقل مقارنة بالسنوات السابقة (اندبندنت عربية)
ملخص
تعتمد الزراعة في مناطق شمال سوريا وشرقها على الأمطار، خصوصاً في إنتاج محاصيل عدة بما فيها القمح، وترك شح المتساقطات تداعياته السلبية، وسط توقع انخفاض إنتاج المحصول الاستراتيجي إلى مستويات قياسية مقارنة بالأعوام السابقة.
خلافاً للأعوام السابقة، وعلى مد البصر في سهول الجزيرة (شمال شرقي البلاد) المفتوحة، وحتى في المساحات المجاورة للمدن والبلدات التي كانت تنتظر في مثل هذه الأيام موسم حصاد القمح والشعير، باتت هذا العام مساحات قاحلة خالية من حقول القمح التي كانت تحمل السنابل الممتلئة بالحنطة بنوعيها القاسي والطري.
وتسببت قلة الأمطار في فشل موسم إنتاج القمح في معظم المناطق السورية وخصوصاً في شمال البلاد وشرقها التي تعتمد بصورة كبيرة على الزراعة، لا سيما القمح كمحصول استراتيجي وأساس ضمن قائمة المحاصيل الزراعية في المنطقة.
وبحسب إحصاءات المديرية العامة للأرصاد الجوية السورية، فإن كميات الأمطار هذه السنة سجلت معدلات منخفضة جداً. فمثلاً بلغت نسبة المتساقطات في مركز رصد القامشلي شمال شرقي 80 ميليمتراً، في مقابل 275 ميليمتراً في العام الماضي، في حين أن المعدل السنوي يبلغ 415 ميليمتراً، وكذلك في الرقة (شمال)، بلغت نسبة المتساقطات 63 ميليمتراً في مقابل 242 ميليمتراً في العام الماضي، ومعدله السنوي 186 ميليمتراً، أما في دير الزور (شرق) فسجلت فقط 31 ميليمتراً هذا الموسم في مقابل 116 ميليمتراً في العام الماضي، بينما يسجل فيها عادة 153 ميليمتراً كمعدل سنوي، وينسحب هذا الانخفاض على معدلات هطول الأمطار في معظم المناطق السورية وفق جداول المديرية العامة للأرصاد الجوية.
خلال العام الحالي وصلت المساحات المرخصة لزراعة المحاصيل في مناطق شمال سوريا وشرقها إلى نحو 6.2 مليون دونم (الدونم الواحد يساوي 1000 متر مربع) في شقيها المروي والبعلي، متوزعة بنسبة 60 في المئة للقمح، وخمسة في المئة للشعير، و15 في المئة بقوليات ومحاصيل عطرية، واثنين في المئة للخضار الشتوية، وذلك في تصريح سابق لمحمد همو الرئيس المشترك لمكتب الشؤون الزراعية في هيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية.
تكاليف الانتاج
تختلف كلفة الانتاج الزراعي للقمح من منطقة إلى أخرى بحسب نوعية المحصول ما بين المروي والبعلي، وكذلك توفر المياه واستخراجها إن كان عن طريق الآبار الارتوازية أو السطحية، أو الاستفادة من شبكات الري قرب السدود، أو الأراضي الموجودة قرب ضفاف الأنهر الجارية في المنطقة، كذلك تختلف الكلفة بعدد مرات حراثة الأرض وإعدادها للزراعة قبل نثر البذور، إضافة إلى كلفة تزويد الحقول بكميات السماد الكيماوي أو العضوي.
القمح المروي فقط
يقول شوقي محمد الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة لشمال سوريا وشرقها “مناطق شمال سوريا وشرقها شهدت موجة جفاف هذا العام، تمثلت بقلة كميات الأمطار مما أضر بالمساحات الزراعية البعلية، ودفعتها باتجاه صفر إنتاج، وبذلك فإن موسم العام الحالي يعتمد على المساحات المروية فقط التي تبلغ وفق الخطة الزراعية بحدود 2.8 مليون دونم” (الدونم الواحد يساوي 1000 متر مربع)، مضيفاً أنهم أمام موسم ضعيف نسبياً مقارنة بالعام الماضي، “مما سيترك تداعيات سلبية على المداخيل الزراعية في المنطقة وعلى الاقتصاد المحلي بصورة عامة، على اعتبار أن إيرادات القطاع الزراعي تشكل النسبة الكبرى من الدخل المحلي في شمال سوريا وشرقها”.
توقعات الإنتاج
ووفق المسؤول في الإدارة الذاتية فإن من المتوقع أن تصل كميات الإنتاج ما بين 350 و400 ألف طن في الموسم الحالي، موضحاً أنه على رغم تناقص هذه الكمية دون النصف مقارنة بالموسم الماضي، إلا أن مناطق الإدارة الذاتية لديها مخازن كافية من القمح تكفي حاجة المنطقة خلال الفترة المقبلة، “إذ تقدر كميات الاستهلاك من القمح بنحو 650 ألف طن سنوياً”.
وخلال السنوات الماضية بلغ حجم انتاج القمح في مناطق شمال سوريا وشرقها، التي استلمتها الإدارة الذاتية من الفلاحين، 766 ألف طن في عام 2024، و1150000 طن من القمح خلال موسم الحصاد 2023، بينما استلمت مراكز الإدارة الذاتية في عام 2022 نحو مليون طن من المزارعين.
وفي هذا العام خصصت الإدارة الذاتية 20 مركزاً لشراء محصول القمح من المزارعين، “واتخذت هيئة الاقتصاد والزراعة لإقليمي شمال سوريا وشرقها الإجراءات اللازمة لعملية استلام المحصول، وجهزت مراكز الشراء صوامع التخزين بناء على توقعات الإنتاج هذا العام” بحسب محمد.
الدعم بالمحروقات
وتعتمد الزراعة المروية في مناطق شمال سوريا وشرقها على تشغيل المحركات العاملة بوقود “الديزل” لاستخراج المياه من الآبار الارتوازية العميقة، مما يزيد من كلفة إنتاج القمح في المنطقة، في حين يستفيد مزارعون آخرون من شبكات المياه قرب السدود، بخاصة التابعة لنهر الفرات، لري مزروعاتهم اعتماداً على الكميات المتاحة بتدفق غزارة النهر. ويشير الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة إلى أن الإدارة الذاتية وزعت أربع دفعات من مادة المازوت وبسعر مدعوم على مزارعي القمح بهدف تشجيع الإنتاج، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن سعر شراء القمح قيد التداول والنقاش مع المؤسسات المعنية في المقاطعات وبقية المؤسسات ذات الصلة في شمال سوريا وشرقها “آخذين بالاعتبار ظروف الجفاف هذا العام، وبالاستناد إلى حساب التكاليف الفعلية لزراعة الدونم الواحد، وعلى هذا الأساس سيتم قريباً جداً تحديد السعر المناسب لشراء محصول القمح من المجلس التنفيذي لشمال سوريا وشرقها”.
هل تعبر سوريا أزمة القمح عبر بوابة الاستيراد؟
سوريا تستقبل أول باخرة قمح إلى اللاذقية منذ الإطاحة بالأسد
رئيس الوزراء العراقي: القمح والوقود سيصلان مجددا إلى شعب سوريا
الحكومة لا تستلم المحصول
خلال السنوات السابقة كانت حكومة نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد تستلم محصول القمح في مركزين في الأقل، في مناطق سيطرتها المحدودة في منطقة الجزيرة على رغم تدني ثمنه مقارنة بالثمن الذي كانت تحدده الإدارة الذاتية في غالب الأحيان، إلا أنه بعد سقوط نظام الأسد ومع العهد الجديد، لم يعلن أي مركز حكومي لتسلم المحصول في مناطق الإدارة الذاتية من الحكومة الجديدة.
ويقول مسؤول الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية إن الإدارة الذاتية قدمت مادة المازوت بأسعار مدعومة للمزارعين، وكذلك السماد الزراعي بأسعار تشجيعية، “وبالتالي فإن هؤلاء المزارعين ملزمون، وفق العقود التي أبرموها مع لجنة الزراعة لشمال سوريا وشرقها، بتسليم محصولهم للإدارة الذاتية”، كما أن القمح باعتباره محصولاً استراتيجياً، فإنه لا يسمح بتصديره إلى خارج مناطق الإدارة الذاتية إلا بموجب موافقة من هيئة الاقتصاد والزراعة، “وعلى اعتبار كميات الإنتاج المتوقعة نعتقد أنه لن يسمح بخروجها إلى المناطق الأخرى تحقيقاً لمبدأ الأمن الغذائي وضروراته في مناطقنا”، بحسب شوقي محمد الذي يستبعد افتتاح حكومة دمشق مؤسساتها، بما فيها تلك المعنية بشراء القمح في المنطقة، في المدى المنظور، مشدداً على أن الحكومة لم تفتح مؤسساتها الرسمية في مناطق الإدارة الذاتية، حتى تلك الخاصة بالخدمات الأساسية للمواطنين كالنفوس والهجرة والجوازات وغيرها، “وبالتالي لا نعتقد أنها ستقوم بطلب فتح مراكز شراء القمح في مناطق الإدارة الذاتية”.
“الفاو” تحذر
خلال الأسبوع الماضي حذرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأم المتحدة من أن الجفاف الحاد الذي تتعرض له سوريا قد يؤدي إلى فشل ما يصل إلى 75 في المئة من محصول القمح المحلي، مما يهدد الأمن الغذائي لملايين السكان. وقال توني إيتل، ممثل “الفاو” في سوريا، إن المنظمة تتوقع عجزاً غذائياً يقدر بـ2.7 مليون طن من القمح هذا العام، مما يعادل الكمية اللازمة لإطعام نحو 16.3 مليون شخص لمدة عام كامل.