لم يعد سرا أن مفاوضات غير مباشرة جرت بين سوريا وإسرائيل في دول عدة في الفترة الأخيرة، لبحث ترتيبات أمنية وإحياء اتفاق فك الاشتباك لعام 1974. لكن السر يكمن في المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه المفاوضات، خصوصا بعدما أفاد البيت الأبيض بأن الرئيس دونالد ترمب طرح على الرئيس أحمد الشرع خلال لقائهما في الرياض يوم 14 مايو/أيار “الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية”.
“سوريا وإسرائيل… ثمن السلام”، قصة غلاف “المجلة” لشهر يونيو/حزيران. نستعرض هذا الملف من جميع جوانبه. نعود بالتاريخ إلى ما قبل الاستقلال السوري في 1946، وتأسيس دولة إسرائيل في 1948، ونكشف تفاصيل مفاوضات وزيارات سرية لقادة في الحركة الصهيونية مثل موشي شاريت وحاييم وايزمان إلى دمشق، ولقاء “أبطال الاستقلال” مثل شكري القوتلي، وقادة صهاينة مثل إلياهو ساسون في فندق بلودان الكبير عام 1936، وصولا إلى مفاوضات قادة إسرائيليين والرئيس أديب الشيشكلي في 1951.
دشّن الأسد-الأب حكمه باتفاق “فك الاشتباك” مع إسرائيل في مايو/أيار 1974 بعد “حرب تشرين” 1973. ومع انهيار حليفه، الاتحاد السوفياتي، دخل برعاية أميركية في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بعد انطلاق مؤتمر مدريد في 1991. واستضافت أميركا في منتصف التسعينات، لقاءات رئيس الأركان السوري حكمت الشهابي ونظيريه الإسرائيليين إيهود باراك وأمنون شاحاك لإقرار مبادئ الترتيبات الأمنية، وعُقد لقاء بين وزير الخارجية فاروق الشرع وباراك بصفته رئيسا للوزراء في 2000 لوضع لمسات أخيرة على اتفاق سلام تضمّن علاقات دبلوماسية واستعادة الجولان.
بعد خروج إيران و”حزب الله” من سوريا وإضعاف روسيا فيها، باتت تركيا وإسرائيل لاعبين رئيسين. وقامت تل أبيب بمنع أنقرة من تأسيس قواعد جوية، وشنّت غارات على مواقعها المحتملة
خلال هذه الفترة كانت المفاوضات تجري وفق مبدأ “الأرض مقابل السلام”، أي تستعيد دمشق الجولان التي خسرها الأسد عندما كان وزيرا للدفاع في 1967 مقابل علاقات دبلوماسية. وكانت آخر محاولة لقاء الأسد والرئيس بيل كلينتون في جنيف في مارس/آذار 2000.
خلال حكم بشار الأسد، جرت مفاوضات سرية، وساهمت تركيا برعاية جولات منها في 2008، حيث كان الأسد موافقا على لقاء رئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت، لكن انفجار حرب غزة أرجأ اللقاء. وتجددت الجهود في 2010، حيث توسط مبعوث أميركا فريد هوف بين الأسد ونتنياهو. هنا تغيرت المعادلة، من “الأرض مقابل السلام” إلى “الأرض مقابل التموضع الاستراتيجي”، أي استعادة الجولان مقابل تخلي الأسد عن التحالف مع إيران و”حزب الله”.
هوف يتحدث لـ”المجلة” ضمن قصة الغلاف عن الاحتمالات بعد لقاء ترمب-الشرع، بدءا من الاكتفاء بترتيبات أمنية وتأسيس خط ساخن لمنع الصدام، إلى التفاوض على اتفاق سلام. كما نقدم وجهة نظر سورية وأخرى إسرائيلية عن السلام. ونفرد مساحة لمقاربة تركيا باعتبار أنها باتت طرفا بعد سقوط النظام ووسيطا بين دمشق وتل أبيب.
لا شك أنه بعد خروج إيران و”حزب الله” من سوريا وإضعاف روسيا فيها، باتت تركيا وإسرائيل لاعبين رئيسين
بعد انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، شنت إسرائيل 700 غارة، ودمرت الأصول البرية والجوية والبحرية ومراكز الأبحاث. كما توغلت في سوريا واحتلت المنطقة العازلة بموجب اتفاق “فك الاشتباك” وقمة جبل الشيخ ومصادر المياه. وشنت غارة قرب القصر الرئاسي السوري وحذرت الحكم الجديد من استهداف الدروز السوريين.
لا شك أنه بعد خروج إيران و”حزب الله” من سوريا وإضعاف روسيا فيها، باتت تركيا وإسرائيل لاعبين رئيسين. وقامت تل أبيب بمنع أنقرة من تأسيس قواعد جوية، وشنت غارات على مواقعها المحتملة. وكاد الطرفان أن يقعا في مواجهة مباشرة لولا تدخل ترمب وتسهيل اجتماع مبعوثي أردوغان ونتنياهو في أذربيجان، لتأسيس “خط ساخن” ومنع الصدام.
تطورت اللقاءات السرية وانضم إليها الجانب السوري، وباتت قائمة المحادثات طويلة، تشمل ترتيبات في جنوب سوريا تضمن أمن إسرائيل وتضبط مخاوفها من تكرار سيناريو “هجمات 7 أكتوبر” في غزة، والتعاون ضد أي وجود إيراني ومنع تهريب السلاح إلى “حزب الله”، إضافة إلى منع تموضع خلايا جهادية في الجنوب.
هل تنتقل إسرائيل-نتنياهو و”سوريا الجديدة” من الترتيبات الأمنية إلى الجوانب السياسية التي تتعلق باتفاق السلام؟
لا تزال المحادثات محصورة في الإطار الأمني، مع أن مسؤولين أبدوا اهتماما بتجربة مصر وقيام الرئيس أنور السادات بكسر الحاجز النفسي وإلقاء خطاب في الكنيست عام 1977 تمهيدا لتوقيع اتفاق السلام.
هل تنتقل إسرائيل-نتنياهو و”سوريا الجديدة” من الترتيبات الأمنية إلى الجوانب السياسية التي تتعلق باتفاق السلام؟ هل يساهم رجال أعمال إسرائيليون في إعمار سوريا؟ هل تنضم دمشق إلى “الاتفاقات الإبراهيمية” أم إن قصتها مختلفة، فهي تملك أراضي محتلة منذ يونيو/حزيران 1967 وأخرى مقضومة منذ 8 ديسمبر 2024، على عكس الإمارات والبحرين والمغرب التي لا تحتل إسرائيل أراضي لأي منها؟ ثم، ما ثمن السلام بين سوريا وإسرائيل؟ هل تقدم دمشق مفاجأة جديدة بعد “معجزة” إسقاط النظام؟