كشف قادة العالم، خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي في أيلول/سبتمبر، عن خطط لإنشاء ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وقد وقّعت السعودية والاتحاد الأوروبي والهند والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة تفاهم  التزمت بموجبها العمل معًا للمضي قدمًا بالمشروع.

في حين أن التفاصيل عن الممر لا تزال ضئيلة، كشفت مذكرة التفاهم الخطوط العريضة الأساسية لشبكة النقل التي تتراوح من الشحن بالسفن وصولا إلى السكك الحديد، والتي ستُكمِّل طرقات النقل البحري والبري القائمة. وتشمل البنية التحتية المادّية للمشروع خطوط السكك الحديد التي تربط الإمارات العربية المتحدة بإسرائيل عن طريق السعودية والأردن، فضلًا عن الكابلات الكهربائية لتعزيز الاتصال الرقمي وأنابيب تصدير الهيدروجين النظيف.تضغط  الولايات المتحدة لإنشاء الممر في إطار التصدي لمبادرة الحزام والطريق الصينية. ولكن الصين تمارس بالفعل تأثيرًا ملحوظًا على طول الطريق المقترح للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وإحدى حلقات الربط المهمة في الممر هي ميناء بيرايوس اليوناني، وهو أكبر ميناء في شرق أوروبا، الذي ستصل إليه الحمولة من ميناء حيفا في إسرائيل. شركة الشحن الصينية “كوسكو” هي الحصة الاكبر  في الميناء منذ عام 2016، حين باعتها الحكومة اليونانية ثلثَي الحصص. بعبارة أخرى، تتمتع هذه الشركة الصينية بجميع الصلاحيات اللازمة لاتخاذ القرار بشأن مستقبل الميناء والسيطرة على الأرصفة والمحطات. في هذه المرحلة، ليس واضحًا إذا كانت الهند والولايات المتحدة تتغاضيان عن هذا المعطى الاستراتيجي المهم، أم إذا كانتا ستحاولان شراء حصص في ميناء بيرايوس وجعل ميزان القوى يميل لصالحهما على حساب شركة “كوسكو”.

علاوةً على ذلك، تحدّ الروابط المالية العميقة بين الصين والخليج العربي من قدرة الممر الاقتصادي أو أي مشروع إنمائي مماثل على تحدّي تأثير بيكين في المنطقة. بلغت قيمة التجارة بين الصين والسعودية أكثر من 106 مليارات دولار أميركي في عام 2022، ما يمثّل نحوضعف  قيمة التجارة بين الولايات المتحدة والسعودية. واكتسبت الصين أيضًا حصّة أقلية بنسبة 20 في المئة في محطة بوابة البحر الأحمر، وهو أكبر ميناء في السعودية. وتجاوزت قيمة التجارة غير النفطية بين الصين والإمارات العربية المتحدةر  في عام 2022 فقط، وقد استثمرت الصين بالفعل في العديد من الخطط الإنمائية، ومنها مشروع الذي يهدف إلى ربط مدينة الفجيرة في الشمال الشرقي بالمنطقة الواقعة عند الحدود مع السعودية. سوف يشكّل هذا المشروع  في مختلف أنحاء البلاد، فيربط بين المراكز الصناعية الكبرى، وقواعد التصنيع، والمراكز اللوجستية والمرافئ الأساسية في الإمارات.

يواجه الممر الاقتصادي تحدّيًا جديدًا في ضوء هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر والهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة. لقد توقّفت محادثات التطبيع بين تل أبيب والرياض في المستقبل المنظور، علمًا بأن الحرب  العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية مع الإمارات. ومن شأن أي مشروع يربط الأردن بإسرائيل أن يواجه معارضة شديدة من الرأي العام الأردني، ولا سيما من الفلسطينيين، وقد اتخذت الحكومة الأردنية موقفا حازما   ضد القصف الإسرائيلي لقطاع غزة. قد يلقى الممر الاقتصادي في نهاية المطاف مصير مشاريع أخرى للبنية التحتية، مثل  بين إسرائيل والأردن والسعودية التي أُجهِضت في مهدها. ولكن استنادًا إلى موقف الهند الأخير بالتصويت لصالح إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على الأرجح أن الأزمة الراهنة لن تؤثّر في العلاقات بين نيودلهي وتل أبيب.

يقدّم الممر الاقتصادي مجموعة كبيرة من الفوائد الاقتصادية المحتملة على الصعيدَين الإقليمي والدولي، ولا سيما من خلال خفض التكلفة وزيادة سرعة شحن الحمولة. ولكن من أجل تحقيق هذه الأهداف، يجب معالجة التحديات السياسية المحتملة التي يواجهها المشروع. فقد وسّعت الصين بالفعل نفوذها في المنطقة، وليس واضحًا أن الولايات المتحدة ستتمكّن من التصدّي له. ولكن في المدى الفوري، وبينما تواصل تل أبيب قصف غزة، ستجد الدول العربية صعوبة حتى في الجلوس إلى الطاولة مع إسرائيل، فضلا عن قيامها بالتخطيط لمشاريع الاندماج الإقليمي.

عبد المعز خان مسؤول بحثي في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في إسلام أباد. يتابع تحصيله العلمي لنيل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة القائد الأعظم، وقد نُشِرت أعماله في South China Morning Post، وThe Diplomat، وSimson Center وBASIC وسواها. لمتابعته عبر منصة “إكس”: