تتفق المواقف في كل من دمشق وبغداد على انتهاء “التحالف الرباعي” ضد داعش فعلياً، بسقوط نظام بشّار الأسد، حيث لم يعد للتحالف أي وجود فعلي على الأراضي السورية، فضلاً عن انقطاع حلقات هذا التشكيل بين دمشق من جهة وطهران وموسكو من جهة أخرى.
ولادة “التحالف الرباعي” ضد داعش
أعلنت موسكو عن “التحالف الرباعي” للمرة الأولى في نهاية سبتمبر/أيلول 2015 بين كل من روسيا والعراق وإيران، إلى جانب نظام بشّار الأسد في دمشق، لمواجهة تنظيم داعش، بعد فترة وجيزة من إعلان واشنطن عن التحالف الدولي لمواجهة التنظيم، والذي استثنى بطبيعة الحال روسيا وإيران ونظام الأسد. هذا الأمر دفع إلى اعتبار “التحالف الرباعي” موجّهاً، بالدرجة الأولى، إلى التكتل العسكري الأول الذي تزعمته الولايات المتحدة، وانخرطت فيه دول غربية وعربية عديدة، أبرزها بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا وألمانيا وهولندا والسويد والأردن والسعودية وقطر، لمواجهة “داعش”. وقد أسّس “التحالف الرباعي” مقرّات له في العواصم الأربع، على أن تكون بغداد المقرّ الرئيسي، بممثلين مُنتدبين، وهم ضباط من إيران وروسيا وجيش النظام السوري آنذاك، وضباط عراقيون، على أن تتولى دولة من الدول الأربع كل ثلاثة أشهر رئاسة هذا التحالف الذي دأب منذ العام 2015 على إصدار بياناتٍ عقب كل اجتماع لهم في بغداد أو خارجها، وتبنى عملياً عملياتٍ عدة قال إنه نفذها، لكنها انحصرت في المجمل داخل الجغرافيا السورية من دون العراقية.
وأشهر “التحالف الرباعي” ضد داعش عن نفسه بأنه قائم على مواجهة التنظيم، وتبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية، وتنفيذ (وتنسيق) الهجمات على معاقل التنظيم في العراق وسورية، وملف الحدود الدولية بين العراق وسورية البالغة أكثر من 600 كيلومتر، وانتداب مستشارين من روسيا وإيران إلى العراق وسورية، ومنحهم صفة رسمية بعنوان مستشارين عسكريين.
مسؤول عسكري عراقي: لم يعلن رسمياً عن انتهاء التحالف، كونه يعني فشلاً روسياً إيرانياً، يثبت التفوّق الأميركي الغربي
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، تلاشت الأخبار عن هذا التحالف، وتُظهر معلومات خاصة حصلت عليها “العربي الجديد” أن مقر التحالف في بناية مديرية الاستخبارات العسكرية وسط بغداد، لم يشهد أي نشاط، كما لم يصل أي مندوب روسي أو إيراني إلى مبنى المديرية. وفي السياق، أكد مسؤول عسكري عراقي في بغداد توقف أنشطة التحالف بالكامل، لكنه لا يتوقّع إعلاناً رسمياً بانتهاء التحالف الرباعي، كونه قد يعني فشلاً روسياً إيرانياً، يكون في المحصلة إثبات التفوّق الأميركي الغربي، المتمثل بالتحالف الدولي ضد “داعش” الذي تأسس بالتزامن معه التحالف الرباعي. وقال المصدر لـ”العربي الجديد”، إنه لا يعتقد بوجود رغبة روسية في إعادة تفعيل أي تعاون استخباري مع العراق ضد “داعش” حالياً، ليس بسبب تراجع قوة التنظيم وتلاشي سيطرته، إنما بسبب التغييرات الجيوسياسية في المنطقة.
واستعملت موسكو فعلياً غطاء “التحالف الرباعي” ضد داعش لرفع الحرج عن حكومة رئيس الوزراء العراقي آنذاك حيدر العبادي، في منح الطيران العسكري الروسي الإذن بالعبور من الأجواء العراقية تجاه سورية، خصوصاً بعد التوتر الروسي التركي، إثر إسقاط المقاتلات التركية مقاتلة عسكرية روسية من طراز سوخوي 24، قالت إنها دخلت أجواءها الوطنية نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2015. واعتمدت موسكو الأجواء الإيرانية ثم العراقية جسراً جوياً عسكرياً إلى دمشق، قبل أن تستخدمه إيران في قصف الأراضي السورية بالصواريخ عبر العراق أيضاً.
وباستثناء بياناته الاجتماعات الدورية، أصدر “التحالف الرباعي” ضد داعش مواقف عن تنفيذ عمليات عسكرية في حمص وتدمر وحلب ودير الزور ومناطق سورية أخرى، جميعها عبر قصف جوي، تحت طابع واحد، ضرب أهداف لـ”داعش”، غير أن البيانات هذه فضلاً عن افتقارها إلى الدقة في توصيف الأهداف التي سقط جرّاءها مدنيون سوريون، فإنها تميل إلى المبالغة أيضاً. وأعلنت غرفة التحالف الرباعي عام 2018 أنها قتلت خلال أربع سنوات “23 ألف إرهابي من داعش” بينهم 430 قيادياً” في كل من سورية والعراق، وهو ما لاقى حينها ردود فعل كثيرة مُشكّكة بتلك الأرقام.
ورداً على سؤال “العربي الجديد” بشأن مصير “التحالف الرباعي”، أجاب مسؤول سوري في وزارة الدفاع السورية في دمشق، باقتضاب، بأنه لا يعرف شيئاً عنه، و”غير مذكور أساساً في النقاشات اليومية السورية، الرسمية الأمنية والسياسية، أو اليومية عند السوريين المهتمين بالأوضاع”. وأضاف طالباً عدم ذكر هويته، كونه غير مخوّل التحدث باسم الوزارة: “النظام انتهى وانتهى معه كل ما كان يرتبط بتقويته وبقائه”.
استخدمت موسكو غطاء التحالف، لرفع الحرج عن بغداد، في منح طيرانها العسكري إذن العبور من العراق تجاه سورية
بالتتبع أكثر، ظهر أن مقر “التحالف الرباعي” ضد داعش في سورية، كان داخل قاعدة حميميم الروسية، شمال غربي سورية (في محافظة اللاذقية)، ما يعني أن أي أولويات أو معلومات لا تتوفر للحكومة السورية الجديدة بشأنها. وفي هذا الإطار، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي ياسر وتوت، لـ”العربي الجديد”، إن “التحالف الرباعي بين العراق وسورية وإيران وروسيا انتهى بعد سقوط نظام الأسد، ولهذا أصبح لدى العراق تنسيق ثنائي مع تلك الدول، ومنها سورية، فهناك تنسيقٌ أمني متواصل ما بين بغداد ودمشق، وحتى الزيارات الأمنية متواصلة ولن تنقطع لوجود مشتركات أمنية ما بين البلدين”. وبيّن وتوت أن هدف التحالف الرباعي كان التنسيق وتبادل المعلومات بالدرجة الأولى، ولهذا أصبح من الماضي، خصوصاً وأن هناك قطيعة ما بين طهران ودمشق حالياً، والعلاقات غير جيدة بالكامل بين دمشق وموسكو، و”لهذا انتهى دور التحالف وعمله بشكل كامل، والعراق يعمل على التنسيق مع دول هذا التحالف بشكل ثنائي كحال باقي دول المنطقة والعالم”.
وكان المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، قد صرح في يوليو/تموز 2023، بأن “التحالف الرباعي بين روسيا وإيران والعراق وسورية، ومقرّه في وزارة الدفاع، يعمل وفق الأسس التي تشكّل لأجلها، ومواجهة التحديات الأمنية والإرهابية التي لا تزال تمثل خطراً على العراق وسورية”، مبيناً لـ”العربي الجديد”، أن “التحديات الأمنية، قلّت أو تراجعت، إلا أن ملفات مهمة لا تزال حاضرة. التنسيق والتعاون كبيران ما بين الدول الأربع المشتركة في التحالف، ونجد أن وجوده ما يزال مهماً، لضرب ما تبقى من عناصر تنظيم داعش، وتقديم الاستشارات والمعلومات لتنفيذ المهام الأمنية الدقيقة، لا سيما وأن بعض العمليات تحتاج إلى جهود مكثفة”.
مهند سلوم: التحالف ظلّ غرفة ارتباط مؤقتة أملتها اللحظة العسكرية الأولى للتدخل الروسي في سورية
غرفة ارتباط
في هذا السياق، رأى أستاذ الدراسات الأمنية في معهد الدوحة للدراسات العليا، مهند سلوم، أن “ما يسمى التحالف الرباعي الذي أُعلنَ عن تأسيسه في بغداد بتاريخ 27 سبتمبر/أيلول 2015 ضد تنظيم داعش، لم يتحوَّل قطّ إلى تحالفٍ استخباري مؤسَّس، بل ظلّ غرفة ارتباط مؤقتة أملتها اللحظة العسكرية الأولى للحملة الروسية وتدخلها في سورية”. وأضاف أن التحالف الرباعي دخل أساساً في فترة سبات قبل سقوط النظام بفترة كبيرة، مع تراجع التهديد الجهادي. وبعد انحسار “داعش”، اتجه كلُّ طرفٍ إلى ترتيباته الثنائية، وعادت بغداد إلى التنسيق مع التحالف الدولي، بينما كرّست موسكو وطهران تنسيقاً منفصلاً ظهر جليّاً في حملتهما المشتركة لإخراج القوات الأميركية من شرق سورية خلال عام 2023”. وأوضح أنه “مع انصراف الأولويات الروسية إلى حرب أوكرانيا وبدء تقليص روسيا وجودها العسكري في سورية وسقوط الأسد وانحسار محور مليشيات إيران في المنطقة، عُدَّ التحالف الرباعي منتهياً بحلول ديسمبر 2024”.
من جهته، اعتبر الخبير المختص في الشأن العسكري والاستراتيجي العراقي، أحمد الشريفي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “التحالف الرباعي” ضد داعش تراجع حتى قبل سقوط نظام الأسد”، لافتاً إلى أن “العراق كان قد انضم إلى هذا التحالف في نوع من المجاملة مع هذه الدول التي كانت جزءاً مما يعرف بـ”المحور”، وبعد سقوط الأسد انتهى التحالف بشكل كامل ولا وجود له حالياً”. وبيّن الشريفي أن “العراق خلال السنوات الماضية لم يستفد أمنياً أو عسكرياً من التحالف الرباعي، فهذا التحالف لم يكن يقدّم أي شيء ملموس للعراق على مستوى تبادل المعلومات، فرغم وجوده، كانت عمليات التسلل من الأراضي السورية نحو العراق مستمرّة من إرهابيين أو مهرّبين أو غيرهم، فالتحالف كان شكلياً وإعلامياً أكثر مما هو حقيقي وواقعي”.
وأضاف الخبير المختص في الشأن العسكري والاستراتيجي، أن “العراق يحتاج حالياً إلى تحالف إقليمي يضم دول جواره، وخصوصاً سورية وتركيا، من أجل مواجهة أي تحدّيات أمنية، وهناك نية لهذه الدول، ومنها الأردن، لتفعيل دور تحالفٍ إقليمي كهذا في ظلّ التطورات الأمنية والعسكرية أخيراً في المنطقة من تحركات الكيان الصهيوني، وكذلك زيادة أنشطة تنظيم داعش في بعض المناطق السورية”.