يبدو أن كابوساً قديماً لأجهزة “حماس” الأمنية قد عاد إلى الحياة، مع تزايد نفوذ العشائر المسلحة في قطاع غزة، خاصة في المناطق التي ينشط فيها الجيش الإسرائيلي بكثافة.
وبحسب ضابط رفيع في الجيش، تحدث إلى موقع “واللاه نيوز” العبري، فإن هذه العشائر تعمل كميليشيات مسلحة تستولي على المواد الغذائية بالقوة، وتقتحم المستودعات، بل وتطلق النار على أفراد الأمن التابعين لـ”حماس” لحماية عناصرها.
ويقول الضابط إن هذه العشائر بنت قوتها قبل الحرب بسنوات، معتمدة على تهريب الأسلحة، والمخدرات، والسجائر، والأجهزة الإلكترونية من مصر وإسرائيل. وقد أقامت “حماس” معها اتفاقات، بل وتعاونت معها أحياناً، بما في ذلك المشاركة في هجوم السابع من أكتوبر وأعمال النهب. لكن بعد الحرب التي أدت إلى تقسيم القطاع، فقدت الحركة السيطرة الأمنية على مناطق بأكملها. وبعد إعلان الهدنة، أرسلت “حماس” قوافل أمنية إلى شمال القطاع وجنوبه، وفرضت عقوبات صارمة على العشائر “المتمردة”، شملت الاعتقال، والتعذيب، وإطلاق النار على الركبتين، بل وحتى القتل.
تتحدى سلطة “حماس”
العشيرة الأبرز التي نشطت أخيراً هي عشيرة أبو شباب بقيادة ياسر أبو شباب من عائلة الترابيين، والتي بدأت تتحرك بقوة في شمال القطاع وجنوبه بعد طردها من رفح. تقوم هذه العشيرة بحراسة قوافل المساعدات الإنسانية، لكنها في الوقت نفسه تنهبها، وتُتهم بالتعاون مع إسرائيل.
وهناك أيضاً عشيرة دغمش، وهي من أكبر العشائر في غزة، وتنحدر من تل الهوى والصبرة في مدينة غزة. سبق أن شاركت في اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وخاضت صراعات دامية مع “حماس”. وفي العام الماضي، اغتيل زعيمها بعد تقارير عن علاقات محتملة مع إسرائيل.
وتقول مصادر أمنية إسرائيلية إن معظم هذه العشائر لا تتحرك بدافع أيديولوجي، بل بدافع السيطرة والنفوذ والثروة، مستغلة ضعف “حماس” لتعزيز مواقعها. وفي بعض الحالات، ينجحون في ذلك بما لا يقل عن نجاح الحركة نفسها.
ويحذر مسؤولون أمنيون سابقون من أن بقاء هذه العشائر مسلحة يعني تهديداً حقيقياً لسلطة “حماس”. ويقول أحدهم: “لا يوجد فراغ في غزة. إذا لم نجد مسلحي حماس، فسنرى أفراد العشائر يحاولون فرض نظامهم الخاص. وإذا صمد وقف إطلاق النار، فستكون الحركة مضطرة للتعامل مع هذه الظاهرة المتجذرة، وإلا فستزداد العشائر قوة، لأنها لا تنتظر أحداً”.
وتؤكد تقارير إسرائيلية أن قبضة “حماس” الأمنية ضعفت بعد العمليات البرية وتقسيم القطاع. وتشمل العشائر النشطة الأخرى: عشيرة أبو طير التي كانت نشطة في خان يونس ومتخصصة في التهريب من سيناء. عشيرة الكشك، وهي متمركزة في مدينة غزة، ولها ارتباطات بالسلطة المحلية. عشيرة أبو ريشة، وهي نشطة في رفح، وتحافظ على علاقات مع الجماعات السلفية. عشيرة الشاويش، وهي صغيرة نسبياً لكنها نشطة. وعشيرة بركة المحسوبة على حركة “فتح” وتعمل أساساً في غزة.
ماذا عن الأسرى إذا انهارت الحركة؟
في السياق ذاته، نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” تحليلاً يشير إلى أن الكابوس الأكبر لإسرائيل، في حال انهيار “حماس”، هو مصير الأسرى. وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال إيال زامير خلال اجتماعات مغلقة إن على إسرائيل التوجه لاتفاق في غزة لإخراج أكبر عدد ممكن من الأسرى الأحياء قبل فوات الأوان.
ويؤكد زامير أن “حماس” في أدنى مستوياتها عسكرياً ومدنياً منذ 2007، وأن حاجز الخوف منها لدى السكان قد انهار، لكن رغم ذلك فإنها لا تزال “العنوان الوحيد” الممكن للتفاوض بشأن الأسرى. ويحذر مسؤولون عسكريون من أن انهيار الحركة الكامل قد يؤدي إلى فوضى، تجعل من المستحيل معرفة مصير الأسرى أو التفاوض على إطلاق سراحهم.
ويرى الجيش الإسرائيلي أن نهجه الجديد في غزة أثبت فعاليته، إذ يجمع بين الضغط العسكري المكثف من جهة، وتغيير طريقة إيصال المساعدات الإنسانية من جهة أخرى. فـ”الجيش يتمسك بكل نقطة يسيطر عليها، ويعمل على تفكيك البنى التحتية فوق الأرض وتحتها، ويفضل التقدم البطيء والآمن على حساب السرعة”.
في رفح، لم يتبقَّ شيء تقريباً، بينما تعمل الفرقتان 98 و36 في خان يونس لتدمير البنية التحتية ومنع إعادة بنائها. أما بلدة خزاعة، التي خرج منها مسلحون في 7 تشرين الاول/أكتوبر، فلم يبقَ منها شيء. قال قائد الوحدة العسكرية هناك لجنوده: “لم تعد هناك خزاعة. يمكن الآن لسكان نيرعوز النظر من نوافذهم ومشاهدة السماء”.
أما في جباليا، فقد أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء، وبدأ السكان بالانتقال إلى مدينة غزة وسط استمرار القصف الجوي. ويقول الجيش إنه يسيطر الآن على أكثر من نصف القطاع، ويهدف إلى السيطرة على 75% خلال الأشهر المقبلة، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق موقت لوقف إطلاق النار.
ويرى الجيش أن التحول الحقيقي يتمثل في السيطرة على المساعدات، إذ باتت تُسلّم مباشرة للسكان، وفقدت “حماس” سيطرتها على الشاحنات، و”لم يعد السكان يخشون قبضة حماس الحديدية”، وفقاً للصحيفة العبرية.
لكن تبقى الحقيقة أن “حماس” هي الطرف الوحيد حالياً الذي يمكن التفاوض معه بشأن الأسرى. وعندما يقول وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن لدى الحركة خيارين: “الصفقة أو الإبادة”، فإن كليهما يحمل تبعات خطيرة على مصير المحتجزين، خاصة في ظل غياب بديل واضح يمكن أن يملأ الفراغ في غزة.