ملخص
المعلومات التي حصلت عليها “اندبندنت عربية”، تزامنت مع ما أعلنته شبكة “فوكس نيوز” من “سحب القوات الأميركية لما يقارب ربع قواتها الموجودة في سوريا خلال الأسابيع الماضية”، ونقلت الشبكة عن مسؤولين أميركيين أن “نحو 500 جندي أميركي انسحبوا من سوريا خلال أسابيع، وجرى إغلاق قاعدتين عسكريتين في محافظة دير الزور، وتسليم قاعدة ثالثة لقوات سوريا الديمقراطية”.
تمر السياسة الأميركية في سوريا بمرحلة تحول جذري، من حال انتشار عسكري غير شرعي من منظور القانون السوري، إلى تفاهم سياسي – عسكري جديد مع الحكومة الجديدة في دمشق، وتؤكد المعلومات المتقاطعة التي حصلت عليها “اندبندنت عربية” من مصادر سورية وأميركية، أن المستقبل القريب سيشهد ترسيماً جديداً للوجود الأميركي في سوريا، يستند إلى اتفاق رسمي بين الطرفين، وتخل تدريجي عن مناطق النفوذ السابقة في الشمال الشرقي، في مقابل شراكة استراتيجية محدودة جغرافياً وموسعة سياسياً واقتصادياً.
اتفاق وشيك بين دمشق وواشنطن
أفاد مصدر أمني سوري، في تصريحات خاصة لـ”اندبندنت عربية”، بأن وفداً عسكرياً أميركياً رفيع المستوى سيزور دمشق خلال الأيام القليلة المقبلة، وسيوقع مع سوريا اتفاقاً في شأن القواعد العسكرية الأميركية في البلاد، ليكون الوجود الأميركي في سوريا بذلك شرعياً بموافقة من الحكومة السورية.
وبحسب المصدر فإن “القوات الأميركية ستخلي جميع قواعدها في شمال شرقي سوريا، ولن يكون هناك في المستقبل أي وجود عسكري أميركي في دير الزور أو الرقة أو الحسكة، لكن ستكون هناك قاعدة كبيرة، وهي قاعدة التنف عند المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق”.
ويرى المصدر أن “الاتفاق إن جرى سيكون الأول من نوعه خلال العقود الماضية، بما يشكل تحولاً جديداً في العلاقات السورية – الأميركية بعد لقاء الرئيسين دونالد ترمب وأحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض”.
المعلومات التي حصلت عليها “اندبندنت عربية”، تزامنت مع ما أعلنته شبكة “فوكس نيوز” من “سحب القوات الأميركية لما يقارب ربع قواتها الموجودة في سوريا خلال الأسابيع الماضية”، ونقلت الشبكة عن مسؤولين أميركيين أن “نحو 500 جندي أميركي انسحبوا من سوريا خلال أسابيع، وجرى إغلاق قاعدتين عسكريتين في محافظة دير الزور، وتسليم قاعدة ثالثة لقوات سوريا الديمقراطية”.
الكونغرس: سوريا شريك محتمل
العضو الجمهوري في الكونغرس الأميركي مارلين ستوتزمان يقول لـ”اندبندنت عربية” إن “الولايات المتحدة تعمل بالفعل على تقليص عدد قواتها الموجودة في سوريا، فبعد نجاح التحالف الدولي في مهمته بمحاربة تنظيم ’داعش‘، يمكن الآن سحب جزء كبير من القوات الأميركية من سوريا، أما الحكومة السورية الجديدة فنحن نعتقد أنها من الممكن أن تكون صديقة لحكومة الولايات المتحدة، أنا زرت سوريا قبل أسابيع، ومهمتي هي نقل ما رأيته في سوريا إلى مواطني الولايات المتحدة”.
ويضيف ستوتزمان أن “الرئيس ترمب التقى بالرئيس الشرع، وأعلن رفع العقوبات عن سوريا، وهذه فرصة حقيقية لإعادة بناء البلاد بعد عقود من الديكتاتورية، ونحن نقدم كل الدعم للحكومة السورية الجديدة وللشعب السوري، ونعمل في الكونغرس حالياً على إلغاء قانون قيصر بصورة رسمية”.
الخارجية: الانسحاب ليس شاملاً
من جانبه قال المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية مايكل ميتشل، في تصريحات لـ”اندبندنت عربية”، إن “الولايات المتحدة تريد أن تبدأ عصراً جديداً في العلاقات مع سوريا، هذا العصر سيكون مبنياً بصورة أساس على التعاون بين البلدين والشراكة بينهما، أما في ما يتعلق بالانسحاب من سوريا فإن الانسحاب الجزئي بدأ بالفعل، لكن الحديث عن انسحاب كامل سابق لآوانه، الجيش الأميركي حقق إنجازات كبيرة جداً في سوريا في مجال مكافحة الإرهاب، لكن الجهات التي تريد انجرار سوريا نحو الفوضى والطائفية لا تزال موجودة، ولدى واشنطن قلق من إمكان عودة تنظيم ’داعش‘، لهذا لن يكون هناك انسحاب كامل في الوقت الحالي”.
إذاً للمرة الأولى تستعد واشنطن ودمشق لتوقيع اتفاق رسمي ينظم الوجود العسكري الأميركي على الأرض السورية، ويمنحه شرعية قانونية من الحكومة السورية الجديدة، أما بقاء القوات الأميركية في قاعدة التنف فهو، بحسب محللين، يعود لسببين رئيسين: الأول مواصلة مهمة محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، والثاني مراقبة حركة الميليشيات الموالية لإيران، ولقطع خط الإمداد البري الذي قد تستخدمه طهران لتهريب الأسلحة إلى الجماعات الموالية لها، أو التي قد تهدد إسرائيل، وهذا الاتفاق – إن جرى فعلاً – لا يمثل فقط ترتيباً عسكرياً، بل يعد تحولاً جذرياً في فلسفة الوجود الأميركي في سوريا من الردع العسكري إلى الشراكة الأمنية والسياسية والاقتصادية.
أدوات جديدة وأهداف مختلفة
من جانب آخر يرى مراقبون أن قرار واشنطن خفض قواتها في سوريا يعود لثلاثة عوامل رئيسة: أولها نجاح المهمات الأساسية للقوات الأميركية، فبحسب ما قاله العضو الجمهوري في الكونغرس مارلين ستوتزمان، فإن مهمة محاربة “داعش” وصلت إلى خواتيمها، بالتالي لم يعد من الضروري استمرار الحجم نفسه من القوات. أما السبب الثاني فهو التحول الاستراتيجي في أولويات البنتاغون، إذ إن سياسة إدارة ترمب تهدف إلى خفض الكلفة العسكرية، وإعادة توزيع الموارد.
السبب الثالث، بحسب المراقبين، هو سقوط نظام الأسد وقيام حكومة جديدة متصالحة مع الغرب، ومنفتحة على الولايات المتحدة وغير حليفة لإيران، ويمكن إجراء حوار مباشر معها والتعاون في ملفات متعددة منها مكافحة الإرهاب، لذلك قد تتحول العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة إلى شراكة دائمة، مما قد يفتح المجال أمام استثمارات أميركية مباشرة في قطاعات حيوية في سوريا مثل قطاع الطاقة، لكن التأثير الأكبر في الصعيد الميداني للانسحاب الأميركي من سوريا والتقارب بين دمشق وواشنطن ينعكس بصورة مباشرة على ملف شمال شرقي سوريا، إذ إن التطورات المتسارعة التي تجري ستعيد تعريف العلاقة مع “قسد”، بحيث لا تبقى قوة منفصلة وإنما تندمج ضمن البنية العسكرية الوطنية السورية، وفق ما أشار إليه المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك في تصريحات سابقة.
بالنتيجة بينما كانت سوريا لعقود ساحة لصراعات النفوذ الدولية ومرآة للخصومة الأميركية – السورية، تبدو المرحلة الراهنة حبلى بتحولات غير مسبوقة، يخط فيها الطرفان فصلاً جديداً في تاريخ علاقتهما، فالاتفاق المزمع توقيعه بين واشنطن ودمشق لا يعيد فقط رسم خريطة الانتشار العسكري الأميركي، بل يعكس تغيراً عميقاً في منظور الطرفين لبعضهما بعضاً، من عدوين على طرفي نقيض إلى شريكين محتملين في الاستقرار ومحاربة الإرهاب وإعادة البناء، وعلى رغم أن مشهد الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سوريا يشي بنهاية مرحلة، فإن بقاء قاعدة التنف يشير إلى استمرار الحضور الأميركي ولكن بأدوات جديدة وأهداف مختلفة.