بئس الخاتمة وبئس المآل، عندما يتقدّم “أبو بكر” المستقبلين لوزير خارجية إيران عباس عراقتشي. ويقف إلى جانبه “أبو هادي” حليف موفّق طريف صديق نتنياهو الخاصّ، الداعي أخيراً إلى التطبيع والسلام مع إسرائيل، وبينهما شيخ يتيم ابن شيخ راحل لطالما ارتبط بقوم إيران وأذرعها.
صورة معبّرة لما انتهت إليه إيران ومحورها في لبنان والمنطقة من ضعف وهوان وفقر حال. مثيراً للشفقة كان وزير الخارجية الإيراني وهو يهبط أرض مطار رفيق الحريري الدولي. كانت عيناه تبحث عن الأصدقاء والحلفاء وعن الطوابير التي كانت تقف بانتظاره هو وإخوانه عند كلّ زيارة أو محطّة أو احتفال في الأيّام الخوالي والليالي الملاح.
بعيداً عن الشكل وما حمل من صور ومشاهد دراميّة، شكّلت زيارة عراقتشي لبيروت تحوّلاً في مضمون العلاقة بين لبنان وإيران
الصّداقات الأفقيّة
لم تؤسّس إيران خلال كلّ تلك الأعوام السابقة صداقات متينة في المجتمع اللبناني. أصرّت عبر كلّ المراحل على بناء علاقاتها وفقاً للمنطق الأفقي حيث الطريق ليست فيها مفارق ولا انعطافات وتتّجه فقط مباشرة من مطار بيروت إلى حارة حريك، وأهملت بناء صداقات وفقاً للمنطق الأفقي، أي مع القوى الحقيقية في المجتمع اللبناني وطوائفه ومذاهبه وتيّاراته السياسية. اكتفت بترسيخ العلاقة مع عمق الوجدان الشيعي الذي اختصرته بالراحل السيّد حسن نصرالله. أمّا عند باقي الطوائف والمِلل والأحزاب عملت على إعادة تدوير الناس. استقبلت المبعدين والمهملين في طوائفهم، أو كما تقول السيّدة فيروز في أغنيتها الشهيرة “قصقص ورق ساويهم ناس”. واستمالت الباحثين والحالمين بمناصب مفقودة. بين هذين النوعين، لم يجد عراقتشي في مطار بيروت غير “أبي بكر” و”أبي هادي”.
ربّما من أجمل اللقطات المعبّرة أنّ أحد المشاركين في توقيع كتاب عراقتشي في فندق “كورال بيتش” قال لصديقه ممازحاً بعد نهاية الحفل: “ذهبنا على أمل الحصول على هدية “حرزانة”، فإذا بنا نخرج بخسارة 20 دولاراً بين ثمن الكتاب وبدل موقف السيّارة”.
زيارة عراقتشي في المضمون
بعيداً عن الشكل وما حمل من صور ومشاهد دراميّة، شكّلت زيارة عراقتشي لبيروت تحوّلاً في مضمون العلاقة بين لبنان وإيران.
حسناً فعل عراقتشي عندما قال إنّ “إيران تريد فتح صفحة جديدة في العلاقات مع لبنان على أساس الاحترام المتبادل، ونحن نحترم شؤونه الداخلية ولا نتدخّل فيها”. في تصريحه أمران بارزان:
إقرار إيراني بأنّ الصفحة القديمة في العلاقات مع لبنان لم تكن قائمة على أساس الاحترام المتبادل، ولا على مبدأ احترام السيادة وعدم التدخّل بالشؤون الداخليّة.
إرادة إيران أن تعيد التموضع في لبنان، بعد تداعيات طوفان الأقصى والزلزال السوري الكبير. وباتت إيران مستعدّة للتخلّي عن وهم السيطرة على لبنان دولةً وأرضاً تحت شعار “ما لا يُدرك كلّه لا يُترك جلّه”.
أضاعت إيران البوصلة فباتت مستعدّة لكلّ شيء وأيّ شيء كاستقبال وئام وهّاب الداعي إسرائيل إلى استعمال طائراتها الحربيّة لضرب دمشق
الزّلزال السّوريّ والجنون الإيرانيّ
أفقد الزلزال السوري ووصول أحمد الشرع إلى قصر المهاجرين إيرانَ صوابها وحكمتها ودهاءها السياسي والدبلوماسي. لقد أصاب ذاك الطفل في حمص عندما وقف منشداً على المذياع: “يا إيران جنّي جنّي بده يحكمنا سنّي…”.
على خلفيّة كلّ ذلك يبقى السؤال: أحقّاً اتّعظت إيران وتريد بناء علاقات دولة لدولة مع لبنان؟ ما قاله عراقتشي في مطار بيروت الذي يحمل اسم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكم للشهيد وناسه ووطنه من ثارات عند طهران، يختلف عن الكلام الذي قاله عراقتشي عند ضريح حسن نصرالله. لكن دعونا نحسن النيّة، ليس ثقةً بنظام طهران، بل ثقةً بما نعرف من أنّ طهران مع الأميركي قرّرت التسليم أو الاستسلام رغم كل الكلام المعاكس.