أما وقد هدأت العاصفة، فقد صار لزاماً علينا أن نقارب بحكمة وهدوء ما تعرّض له رئيس حكومة لبنان من تصويب ممنهج واعتداء موصوف، وأن نقول بحسم وحزم ما يلزم أن يُقال، دون تحامل أو انحياز أو تجريح.
نوّاف سلام ليس غصناً مقطوعاً من شجرة. صحيحٌ أنّه دخل السراي من خارج السياقات التقليدية أو وصاية الهيئة التأسيسيّة لنادي رؤساء الحكومات. لكنّه دخلها دخول الفاتحين بعد سنوات عجاف، استمرّت من آخر حكومات فؤاد السنيورة بعد اتّفاق الدوحة المشؤوم، حتّى آخر حكومات نجيب ميقاتي، ذاك الرجل الذي ظنّ لبرهة أنّه واحد لا شريك له.
بينهما تعرّفنا إلى نسخات متعدّدة ومتنوّعة من سعد الحريري، منذ يده الممدودة نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتصار الكبير في انتخابات عام 2009، مروراً بالتصريح التاريخي الذي قد ينفع لإنتاج مشهد دراميّ عند عتبة المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان، وصولاً إلى الشرطيّ الدرّاج الذي حمل تشكيلة وزارية من قصر بعبدا إلى بيت الوسط. في إهانة لا توازيها إهانة.
نوّاف سلام ليس غصناً مقطوعاً من شجرة. صحيحٌ أنّه دخل السراي من خارج السياقات التقليدية أو وصاية الهيئة التأسيسيّة لنادي رؤساء الحكومات. لكنّه دخلها دخول الفاتحين بعد سنوات عجاف
غيضٌ من فيض
تعرّفنا أيضاً إلى المكلّل بذاته حسّان دياب. وقد بلغنا يومذاك أنّه سعى إلى وظيفة من أمير قطر. ثمّ أرسل له سيرته الذاتية. قبل أن يعود ويقفز من سفينة الدولة بينما تلفظ آخر أنفاسها، كواحدة من أبشع تجارب التكنوقراط التي اتّخذها ميشال عون و”الحزب” مطيّة لتطويع كلّ شيء. وتحويلها إلى موبقات من طراز الوزير شربل وهبة الذي استفاق على شتيمة البدو وهو غارق في العتمة والعبث والنفايات، وبعده الوزير المفوّه جورج قرداحي، الذي شاء أن يرى العبث في اليمن، لكنّه غضّ الطرف عن عذابات سوريا اللصيقة، بل وقال في أحد أبدع تجليّاته إنّ بشار الأسد هو رجل ذاك العام بلا منازع.
هذا غيض من فيض ما خبرناه وعرفناه على مدى عقد ونيّف. كان ثمّة من حاول أن يرتق ما لا يُمكن رتقه. وثمّة آخرون انجرفوا في لعبة الهشاشة والتسطيح والتصحّر ولدغ الذات، حتى خرجنا من المولد بلا حمّص، بعدما استحالت البلاد من منارة الشرق وشرفته، إلى مستنقع يعجّ بكلّ ما لفظته الأمم التي سلكت درب طريقها نحو التقدّم ونحو المستقبل المستدام.
يأتي نوّاف سلام فوق هذا الجبل من الجثث ومن الركام. يأتي من أرفع محكمة في أربع جهات الأرض. وفي يمينه مكتبة بحجم البلد وأهله وناسه. وبحجم بيروت أمّ الشرائع وموئل الإبداع وقبس النور وفيض الحرّيات. يأتي ليرفع مؤشّر الجودة بعدما ساوى الأرض. بل لامس قعراً ليس له قرار.
واهمٌ ومشتبه
أمثال هؤلاء تزحف نحوهم الأوطان حين يمسّها بأس عظيم. وقد زحفت. لا تلبيةً لزعامته أو شعبويّته، بل انتصاراً لذاتها بوجه كلّ أولئك الذين سحلوها وأطفؤوها وأصابوا شرفها وسمعتها وكرامتها. أمثال هؤلاء هم البقيّة الباقية من لبناننا الذي تعثّر ثمّ هوى. وقد أُريد له أن يصير أثراً بعد عين.
إقرأ أيضاً: وسام سعادة ونوّاف سلام: “الحزب” يمحو صورة “العميل الشّيعيّ”
ماذا فعل نوّاف سلام حتّى يُرسلوا له صِبيتهم لينعتوه بالصهيونيّ؟ ماذا قال بخلاف ما ورد على لسان رئيس الجمهورية في خطاب قسمه؟ ماذا قال بخلاف ما ورد في بيانه الوزاريّ؟ لماذا هذه الحملة الشعواء على نوّاف سلام؟ هل لأنّه الحلقة الأضعف؟ أم لأنّه الحلقة الأقوى؟
بكلّ حال. وليسمع من يريد أن يسمع. نوّاف سلام ليس صهيونيّاً. وحَيطو مش واطي. ومن كان يظنّ أنّه قادر على قدحه وذمّه وتطويقه استناداً إلى ارتباك بيئته فهو واهم ومشتبه. ومن شاء أن يُجرّب فليفعل. ولينتظر بعدها ما يسرّ الناظرين.