Skip to content

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • ترسانة الديمقراطية الفارغة كيف يمكن لأميركا أن تبني قاعدة صناعية دفاعية جديدة مايكل براون…المصدر: اندبندنت عربية
  • مقالات رأي

ترسانة الديمقراطية الفارغة كيف يمكن لأميركا أن تبني قاعدة صناعية دفاعية جديدة مايكل براون…المصدر: اندبندنت عربية

khalil المحرر يونيو 2, 2025

 

إنه كابوس يراود كل رئيس، الجيش الصيني يحشد قواته في مقاطعة فوجيان، ويجمع أسطولاً قبالة السواحل، على الجانب الآخر من مضيق تايوان. ووفقاً للاستخبارات الأميركية، فإن هذا الحشد ليس مجرد خدعة، فبكين تستعد بالفعل للحرب. أسواق الأسهم العالمية تنهار، فيما يواجه العالم ما يقدره الاقتصاديون بأنه قد يكون صدمة اقتصادية بقيمة 10 تريليونات دولار. ويجد البيت الأبيض نفسه فجأة مضطراً إلى الإجابة عن سؤال كثيراً ما تجنب الإجابة عليه: هل سيستخدم القوة العسكرية للدفاع عن تايوان؟

هذا ليس افتراضاً خيالياً أو مبالغاً فيه، إذ أوضح الرئيس الصيني شي جينبينغ أن استعادة تايوان أمر أساس لما تسميه حكومته “التجديد العظيم للأمة الصينية”، كما أن بكين توسع قدراتها العسكرية بسرعة. وهذا مجرد سيناريو واحد من سيناريوهات عدة قد تؤدي إلى اندلاع حرب تشارك فيها واشنطن، فالصين تهدد حلفاء الولايات المتحدة بموجب المعاهدات، وروسيا تثير المخاوف لدى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية، وإيران سرعت برنامجها النووي، إن احتمالات اضطرار الولايات المتحدة إلى خوض حرب كبرى مع قوة عظمى هو الآن أعلى من أي وقت مضى خلال هذا القرن.

وربما يكون الجيش الأميركي هو الأقوى في العالم، لكنه غير مستعد لمثل هذا الصراع. أسلحته متطورة، وجنوده هم الأفضل بلا منازع. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تعاني نقصاً في مخزون الذخائر، وسفنها وطائراتها أقدم من نظيراتها الصينية، كما أن قاعدتها الصناعية تفتقر إلى القدرة على تعويض هذه الأصول بسرعة. فعلى سبيل المثال، فإن مخزون أميركا من الصواريخ الدقيقة لن يدوم لأكثر من بضعة أسابيع في صراع شديد الضراوة، وقد تتطلب إعادة إنتاج صواريخ أخرى سنوات. في المناورات الافتراضية الحربية التي تحاكي صراعاً في مضيق تايوان، قد تنفد ذخائر واشنطن الأساسية في غضون أسابيع.

وفي الواقع، يدرك المسؤولون الأميركيون هذا النقص. واستجابة لذلك، أبرم الكونغرس ووزارة الدفاع عقوداً لتوسيع خطوط إنتاج الدفاع الحالية، وفي بعض الحالات، إعادة تشغيل الخطوط القديمة. ومع ذلك، فإن هذه الجهود الأخيرة غير كافية لتعويض أكثر من ثلاثة عقود من التراخي والتراجع. لقد رفعت واشنطن الإنفاق الدفاعي إلى 825 مليار دولار، وهو مستوى قياسي من حيث القيمة الاسمية. لكن هذا يمثل أقل من ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وهو أدنى مستوى في هذا القرن، ومن بين أدنى المعدلات منذ الحرب العالمية الثانية. ومن أصل 825 مليار دولار، تخصص نسبة 21 في المئة فقط لشراء ذخائر ومعدات جديدة.

ومن أجل معالجة هذا القصور، يجب على واشنطن أن تتحرك فوراً. لذا، يتعين على إدارة ترمب، بالتعاون مع الكونغرس، تنفيذ ست مبادرات عاجلة، وهي تحديث الأصول الموجودة، وتوسيع القدرات الدفاعية، وزيادة المخزون والقدرة التصنيعية للذخائر، وزيادة المنافسة وتقليل الاعتماد على موردين محددين، وتغيير طريقة عمل “البنتاغون”، وزيادة مستويات التمويل وضمان استمراريته. ولكي تكون هذه المبادرات فعالة، يجب تنفيذها معاً بصورة متكاملة، إذ إن النهج المتجزئ لن يكون كافياً. فزيادة الموازنة الدفاعية الأميركية، على سبيل المثال، أمر ضروري، لكنها لن تفي بحاجات الولايات المتحدة ما لم تعمل واشنطن على زيادة عدد الشركات في القاعدة الصناعية الدفاعية، وتطوير قدرات جديدة مثل الأنظمة المسيرة، وأجهزة استشعار فضائية أكثر تقدماً، وبرمجيات قابلة للتحديث المستمر. وحتى في هذه الحالة، قد يواجه المسؤولون الأميركيون صعوبات في الحصول على ما يحتاجون إليه ما لم يكن بوسع القوات المسلحة شراء المعدات والذخائر من حلفاء الولايات المتحدة بسهولة أكبر. وأخيراً، يجب على “البنتاغون” أن يجري إصلاحات جذرية في ممارساته الإدارية وعمليات الشراء لديه، ليركز على السرعة والفعالية.

منع الحرب أقل كلفة بكثير من خوضها

وقد يكون من الصعب إقناع واشنطن بزيادة الإنفاق الدفاعي، نظراً إلى أن كلاً من إدارة ترمب والتقدميين في الكونغرس يسعون إلى تقليص الوجود العسكري الأميركي حول العالم، لكن يجب على صانعي السياسات أن يتذكروا أن منع الحرب أقل كلفة بكثير من خوضها. فمن خلال زيادة الإنفاق العسكري على الكمية والنوعية، يمكن لواشنطن أن تجعل الغزو الصيني المحتمل أكثر كلفة وخطورة، مما يزرع الشك في نفس شي جينبينغ حول فرص نجاحه. وحتى إذا لم تنجح زيادة التسليح الأميركي في ردع هجوم صيني على تايوان، فإن واشنطن ستكون أكثر امتناناً لاحقاً لتوسيع ترسانتها. فالولايات المتحدة، في نهاية المطاف، لن يكون لديها الوقت الكافي لتعزيز إنتاجها العسكري بمجرد اندلاع صراع ما.

جودة الكمية

من عام 1989 إلى 1999، خفضت الولايات المتحدة موازنتها الدفاعية بما يقارب الثلث. فبعد انتهاء الحرب الباردة، لم يعد المسؤولون الأميركيون يرون حاجة إلى جيش ضخم. وواصل الكونغرس الإنفاق على منصات دفاعية رئيسة، مثل طائرات “إف-22″F-22 وحاملات الطائرات من طراز “نيميتز” Nimitz، لكنه قلص بصورة حادة الموازنة المخصصة للذخائر والأسلحة الأصغر. شهدت القاعدة الصناعية الدفاعية عمليات دمج وتقليص، وتراجعت استثماراتها في القدرات الإنتاجية والقوى العاملة. وركز الموردون على الحد الأدنى من معدلات الإنتاج، وإدارة المخزون في التوقيت المناسب [أي وفق مبدأ “عند الحاجة”، وهو مبدأ يستخدم لتقليل التكاليف عن طريق تصنيع المواد أو المنتجات فقط عند الحاجة إليها، وليس تخزينها بكميات كبيرة مسبقاً]، وتقليل التكاليف.

لم يكن ذلك مقلقاً بالنسبة إلى معظم الاستراتيجيين الأميركيين، فبعد حرب الخليج الأولى، التي هزمت فيها الولايات المتحدة سادس أكبر جيش في العالم خلال ستة أيام وبعدد قليل من الضحايا والخسائر، افترض المحللون أن الحروب المستقبلية ستكون قصيرة، ولن تتطلب مخزوناً ضخماً من الذخائر والمعدات الأساسية. كذلك، افترض المخططون العسكريون أن الانتصارات السريعة في المستقبل ستتحقق بفضل التفوق التكنولوجي.

ظل هذا المنطق سائداً إلى حد كبير على مدى ثلاثة عقود، إذ بين عامي 2001 و2002، طردت الولايات المتحدة حركة طالبان من البلاد، وهزمت الجيش العراقي بسرعة في حرب الخليج الثانية التي بدأت عام 2003، لكن التمردات الطويلة الأمد التي أعقبت ذلك في أفغانستان والعراق أثبتت أن الرؤية في شأن “الانتصارات السريعة” كانت مجرد وهم، بل إن القدرات غير المتماثلة والإرادة السياسية المستمرة مكنت المتمردين من الصمود أكثر من الجيش الأميركي، ثم جاء غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022 ليقدم دليلاً آخر على أن المعادلة تغيرت، فخلافاً لتوقعات المحللين الدفاعيين، نجح الأوكرانيون في إيقاف تقدم الجيش روسي صاحب الموارد الأكبر والأفضل تجهيزاً، مما أدى إلى حرب استنزاف أودت بحياة آلاف واستنزفت ملايين الذخائر. والآن، تعيد الجيوش تعلم دروس الحربين العالميتين: فالصراعات الكبرى ما زالت قادرة على التحول إلى حروب استنزاف طويلة، والقدرة الصناعية هي العامل الحاسم.

القدرة الإنتاجية السنوية لبناء السفن في الصين تفوق نظيرتها الأميركية بمقدار 370 مرة

واستكمالاً، كشفت الحرب في أوكرانيا عن مدى استنزاف خزائن واشنطن العسكرية من السلاح، إذ واجه المسؤولون الأميركيون صعوبة في توفير الأسلحة التي تحتاج إليها كييف، وأبدوا قلقاً مبرراً في شأن مخزوناتهم الدفاعية. وبينما يظل العدد الدقيق للصواريخ الأميركية طي الكتمان، فإن التقديرات تشير إلى أنه لا يتعدى بضع عشرات الآلاف. في المقابل، أطلقت روسيا نحو 12 ألف صاروخ في العامين الماضيين.

في الواقع، يعاني الجيش الأميركي نقصاً في الذخائر يشمل معظم أنواع الأسلحة، فهو يفتقر إلى صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى. والأهم بالنسبة إلى صراع في المحيط الهادئ، يفتقر إلى عدد كاف من الصواريخ الدقيقة البعيدة المدى، مثل صواريخ البحرية البعيدة المدى المضادة للسفن، وصواريخ المواجهة المشتركة جو-أرض، وصواريخ الجيش للضربات الدقيقة. ووفقاً للمناورات الافتراضية الحربية التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قد تستخدم الولايات المتحدة 5 آلاف صاروخ دقيق بعيد المدى أسبوعياً، وتنفد مخزوناتها بعد ثلاثة إلى أربعة أسابيع، لن تتمكن الولايات المتحدة أيضاً من إعادة إنتاج هذه الصواريخ بالسرعة الكافية. ووفقاً لدراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عام 2021 حول التعبئة العسكرية، فإن الأمر سيستغرق عامين للبدء بتعويض الصواريخ البعيدة المدى المضادة للسفن. هذه هي عواقب ترك المخزونات تنضب والقاعدة الصناعية تضعف: فشركات التصنيع الدفاعية الأميركية تفتقر إلى القطع والخبرة والمساحات الصناعية اللازمة لإنتاج كميات جديدة من الذخائر، وتفتقر إلى السيولة النقدية الناتجة من طلبات “البنتاغون” الجديدة لزيادة الإنتاج أو الاستثمار في الطاقة الإنتاجية.

لفهم السبب، يمكن النظر إلى صاروخ “ستينغر” Stinger على سبيل المثال: وهو صاروخ أرض-جو مزود بتقنية الأشعة تحت الحمراء لتتبع الأهداف بدقة، ولكنه خفيف الوزن ويطلق من فوق الكتف. يعد ستينغر سلاحاً محمولاً وفعالاً للغاية ضد الطائرات والمسيرات المعادية، مما جعله سلاحاً أساسياً في أوكرانيا. ونتيجة لذلك، أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 1000 صاروخ من هذا الطراز إلى كييف. وتحاول واشنطن تعويض هذه الأسلحة، لكن صاروخ ستينغر صمم في الأصل في سبعينيات القرن الـ20، وكانت آخر طلبيات الجيش منه قبل 20 عاماً. واضطرت شركة “رايثيون” Raytheon للمقاولات الدفاعية، إلى توظيف مهندسين متقاعدين لإنتاج صواريخ جديدة. علاوة على ذلك، اضطرت إلى إعادة تصنيع مكونات عفا عليها الزمن. وبسبب معوقات الإنتاج الناجمة عن ذلك، لم تتمكن الشركة من إنتاج أكثر من 60 صاروخ ستينغر شهرياً خلال عام 2024.

واستطراداً، تحتاج واشنطن إلى سفن وطائرات جديدة، إذ يبلغ متوسط عمر سفن البحرية 19 عاماً، والطائرات التابعة لسلاح الجو 32 عاماً، وبعض السفن والطائرات عمرها 50 عاماً. في المقابل، يتطلب تصنيع الأنظمة الدفاعية الكبرى مثل هذه أكثر من ثماني سنوات في المتوسط. في الوقت نفسه، فإن 70 في المئة من سفن البحرية الصينية دخلت في الخدمة منذ عام 2010. وتبلغ القدرة السنوية لبناء السفن في الصين أيضاً 26 مليون طن، أي ما يعادل 370 ضعف قدرة بناء السفن في الولايات المتحدة البالغة 70 ألف طن، ولا تمتلك واشنطن حتى القدرة الصناعية اللازمة لصنع حاملة طائرات واحدة من طراز “فورد” سنوياً (تزن هذه الحاملة 100 ألف طن).

 

ثمن التراجع الأميركي
وتظهر واشنطن احتياجات ماسة في ما يتعلق بالمواد الكيماوية المستخدمة في الشحنات الدافعة والمتفجرات، والمعروفة باسم “مواد الطاقة” [المواد العالية الطاقة المستخدمة في الأسلحة]. فقد كان الاستثمار في هذه المواد، وفي القدرة على إنتاجها، منخفضاً للغاية، إذ إن المادتين الأكثر استخداماً في الولايات المتحدة هما مركبان كيماويان من حقبة الحرب العالمية الثانية، عادة ما يصنعان في مصانع حكومية تعود لتلك الحقبة. وفي المقابل، تواصل الصين وروسيا تمويل برامج أكثر تطوراً لمواد الطاقة، مستفيدتين من البحوث الأميركية في هذا المجال. والمقلق أن الولايات المتحدة تعتمد على دول أجنبية، من بينها الصين، لتوفير نحو ثلث المواد الخام التي تستخدمها في إنتاج مواد الطاقة هذه.

لا يقتصر تأخر واشنطن على المعدات العسكرية التقليدية مثل الصواريخ والسفن ومواد الطاقة فحسب، بل إنها متأخرة أيضاً في مجال الابتكارات الحديثة، وخصوصاً الطائرات المسيرة المنخفضة الكلفة. تعد هذه الأنظمة عنصراً أساسياً لا غنى عنه في مستقبل الحروب. ففي أوكرانيا على سبيل المثال، استخدمت أسراب من الطائرات المسيرة الرخيصة لتدمير ثلث أسطول البحر الأسود الروسي أو تعطيله. أما روسيا، فاستخدمتها لتدمير أجزاء من شبكة الكهرباء الأوكرانية. كما استخدمت قوات الدفاع الإسرائيلية أنظمة غير مأهولة لهزيمة “حماس” في المناطق الحضرية الكثيفة والمجمعات تحت الأرض. ومع ذلك، لا يوجد أي مصنع أميركي يصنع طائرات مسيرة رخيصة الثمن بحجم شركة “دي جاي آي” DJI الصينية، الرائدة عالمياً، التي تنتج طائرة مسيرة عالية الكفاءة استخدمت بكثافة في أوكرانيا ويبلغ سعرها 1000 دولار أميركي. في غضون ذلك، وحتى أواخر عام 2024، لم يكن هناك سوى مورد أميركي واحد للطائرات المسيرة الانتحارية، وهو شركة “إيروفايرونمنت” AeroVironment التي لديها عقد لتصنيع 1000 طائرة منها فقط.

وبدأت وزارة الدفاع الأميركية بالفعل تزيد استثماراتها في الطائرات المسيرة المنخفضة الكلفة، فبرنامج “ريبليكاتور” (Replicator)، الذي أطلق عام 2023، أنشئ خصيصاً لشراء الآلاف من هذه الطائرات. لكن منذ بدء الغزو الروسي الشامل، استخدمت أوكرانيا ما معدله 10 آلاف طائرة مسيرة شهرياً. ولم تخصص الحكومة الأميركية سوى 0.3 في المئة من موازنة المشتريات الدفاعية لهذا الغرض، وهو تقريباً المبلغ نفسه المخصص لطائرة الدعم الجوي القريب “إيه-10 وارثوغ” A-10 Warthog التي لم يعد الجيش يرغب في استخدامها.

السيولة النقدية

إن أبسط طريقة يمكن لواشنطن من خلالها تحفيز زيادة الإنتاج الدفاعي هي زيادة التمويل المخصص له، فالمبلغ المخصص عام 2024 لشراء معدات جديدة، والبالغ 172 مليار دولار، غير كاف إطلاقاً لتحديث أسراب الطائرات، وتجديد الأساطيل البحرية، وإنتاج ذخائر جديدة، وشراء تقنيات حديثة مثل الأنظمة غير المأهولة. ينبغي على واشنطن تخصيص ما لا يقل عن ضعف هذا المبلغ، ويمكن تغطية جزء من هذه الزيادة بخفض النفقات، على غرار ما تحاول أن تفعله وزارة الكفاءة الحكومية، بقيادة المستشار الرئاسي إيلون ماسك. أما ما لا يمكن تغطيته من خلال تحسين الكفاءة في مجالات أخرى، فيجب تمويله عن طريق زيادة الضرائب.

ينبغي على الكونغرس أيضاً إصلاح طريقة تمويله للمشتريات العسكرية، عادة يتلقى “البنتاغون” تمويلاً لمدة عام واحد فقط لعمليات الشراء، وهذا لا يعطي الموردين إشارة واضحة حول كمية منتجاتهم التي قد تحتاج إليها واشنطن في المستقبل. إضافة إلى ذلك، يجب على الجيش التعامل مع “قرارات الاستمرار”، وهي تدابير موقتة يعتمد عليها الكونغرس بصورة متزايدة لتجنب الإغلاق الحكومي. يؤدي ذلك إلى إبطاء الإنفاق العسكري أحياناً وتسريعه بصورة متهورة في أحيان أخرى، فمن بداية السنة المالية الحكومية حتى إقرار الكونغرس لموازنة جديدة، لا يستطيع “البنتاغون” عادة بدء برامج جديدة، ويجب عليه أن يحد من إنفاقه ليقتصر على المبلغ المخصص في موازنة العام السابق، أو أحياناً على جزء بسيط من تلك الموازنة. عندما تقر الموازنة السنوية، يجبر “البنتاغون” على إنفاق المخصصات بسرعة، لأن أي أموال غير منفقة تعاد لوزارة الخزانة الأميركية، مما يؤدي إلى عدم الكفاءة والهدر.

مصنع ذخيرة في سكرانتون، بنسلفانيا، أبريل 2024 (رويترز)
مصنع ذخيرة في سكرانتون، بنسلفانيا، أبريل 2024 (رويترز)

بدلاً من ذلك، ينبغي على الكونغرس إقرار مخصصات متعددة السنوات للمشتريات العسكرية ووضع خطة تحديث دفاعي ممولة بصورة دائمة، تتضمن بناء مخزون كبير من الذخائر. سيمنح ذلك “البنتاغون” مرونة وحرية أكبر في الإنفاق، وفق ما يراه مناسباً. وسيبعث رسالة واضحة لمصنعي المعدات العسكرية بأن الطلب سيكون مستقراً على المدى الطويل، مما يحفزهم على زيادة استثماراتهم في الإنتاج من خلال توظيف العمال وتدريبهم، وبناء المصانع وتوسيعها، وإنشاء سلاسل توريد أكثر مرونة. في عام 2024، اتخذ الكونغرس خطوة صغيرة في هذا الاتجاه من خلال الموافقة على عمليات شراء على سنوات عدة لستة أنواع من الذخائر الأساسية. ولكن لإرسال إشارة قوية للموردين بأن الجيش بحاجة إلى كميات أكبر وقدرة على زيادة الإنتاج بسرعة، يجب تطبيق العقود المتعددة السنوات على جميع السلع العسكرية، وليس فقط على ستة أنواع من الصواريخ.

إن تخصيص اعتمادات مالية على سنوات عدة سيقلل من قدرة الكونغرس على تعديل الإنفاق العسكري، وعلى رغم أن ذلك قد يزعج بعض منهم، إلا أنه يعزز جاهزية الجيش، ويساعد الموردين في تخطيط أفضل لكميات الإنتاج وخفض التكاليف. في ظل النظام الحالي، يمكن لأعضاء الكونغرس، كل على حدة، إجبار “البنتاغون” على شراء سلع مصنعة في مناطقهم بغض النظر عن فائدتها. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، اشترط الكونغرس شراء سلع متعددة لا يحتاج إليها “البنتاغون” أو لا يريدها، مثل طائرات النقل العسكري “سي-130 جيه”، وطائرات الاستطلاع البحري بيه-8 بوسيدون، وسفن القتال الساحلية.

إلى أن يصلح الكونغرس آلية تخصيصه لأموال الدفاع، فإن محاولات تحديث الجيش الأميركي لن تضاهي سرعة وحزم جهود شي جينبينغ لتقوية الجيش الصيني. في الواقع، الوضع مزر لدرجة أن البيت الأبيض ينبغي أن يفعل قانون الإنتاج الدفاعي Defense Production Act لتطوير مواد طاقية جديدة وأكثر قوة، وتوسيع إنتاج الذخائر، وإنشاء احتياطات استراتيجية منها. لن تكون هذه الخطوة بديلاً عن رفع مستويات الإنفاق على المدى الطويل أو اعتماد مخصصات لسنوات متعددة، ولكن من خلال إصدار أوامر لملء الاحتياطات الاستراتيجية، يمكن للبيت الأبيض في الأقل تحفيز تطوير مواد طاقية متقدمة، وإنتاج مزيد من الذخائر، والاستثمار في القدرات التصنيعية.

نقض مفاعيل سياسة دمج الشركات

سيكون من الضروري زيادة المخصصات المالية وتحديثها من أجل إصلاح الصناعة الدفاعية، لكن مثل هذه التغييرات وحدها لا تكفي. سيتعين على الحكومة توسيع صناعة الدفاع الأميركية نفسها، التي أصبحت مركزة بصورة كبيرة [أي أن عدداً قليلاً من الشركات احتكر السوق وأصبح يهيمن على إنتاج الأسلحة والذخائر الأساسية] إلى درجة أن الشركات فقدت قدرتها التنافسية من حيث الكلفة، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار عديد من أنظمة الأسلحة. فزيادة الإنفاق، في نهاية المطاف، لن تحقق سوى نتائج محدودة عندما تبلغ كلفة كل مقاتلة من طراز “إف-35 “F-35 جديدة 80 مليون دولار، وكل حاملة طائرات جديدة من فئة فورد 13.3 مليار دولار. في نهاية الحرب الباردة، كان هناك أكثر من 50 مورداً رئيساً لقطاع الدفاع. أما اليوم، فلا توجد سوى خمس شركات تمتلك حصصاً كبيرة في سوق الدفاع، وتبلغ الإيرادات السنوية لكل منها أكثر من 10 مليارات دولار. مجتمعة، تتلقى هذه الشركات نحو 70 في المئة من عقود الدفاع (محسوبة على أساس قيمة العقد)، وتحصل شركة “لوكهيد مارتن”، أكبر الموردين، على 40 في المئة من هذه العقود. أما عديد من الشركات الأصغر التي كانت تزود وزارة الدفاع، فأفلست أو غيرت نشاطها بعيداً من “البنتاغون”: ففي السنوات الخمس الماضية فقط، فقدت القاعدة الصناعية الدفاعية 17045 شركة مستقلة، وانخفض العدد الإجمالي للشركات الصغيرة الموردة لوزارة الدفاع بأكثر من 40 في المئة خلال العقد الماضي.

ونتيجة لهذه الهيمنة والاحتكار، بات لدى “البنتاغون” خيارات ضئيلة جداً عندما يسعى إلى شراء الأسلحة والذخائر الأساسية. قبل نهاية الحرب الباردة، كان بإمكان الحكومة التسوق لشراء الصواريخ التكتيكية من 13 مورداً. أما عام 2022، فلم يتبق سوى ثلاثة موردين. وتراجع عدد موردي الطائرات ذات الأجنحة الثابتة من ثمانية إلى ثلاثة، وعدد موردي الأقمار الاصطناعية من ثمانية إلى أربعة، وانخفض عدد موردي السفن من ثمانية إلى اثنين، وأصبح لدى ثلثي برامج الدفاع الرئيسة تقريباً مزايد [مقدم عروض] واحد فقط.

هذه المشكلة كانت من صنع واشنطن نفسها، إذ في نهاية الحرب الباردة، وخلال اجتماع أصبح يعرف الآن باسم “العشاء الأخير”، شجعت وزارة الدفاع الشركات المصنعة على الاندماج، على اعتبار أن انخفاض الإنفاق الدفاعي يعني أنه لن يكون هناك ما يكفي من المشتريات لدعم الصناعة بصورتها القائمة، استجابت الشركات لهذا التوجه وبدأت في الاستحواذ على بعضها بعضاً، وابتلاع الشركات الدفاعية الموجودة ضمن كيانات تجارية، وكانت النتائج كارثية. فإضافة إلى ارتفاع الأسعار، أدى هذا الدمج إلى تراجع في القدرات التصنيعية من دون أن تتحمل تبعات سلبية جراء ذلك، بما في ذلك التحول إلى سلاسل توريد ضيقة ومرتكزة على مبدأ “عند الحاجة”، مما يجعلها معرضة للاضطراب بصورة كبيرة. اليوم، لا توجد سوى شركة واحدة تزود معظم صواريخ كروز الأميركية بمحركات التوربوفان، كما أدى الاندماج والتركيز المتزايد على إرضاء المساهمين على المدى القصير إلى تعزيز الهندسة المالية المصممة لزيادة قيم الأسهم، مثل جولات متكررة من إعادة شراء الأسهم [أي أن التركيز على الأرباح السريعة للمساهمين أدى إلى لجوء الشركات الدفاعية إلى حيل مالية مثل إعادة شراء الأسهم لرفع قيمتها في السوق، بدلاً من الاستثمار في التطوير والإنتاج]. وكانت النتيجة تراجعاً في الاستثمارات الموجهة نحو اعتماد تقنيات جديدة، وزيادة الإنتاج، والبحث والتطوير على المدى الطويل.

فقدت القاعدة الصناعية العسكرية آلاف الشركات المستقلة

يتراوح متوسط الإنفاق على البحث والتطوير في الشركات الدفاعية الكبرى (مقاولي الدفاع الرئيسين) اليوم ما بين واحد وأربعة في المئة من الإيرادات، في المقابل تنفق شركات التكنولوجيا الكبرى بين 10 و20 في المئة من إيراداتها على البحث والتطوير. ونتيجة لذلك، غالباً ما تكون المنتجات الاستهلاكية أكثر تطوراً من المنتجات العسكرية. فعلى سبيل المثال تحتوي سيارة “تسلا” على تقنيات الذكاء الاصطناعي أكثر من أية مركبة عسكرية، وهناك قدرة معالجة أكبر في آيفون عمره أربع سنوات من تلك الموجودة في مقاتلة “إف-35”. وعلى رغم أن الولايات المتحدة هي القوة الرائدة عالمياً في مجال البرمجيات، وهي موطن شركات مثل “آبل” و”غوغل” و”مايكروسوفت”، إلا أن هذه الشركات ليست هي المصمم الرئيس لمنصات الأسلحة الأميركية الكبرى، والبرمجيات في هذه المنصات لا تحدث بوتيرة مماثلة لتلك الموجودة في الأجهزة الاستهلاكية، وهذا الفارق في الأداء والتأخر في التحديثات يجعل القوات الأميركية أكثر عرضة للخطر مما ينبغي.

من الناحية النظرية، كان يمكن لواشنطن أن تعالج هذا الضعف من خلال التعاقد مع شركات تجارية لتصنيع منتجات عسكرية أو في الأقل تزويدها بالبرمجيات. في بعض الحالات، فعلت ذلك. على سبيل المثال، بدأ “البنتاغون” العمل مع شركة “سبيس إكس” SpaceX للاستفادة من صواريخها ومعززاتها [محركات الدفع الإضافية] القابلة لإعادة الاستخدام، ومع شركة “بالانتير” Palantir لدمج الذكاء الاصطناعي في الأنظمة لتحسين الاستهداف. لكن في معظم الحالات، لا ينتج قطاع التكنولوجيا الأميركي منتجات دفاعية. في الواقع، 30 في المئة فقط من إيرادات شركات الدفاع الأميركية اليوم تأتي من عملاء تجاريين. أما في الصين، فتبلغ هذه النسبة 70 في المئة. والنتيجة هي أن الولايات المتحدة تواجه فترات انتظار طويلة للحصول على منتجات جديدة، وبتكاليف أعلى، لأن المنافسة التجارية تحفز على مزيد من الكفاءة والسرعة. فعلى سبيل المثال، في المتوسط، قد يستغرق “البنتاغون” نحو 17 عاماً لتطوير، واختبار، واعتماد نظام عسكري معقد مثل الغواصة. بينما في القطاع الخاص، حيث تسود المعايير المفتوحة والتطوير السريع للمنتجات والمنافسة الشرسة، يمكن تطوير كثير من الابتكارات البرمجية خلال عام واحد وتبنيها على الفور من جانب المستخدمين. وعلى رغم أنه من غير الواقعي أن تنتج شركات الدفاع غواصة جديدة وتسلمها خلال سنة واحدة، فإن القوات الجوية في خمسينيات القرن الماضي تمكنت من تطوير، واختبار، واستخدام طائرات جديدة خلال خمس سنوات فقط. وتحركت وزارة الدفاع ومورديها بسرعة أكبر في الماضي، ويمكنهم القيام بذلك مرة أخرى إذا توافرت حوافز مختلفة عن تلك الموجودة اليوم.

هناك أداة أخرى لتوسيع القاعدة الصناعية الدفاعية، وهي تسهيل مشتريات وزارة الدفاع من حلفاء الولايات المتحدة. في الوقت الحالي، تتمتع شركات الدفاع الأميركية بحماية كبيرة بفضل أحكام “اشتر المنتجات الأميركية” التي أدرجت في تشريعات المشتريات العسكرية. ولا يقتصر تأثير هذا الأمر على الحد من المنافسة فحسب، بل يقيد أيضاً قدرة الولايات المتحدة على زيادة مخزوناتها وتحديثها بسرعة، نظراً إلى أن الشركات الدفاعية الأميركية تواجه قيوداً في الإنتاج وسلاسل التوريد. في المقابل، تواجه الشركات الأميركية قيوداً على ما يمكنها بيعه للحلفاء، بسبب قوانين وزارة الخارجية للوائح الاتجار الدولي بالأسلحة التي تنظم تصنيع وبيع وتوزيع المنتجات الدفاعية الأميركية. بدلاً من ذلك، يجب على واشنطن إنشاء نظام يميز بين السلع المباعة للحلفاء المقربين، والحلفاء الأبعد، والدول الأخرى. ويمكن للولايات المتحدة بعد ذلك إعفاء أقرب أصدقائها من الموافقات المسبقة لشراء المنتجات الدفاعية الأميركية، مما يسمح للحلفاء بشراء الطائرات والسفن وأنظمة الأسلحة الأخرى الأميركية بصورة أسرع بكثير مما هو ممكن حالياً.

من خلال التعاون مع الحلفاء، قد تتمكن القوات الأميركية من تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً من الصين بصورة أسرع. حالياً، تهيمن الصين على عدد من القطاعات الصناعية الضرورية للجيش الأميركي، مثل إمدادات البطاريات المتقدمة. إضافة إلى ذلك، تصنع الصين مزيداً من المنتجات المصبوبة [المسبوكة] والمصقولة الكبيرة، بما في ذلك معدات الهبوط، ومكونات المحركات، والمكابح، وأقراص التوربينات، وشفرات المراوح، أكثر مما تنتجه الدول التسع التي تليها في الترتيب مجتمعة. واستطراداً، تصدر الصين كميات كبيرة من التيتانيوم والألمنيوم والمعادن الأرضية النادرة المكررة والمواد المقاومة لدرجات الحرارة العالية والرقائق الإلكترونية. وبفضل هذا التفوق، يمكن لبكين أن توجه ضربة كبيرة لقدرة الولايات المتحدة على القتال من خلال الامتناع عن توريد المكونات الأساسية للإنتاج الدفاعي.

خبراء الدفاع يسخرون أحياناً من “البنتاغون” باعتباره آخر مكان على وجه الأرض لا يزال يستخدم نظام التخطيط الخماسي السوفياتي

يحاول الجيش الأميركي تقليل اعتماده على الموردين الصينيين، من عام 2022 إلى عام 2023 قلص الجيش والبحرية اعتمادهما على الموردين الصينيين في التقنيات الحيوية بنسبة 17 في المئة و40 في المئة على التوالي. ومع ذلك، لا تزال هاتان الجهتان تتعاملان مع أكثر من 140 شركة صينية. في الوقت نفسه، يزداد اعتماد القوات الجوية الأميركية على المكونات الصينية مثل الرقائق الإلكترونية والمعادن الأرضية النادرة. إن التركيز الأساس للجيش على خفض تكاليف الإنتاج، بدلاً من تنويع مصادر التوريد، لا يجدي نفعاً، لأنه يعني أن الموردين العسكريين لن يكون لديهم دافع كاف للاستثمار في سلاسل توريد بديلة أو أكثر مرونة. كذلك، تركز أسواق رأس المال الأميركية أيضاً على الأرباح القصيرة الأجل على حساب الأمن والقدرة. إذا كانت واشنطن تعطي قيمة لقدرتها على إنتاج أو تجديد مخزوناتها في أوقات الحرب، فيجب أن تستثمر في هذه القدرة في وقت السلم.

إن زيادة الإنفاق وتوقيع اعتمادات متعددة السنوات يمكن أن يساعدا في تجاوز هذه التحديات، ويمكن لـ”البنتاغون” توجيه أموال جديدة إلى الشركات التي توافق على نقل سلاسل التوريد الخاصة بها إلى خارج الصين. ويمكنه أيضاً استخدام الأموال للحصول على تقنيات مثل صور الأقمار الاصطناعية، والأنظمة غير المأهولة، وبرمجيات أفضل من موردين جدد، مما يزيد من المنافسة في القاعدة الصناعية الدفاعية.

لا نفع بعد الفوت

لا تحتاج عديد من هذه الشركات التجارية إلى بيع منتجاتها للحكومة لبناء أعمال ناجحة، وكثيراً ما تثنيها عن ذلك متطلبات “البنتاغون”، مثل اشتراط حصول الشركات على شهادة “صلاحية التشغيل” الإلزامية لبيع برمجيات جديدة. ونتيجة لذلك، يتعين على “البنتاغون” إعادة صياغة إجراءات الشراء الخاصة به لتسهيل التعامل مع القوات المسلحة وتسريعه.

على مدى العقود الستة الماضية، أنشأت وزارة الدفاع متاهة من القواعد واللوائح وسياسات الاستحواذ المربكة التي تشجع على تجنب الأخطار والجمود. وتتجسد هذه التعقيدات في لائحة المشتريات الفيدرالية Federal Acquisition Regulation المكونة من 2000 صفحة، مما يجعل من الصعب شراء حتى أبسط المعدات. إن تجربة الجيش الأميركي عام 2006 عندما استبدل مسدس بيريتا الذي يبلغ عمره عقوداً، هي مثال على ذلك. فبدلاً من مجرد الحصول على أفضل مسدس متاح تجارياً، استخدم الجيش نظام المشتريات الدفاعية، الذي يبدأ بتحديد المتطلبات بدلاً من تقييم ما هو موجود حالياً في السوق، مما أدى إلى تأخير العملية لسنوات. وفي النهاية، استغرق الأمر أكثر من 10 سنوات لإصدار عقد الشراء. ثم جاءت مرحلة اختبار طويلة استمرت لمدة عامين وكلفت 17 مليون دولار، وأسهمت في مزيد من التأخير. في عمليات الشراء الأولية للجيش، كانت كلفة كل مسدس أعلى من كلفة شراء مسدس من السوق مباشرة.

يعود تاريخ عديد من هذه القواعد لستينيات القرن الماضي، عندما كان الجيش الأميركي يتنافس مع خصمه المركزي، الاتحاد السوفياتي. هذا النهج المركزي والهرمي في اتخاذ القرارات يتعارض مع الرغبة في السرعة ونهج التجربة والخطأ السريع، المعروف باسم التطوير السريع، كما هو متبع في وادي السيليكون، بل إن خبراء الدفاع يسخرون أحياناً من “البنتاغون” باعتباره آخر مكان على وجه الأرض لا يزال يستخدم نظام التخطيط الخماسي السوفياتي.

إن إصلاح عملية الشراء في “البنتاغون” ليس فكرة جديدة، فقد كتبت نصوص كثيرة تفصل التغييرات المحتملة، لكن الحل البسيط والسهل يكمن في توسيع نطاق استخدام “صلاحية المعاملات الأخرى” Other Transaction Authority [أو سلطة المعاملات الأخرى غير التقليدية، وهو نظام تعاقد بديل غير خاضع للوائح الفيدرالية] في العقود. أنشأ الكونغرس “صلاحية المعاملات الأخرى” عام 1958 كوسيلة لوكالة “ناسا” للتحرك بسرعة بعد إطلاق القمر الاصطناعي “سبوتنيك”. وبالمقارنة مع لائحة المشتريات الفيدرالية يقدم هذا الاتفاق عملية أفضل وأكثر تنافسية لشراء السلع. على سبيل المثال، تعتمد مشتريات “صلاحية المعاملات الأخرى” على عقود ثابتة السعر بدلاً من العقود القائمة على “الكلفة زائد الأرباح” التي يوقعها “البنتاغون” عادة، وتضمن عقود “الكلفة زائد الربح” للمصنعين أرباحاً حتى عند تجاوزهم الموازنة والجداول الزمنية.

هناك قدرة معالجة أكبر في هاتف “آيفون” عمره أربع سنوات من تلك الموجودة في طائرة أف-35

ويدرك مسؤولو اليوم مدى فائدة هذه المعاملات الأخرى، ففي عام 2020 اشترت واشنطن 300 مليون جرعة من لقاحات كورونا خلال عملية “وارب سبيد” Warp Speed (السرعة الفائقة) باستخدام “المعاملات الأخرى”. وتستخدم “وحدة الابتكار الدفاعي” التابعة لـ”البنتاغون” هذه التكنولوجيا لجذب موردين جدد وشراء أنظمة عالية التقنية. كذلك تستعمل في مبادرة “ريبليكاتور” Replicator، وفي عديد من عقود البحث والتطوير. ومع ذلك، فإن أقل من 10 في المئة من إجمالي الإنفاق على المشتريات يجري اليوم من خلال هذه المعاملات.

قد يتسارع اعتماد “المعاملات الأخرى” مع التوجيه الأخير من وزير الدفاع بيت هيغسيث، الذي يحدد أن جميع مشتريات البرمجيات في الوزارة يجب أن تستخدم “المعاملات الأخرى”، ولكن لتحقيق تحول أكبر وأكثر استدامة، سيتعين على “البنتاغون” وضع نهج جديد في القيادة العليا. في الوقت الحالي، فإن الحوافز لتحسين الأداء تركز على تجنب الأخطاء بدلاً من تشجيع المبادرة أو قياس الفعالية، بتعبير آخر، يقاس أداء الموظفين بمدى امتثالهم للإجراءات واللوائح والتوجيهات الخاصة بكل عملية، بدلاً من ذلك يمكن أن يستند تقييم الأداء إلى سرعة اتخاذ القرارات، والوقت الذي يستغرقه تنفيذها، ونتائجها الفعلية. من جانبه، يمكن للكونغرس أن يكلف المفتش العام العسكري تقييم فعالية “البنتاغون” وسرعته في اتخاذ القرارات، بما في ذلك عمليات الشراء. يمكن للمفتش العام أيضاً دراسة أسباب تأخر الشركات عن المواعيد النهائية، وكيف تسهم إجراءات “البنتاغون” في تأخير الجداول الزمنية وإبرام عقود تتخطى التكاليف المحددة في الموازنة. يستطيع الكونغرس أيضاً فرض عقوبات على النزاعات الكيدية المتعلقة بمنح العقود [اعتراضات مفتعلة على ترسية العقود]، التي أصبحت شائعة كاستراتيجية أعمال، إذ تفتح المجال أمام الشركات الخاسرة للمنافسة مجدداً على العقد.

يجب على صانعي السياسات هؤلاء التحرك بسرعة أيضاً، لم يعد بإمكان “البنتاغون” تحمل انتظار اندلاع الصراع التالي لسن هذه التغييرات. استغرقت الولايات المتحدة ثلاث سنوات لزيادة إنتاج الطائرات والصواريخ في الحرب العالمية الثانية، ومن المرجح ألا يتوفر للبلاد هذا الوقت الكافي لزيادة الإنتاج عند بدء الصراع التالي. لدى إدارة ترمب فرصة لتحقيق السلام من خلال القوة، عن طريق تحديث الأصول الحالية، وتوسيع القدرات الدفاعية، وزيادة المخزونات والقدرة على تصنيع الذخائر، وزيادة المنافسة وتقليل نقاط الضعف في سلاسل التوريد، وتغيير طريقة عمل “البنتاغون”، وزيادة مستويات التمويل واستمراريته. ونظراً إلى أن هذه المبادرات تستغرق سنوات عدة وأنها مترابطة وتدعم بعضها، يجب على الإدارة أن تنفذها جميعاً على وجه السرعة.

ولا يمكن ردع الصين عن الاستيلاء على تايوان بالقوة، أو ردع دول أخرى عن تحدي الولايات المتحدة، إلا من خلال حملة شاملة لإعادة بناء ترسانة الديمقراطية. وفي تصريح حكيم يشبه النبوءة، قال الجنرال الأميركي دوغلاس ماك آرثر عام 1940 “يمكن تلخيص تاريخ الفشل في الحرب بكلمتين تقريباً: فات الأوان”.

 

مايكل براون شريك في “شيلد كابيتال”، وزميل مميز رفيع الشأن في “معهد الأمن والتكنولوجيا”، وشغل منصب مدير “وحدة الابتكار الدفاعي” في وزارة الدفاع الأميركية بين عامي 2018 و2022.

مترجم عن “فورين أفيرز”، 22 أبريل (نيسان) 2025

 

Continue Reading

Previous: الندم الإيجابي والدبلوماسية المعاصرة..مصطفى الفقي..…المصدر: اندبندنت عربية
Next: الاختراق السوري أبرز إنجازات ترمب……..طوني فرنسيس……المصدر: اندبندنت عربية

قصص ذات الصلة

  • مقالات رأي

الدولة والسلطة في سورية الانتقالية غسان المفلح..المصدر: صفحة الكاتب

khalil المحرر يونيو 5, 2025
  • مقالات رأي

سوريا ولبنان…”تلازم المسارين” أم انفصالهما؟ المصدر: عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية

khalil المحرر يونيو 5, 2025
  • مقالات رأي

تساؤلات حول المفاوضات النووية بعد رفض خامنئي وقف التخصيب حنان عزيزي……المصدر:المجلة

khalil المحرر يونيو 5, 2025

Recent Posts

  • الدولة والسلطة في سورية الانتقالية غسان المفلح..المصدر: صفحة الكاتب
  • سوريا ولبنان…”تلازم المسارين” أم انفصالهما؟ المصدر: عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية
  • تساؤلات حول المفاوضات النووية بعد رفض خامنئي وقف التخصيب حنان عزيزي……المصدر:المجلة
  • ماذا يبقى من حقيقة الشعر في زمن الذكاء الاصطناعي؟..كاظم الخليفة……المصدر:المجلة
  • رحيل حسونة المصباحي… كاتب الهامش الذي تحدى الأنماط الجاهزة عاش هائما ومرتحلا وظلت تونس شاغله الأول أشرف الحساني…. المصدر:المجلة

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • الدولة والسلطة في سورية الانتقالية غسان المفلح..المصدر: صفحة الكاتب
  • سوريا ولبنان…”تلازم المسارين” أم انفصالهما؟ المصدر: عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية
  • تساؤلات حول المفاوضات النووية بعد رفض خامنئي وقف التخصيب حنان عزيزي……المصدر:المجلة
  • ماذا يبقى من حقيقة الشعر في زمن الذكاء الاصطناعي؟..كاظم الخليفة……المصدر:المجلة
  • رحيل حسونة المصباحي… كاتب الهامش الذي تحدى الأنماط الجاهزة عاش هائما ومرتحلا وظلت تونس شاغله الأول أشرف الحساني…. المصدر:المجلة

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • مقالات رأي

الدولة والسلطة في سورية الانتقالية غسان المفلح..المصدر: صفحة الكاتب

khalil المحرر يونيو 5, 2025
  • مقالات رأي

سوريا ولبنان…”تلازم المسارين” أم انفصالهما؟ المصدر: عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية

khalil المحرر يونيو 5, 2025
  • مقالات رأي

تساؤلات حول المفاوضات النووية بعد رفض خامنئي وقف التخصيب حنان عزيزي……المصدر:المجلة

khalil المحرر يونيو 5, 2025
  • أدب وفن

ماذا يبقى من حقيقة الشعر في زمن الذكاء الاصطناعي؟..كاظم الخليفة……المصدر:المجلة

khalil المحرر يونيو 5, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.