ملخص
وسائل الإعلام وأغلب المحللين أخطأوا في تقديرهم لآثار قرار مجموعة الثماني زيادة الإنتاج عندما توقعوا انخفاضاً كبيراً في أسعار النفط.
هذه مقدمة لمن ليست عنده خلفية في أسواق النفط، هناك ثلاث مجموعات وثلاثة خفوضات:
– “أوبك” هي منظمة الأقطار المصدرة للنفط وتتكون من 12 دولة، أسست في بغداد في 1960، هذه الدول هي الجزائر والكونغو وغينيا الاستوائية والغابون وإيران والعراق والكويت وليبيا ونيجيريا والسعودية والإمارات وفنزويلا.
– “أوبك+” هو تحالف بين دول “أوبك” و10 دول مصدرة للنفط، ووُقع اتفاق التعاون المشترك في 2016، الدول الـ10 هي روسيا وكازاخستان وأذربيجان وعمان والبحرين والمكسيك والسودان وجنوب السودان وماليزيا وبروناي.
– مجموعة الثماني في “أوبك+” هي الدول التي قررت خفض الإنتاج طوعياً وهي السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وعمان.
– أقرت “أوبك+” في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 خفضاً قدره مليونا برميل يومياً ابتداءً من نوفمبر (تشرين الثاني) التالي، واتُّفق لاحقاً على تمديده حتى نهاية 2026.
– أقرت مجموعة الثماني في أبريل (نيسان) 2023 خفض الإنتاج طوعياً بمقدار 1.65 مليون برميل يومياً، واتُّفق لاحقاً على تمديده حتى نهاية 2026.
– أقرت مجموعة الثماني في نهاية نوفمبر 2023 خفض الإنتاج طوعياً بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً، واتُّفق لاحقاً على تأجيله حتى نهاية مارس (آذار) 2025. بدأت المجموعة برفع سقف الإنتاج ابتداءً من أول أبريل 2025، وبعد شهر قررت أن تسرّع الزيادة عن طريق رفع وتيرة الزيادة ثلاثة أضعاف، كذلك قررت أن تجتمع شهرياً لتقرر مستويات إنتاج الشهر المقبل. ونتج من ذلك رفع سقف الإنتاج بما يقدر بـ138 ألف برميل يومياً في أبريل، ثم 411 في كل من مايو (أيار) ويونيو (حزيران) ويوليو (تموز). وعند كتابة هذا المقال صدر تقرير من بنك “غولدمان ساكس” يتوقع أن تزيد المجموعة الإنتاج للمرة الأخيرة في أغسطس (آب).
مقال اليوم يناقش أثر هذه الزيادات في أسواق النفط، بخاصة أثر القرار الأخير الذي اتُّخذ السبت الماضي برفع سقف الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يومياً. وكانت دول “أوبك+” قد اجتمعت اجتماعاً دورياً قبل ذلك بثلاثة أيام وكان بالإمكان اجتماع مجموعة الثماني وقتها، ولكن من الواضح أنه أُجل الاجتماع والقرار حتى السبت عندما تكون الأسواق مغلقة لتفادي أي رد فعل سلبي للخبر. صدور القرار السبت يعطي التجار يوماً كاملاً لدراسة أثر القرار، كذلك يعطي وزراء المجموعة وقتاً كافياً لإرسال رسائلهم للسوق.
أخطأ الصحافيون والمحللون في فهم أثر هذه الزيادات في الأسواق، إذ توقعوا خفضاً كبيراً في أسعار النفط، كذلك نشرت بعض وسائل الإعلام المعادية للسعودية تقارير سلبية ثبت عدم صحتها وكلها مخفضة لأسعار النفط. فما العوامل التي تجاهلتها وسائل الإعلام والمحللون والتي جعلتهم يتوقعون انخفاض أسعار النفط، التي ارتفعت على رغم قرار مجموعة الثماني زيادة الإنتاج؟ أدناه مختصر لهذه العوامل.
النفط يرتفع بعد قرار متوقع لـ”أوبك+” بزيادة الإنتاج في يوليو
ترمب يجهز إجراءات جمركية انتقامية ضد الضرائب الرقمية
العودة لموضوع السيارات الكهربائية والطلب على النفط
1- الزيادة لسقف الإنتاج أو الحصص الإنتاجية وليس للإنتاج، إذ إن بعض الدول لا تستطيع زيادة إنتاجها.
2- أغلب الزيادة موجودة في السوق مسبقاً ومنذ أشهر، ومن ثم فإن قرارات الزيادة هي على الورق، وهذا يجعل هذه الزيادات قانونية. بعبارة أخرى، قرار الزيادة لا أثر له في الأسعار، لأن الزيادة حصلت منذ أشهر عندما كانت دول مثل العراق وكازاخستان تتجاوز حصصها الإنتاجية.
3- تجاهل الإعلاميون والمحللون زيادة الطلب على النفط في الدول المنتجة للنفط خلال فصل الصيف، حيث يزيد الطلب على التكييف، مما يرفع الطلب على الكهرباء بصورة كبيرة، وتجري مقابلة هذا الطلب عن طريق زيادة التوليد باستخدام زيت الوقود، الذي يستورد جزء منه. هذه الزيادة كبيرة وتصل إلى 1.2 مليون برميل يومياً في منطقة الشرق الأوسط، كذلك يتوقع أن يرتفع الطلب على النفط في محطات الكهرباء العراقية إلى أعلى مستوى له تاريخياً في هذا الصيف، حسب توقعات شركة “إنرجي أوتلوك أدفايزرز” الأميركية.
4- تجاهل الإعلاميون والمحللون زيادة الطلب على النفط في السعودية في مايو ويونيو بسبب الحج، نظراً إلى قدوم ملايين المسلمين لأداء فريضة الحج من شتى أنحاء العالم، يرتفع الطلب على البنزين والديزل ووقود الطائرات وزيت الوقود.
وينتج عن النقطتين الثالثة والرابعة أن أسواق النفط العالمية لن ترى أغلب الزيادة في الإنتاج، إذ إن صادرات النفط، وهو ما يهم الأسواق العالمية لن ترتفع بنفس نسبة الزيادة في الإنتاج. وما حصل في الشهرين الماضيين يؤكد هذه الفكرة، إذ رفعت مجموعة الثماني سقف الإنتاج بمقدار 138 ألف برميل في أبريل و411 ألف برميل في مايو، ومع هذا انخفضت صادرات “أوبك+” في كلا الشهرين! لهذا فإن القول إن زيادات الإنتاج خفّضت أسعار النفط غير صحيح على الإطلاق لأن المعروض انخفض ولم يرتفع. أسعار النفط انخفضت بسبب حال الهلع والحيرة وعدم الوضوح التي ضربت الأسواق بسبب الحروب التجارية وضرائب ترمب التي تتغير باستمرار.
5- تجاهل الإعلاميون والمحللون الانخفاض الكبير في إنتاج وصادرات النفط في فنزويلا بسبب قرار ترمب معاقبة أية دولة تستورد من فنزويلا بضرائب جمركية قدرها 25 في المئة. نتج من ذلك توقف الصين والهند عن استيراد النفط الفنزويلي، إذ انخفضت الصادرات بين مارس ومايو بنحو 340 ألف برميل يومياً. هذا يعني أن أية زيادة في صادرات مجموعة الثماني ستعوض عن انخفاض النفط الفنزويلي ولن تسبب زيادة في المعروض وانخفاضاً في الأسعار، ولكن المفاجأة كانت هي انخفاضاً كبيراً في إنتاج وصادرات النفط في البرازيل بسبب أعمال الصيانة.
6- تجاهل الإعلاميون والمحللون الفرق الكبير بين توقعات إنتاج النفط الأميركي ومستويات الإنتاج الحالية، إذ إن الواقع أقل من التوقعات بفارق كبير. فقد توقعت وكالة الطاقة الدولية في ديسمبر (كانون الأول) أن يرتفع إنتاج النفط الأميركي بنحو 630 ألف برميل يومياً، كما توقعت “أوبك” أن يرتفع بمقدار 500 ألف برميل يومياً، والآن خفضت كلتاهما هذه التوقعات بحدود النصف، وهناك كثر يتوقعون أن ينخفض إنتاج النفط الأميركي بنهاية العام. ويمكن القول إنه من المؤكد الآن أن يكون إنتاج النفط الأميركي أقل من التوقعات بنحو 300 ألف برميل يومياً في أقل تقدير. هذا يعني أن 300 ألف من الزيادة في صادرات دول مجموعة الثماني ستكون للتعويض عن انخفاض الإنتاج الأميركي، ومن ثم ليست زيادة في المعروض، وليس هناك سبب أن تسهم في تخفيض أسعار النفط.
7- في الوقت الذي تجاهل فيه الإعلاميون والمحللون زيادة الطلب المحلي على النفط في دول “أوبك+”، ركزوا على ضعف الطلب العالمي على النفط، بخاصة في الصين والهند، وتجاهلوا أثر تشديد العقوبات في الصادرات النفطية لكل من روسيا وإيران وفنزويلا. تشديد العقوبات أخاف بعض الشركات الصينية والهندية وغيرهما، فطلبت من بعض دول مجموعة الثماني مزيداً من النفط. بعبارة أخرى، على رغم ضعف الطلب العالمي على النفط فإن هناك زيادة في الطلب على بعض دول مجموعة الثماني بسبب تشديد العقوبات على الدول المذكورة.
خلاصة القول إن وسائل الإعلام وأغلب المحللين أخطأوا في تقديرهم لآثار قرار مجموعة الثماني زيادة الإنتاج عندما توقعوا انخفاضاً كبيراً في أسعار النفط، ويكفي دليلاً على خطئهم انخفاض صادرات “أوبك+” في أبريل ومايو، وكون أسعار النفط اليوم أعلى مما كانت عليه قبل قرار زيادة الإنتاج.