–
أظهر تقرير استطلاعي حول توجهات عودة اللاجئين السوريين في الأردن إلى بلادهم أن 72% منهم لا يرغبون في العودة إلى سورية حالياً، بسبب عدم توفر السكن المناسب، وغياب الأمان، والأوضاع الاقتصادية غير المستقرة. وأشار التقرير الصادر عن مرصد الحماية الاجتماعية التابع لجمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، اليوم الأحد، إلى أن الأردن استقبل منذ بداية الأزمة السورية عام 2011 حوالى 1.3 مليون لاجئ سوري، منهم 557,783 مسجلون رسمياً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى مارس/آذار 2025. ومع سقوط نظام بشار الأسد، بدأ بعض اللاجئين العودة الطوعية، وسجلت المفوضية عودة 55,732 لاجئاً بين يناير/ كانون الأول 2024 وإبريل/ نيسان 2025، 84% منهم كانوا يقيمون في المناطق الحضرية.
وبحسب “تمكين”، شمل الاستطلاع عينة مكونة من 1242 مشاركاً، 863 منهم ذكور، و379 أنثى، وجرى التركيز على العوامل المؤثرة في قراراتهم، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية. وقال التقرير إنه رغم سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، فإن 72% من اللاجئين السوريين في الأردن لا يرغبون في العودة إلى وطنهم حالياً بسبب التحديات الأمنية والاقتصادية. وأبرز التقرير أن 59.26% من اللاجئين يفتقرون إلى سكن آمن في سورية، بينما يعتبر 56.44% أن عدم استقرار الأوضاع الأمنية يشكل عائقاً رئيسياً أمام العودة.
وجاء في التقرير أن 52% من اللاجئين السوريين في الأردن المستطلعة آراؤهم يعملون، بينما لا يزال 48% عاطلين من العمل. ومن بين العاملين، يعتمد 61% على العمل اليومي غير المستقر، و35% يعملون دون عقود رسمية، في حين أن 4% فقط يحظون بعقود عمل تضمن لهم حقوقاً قانونية. كذلك أظهرت البيانات أن 90% من العاملين لا يملكون تصاريح عمل، ما يعرضهم لانتهاكات، ويفاقم من ضعف قدرتهم على تحقيق الاستقرار المالي.
وتوزع العاملون السوريون في الأردن على قطاعات عدة، وتصدر قطاع الإنشاءات والتمديدات بنسبة 28%، يليه الزراعة بنسبة 22%، ثم المحال التجارية بنسبة 16%. أما المطاعم والمخابز، فمثلت 8%، والأعمال الحرة 7%. وتوزعت النسب المتبقية على قطاعات مثل الخياطة وميكانيك السيارات والنظافة، ويتركزون بشكل رئيسي في المجالات التي تتطلب جهداً بدنياً كبيراً وأجوراً منخفضة. كذلك أظهرت النتائج أن العاملين يبدون استعداداً أكبر للعودة مقارنة بغير العاملين، وبلغت نسبة الراغبين في العودة بين العاملين 35% مقارنة بـ20% بين غير العاملين. ويعكس هذا التفاوت تأثير العامل الاقتصادي في اتخاذ قرار العودة، إذ يوفر العمل مصدر دخل يمكن الاعتماد عليه عند العودة إلى سورية.
أما بالنسبة إلى موعد العودة المتوقع للراغبين فيها، فقال التقرير إن 54% يفضلون العودة خلال 6 أشهر، وينتظر بعضهم انتهاء العام الدراسي أو الحصول على تصريح عمل. في المقابل، يفضل 22.3% العودة خلال السنوات الثلاث المقبلة، لضمان استقرار الأوضاع في سورية أو لترتيب أمورهم المالية والقانونية قبل العودة، بينما يخطط 2.6% فقط (9 أفراد) للعودة خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتعددت أسباب تأخير العودة. وبحسب التقرير، أشار 18% من المشاركين إلى الحاجة إلى توفير مبلغ مالي كافٍ لبدء حياة جديدة في سورية، بينما ذكر 15% أن انتهاء الالتزامات المالية شرط أساسي للعودة. كذلك اعتبر 13% أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سورية تشكل عائقاً، بينما رأى 10% أن استقرار الأوضاع الأمنية عامل حاسم.
أما بالنسبة إلى أسباب الرغبة في العودة إلى سورية، فأشار 15.7% من المشاركين إلى أن عودة الأقارب هي الدافع الرئيسي، بينما اعتبر 13.61% أن ارتفاع كلفة تصاريح العمل في الأردن هو السبب. وأدى نقص فرص العمل في الأردن إلى تفكير 8.78% في العودة، بينما رأى 8.37% أن امتلاكهم منازل في سورية يشجعهم على العودة. ومن بين الأسباب الأخرى، اعتبر 7.57% أن التهديدات الأمنية قد انتهت، بينما رأى 6.76% أن توقف المساعدات دفعهم إلى هذا القرار. وأشار 3.86% إلى أن وجود مهنة أو عمل في سورية يجعل العودة أسهل، بينما تأثر 2.9% بالوضع القانوني غير المستقر في الأردن. كذلك رأى 2.74% أن الوضع الأمني في سورية قد تحسن، بينما اعتبر 1.77% أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية أفضل مما هي عليه في الأردن.
وبيّن التقرير أن هناك أسباباً رئيسية عدة تحول دون عودة السوريين إلى وطنهم. ويُعتبر عدم توفر السكن المناسب السبب الأكثر شيوعاً بنسبة 59.26%. كذلك يشكل غياب الأمان عائقاً لـ56.44%، بينما تعتبر الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة تحدياً لـ55.07%. إضافة إلى ذلك، يفضل بعض اللاجئين البقاء في الأردن بسبب استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي، كما هو الحال بالنسبة إلى 16.26% ممن لديهم جميع أفراد العائلة في الأردن، و11.92% ممن يشعرون بالاستقرار. كذلك ينتظر 3.14% معاملات الهجرة إلى بلد آخر للحصول على وضع قانوني أفضل، وتتناقص نسبة الراغبين في العودة مع تحسن مستوى الدخل.
وتكشف البيانات عن تفاوت في رغبة العودة بين الجنسين، ويظهر الذكور ميلاً أكبر نحو العودة مقارنة بالإناث. فبينما تشكل الإناث 30.5% من العينة (379 أنثى)، فإن 80% منهن (303 أنثى) لا يرغبن في العودة مقابل 20% (76 أنثى) أعربن عن رغبتهن في العودة. أما لدى الذكور الذين يمثلون 69.5% من العينة (863 فرداً)، فإن 68.7% (593 فرداً) لا يرغبون في العودة، بينما عبر 31.3% (270 فرداً) عن رغبتهم في العودة. ويمكن تفسير هذا التفاوت باختلاف الأدوار الاجتماعية بين الجنسين، فقد يكون الذكور أكثر استعداداً للمخاطرة بالعودة بحثاً عن فرص عمل، بينما تركز الإناث أكثر على استقرار الأسرة والتعليم.
لاجئون سوريون في مخيم الزعتري، الأردن، 13 يناير 2025 (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
لجوء واغتراب
سوريون في الأردن… الفقر والخوف يمنعان من العودة إلى البلاد
ووفقاً للتقرير، فإن المقيمين خارج المخيمات أكثر ميلاً للرغبة في العودة بنسبة 28.5% مقارنة بالمقيمين في المخيمات بنسبة 23.2%. ويشير التقرير إلى أن 97% من اللاجئين يمتلكون بطاقة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أي 1207 أفراد، بينما لا يمتلكها 3% فقط. وتكشف البيانات أن 70% من اللاجئين لا يتلقون أي مساعدات، بينما يحصل 30% على مساعدات معظمها نقدية. كذلك يعاني 69% من عجز في تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والسكن والصحة. وفي ما يتعلق بالسكن، تبين أن 88% من اللاجئين لا يقيمون في مخيمات.
أما بالنسبة إلى مدى الإقامة في الأردن، فإن 93.6% من اللاجئين أقاموا لمدة 14 سنة أو أقل، ما يعكس استقرارهم منذ بداية الأزمة في وطنهم. في المقابل، 6.1% قضوا 15 سنة أو أكثر في الأردن، ما يشير إلى وجود شريحة صغيرة كانت تقيم قبل الأزمة. وأوصى التقرير بتقديم حوافز ماليّة ودعم لوجستيّ للراغبين في العودة، وتوفير مساعدات مخصّصة للأسر التي تعاني عجزاً في الدخل. كذلك حثّ المجتمع الدولي على الوفاء بالتزاماته المالية لدعم اللاجئين والدول المضيفة، إلى جانب المطالبة بإنشاء برامج مشتركة بين الأردن والمنظمات الدولية لتسهيل العودة الطوعية عند استقرار الأوضاع في سورية، وإجراء دراسات دوريّة لرصد تغير آراء اللاجئين حول العودة، خصوصاً مع تطور الأوضاع في سورية.