يبدو أن الآمال المتبقية للرئيس الأميركي دونالد ترمب في إنهاء حرب أوكرانيا في أقرب وقت، قد تبددت عقب مكالمته الهاتفية الأخيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
قبل الإعلان عن مضمون الاتصال، وعلى الرغم من احتدام المعارك على مختلف الجبهات، كانت التوقعات تتزايد في واشنطن بإمكانية حدوث انفراجة في جهود إدارة ترمب لإنهاء النزاع، لا سيما بعد استئناف محادثات السلام في إسطنبول في مطلع هذا الأسبوع.
وعلى الرغم من انخفاض سقف التوقعات قبيل انطلاق المحادثات، نظرا للخلافات الجوهرية المستمرة بين الجانبين بشأن سبل إنهاء الحرب التي بدأت مع الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، فإن مجرد استمرار اللقاءات المباشرة بين الوفدين منح بصيصا من الأمل. وأكد المفاوضون الأوكرانيون أن روسيا رفضت مجددا مطلب وقف إطلاق النار غير المشروط، وهو مطلب أساسي لأوكرانيا وحلفائها الأوروبيين والأميركيين.
ورغم أن الجولة الأخيرة من المحادثات في تركيا لم تفضِ إلى أي تقدم ملموس، فإن تقارير أفادت بالتوصل إلى اتفاق مبدئي بشأن تبادل للأسرى بين الطرفين.
وأفادت مصادر مطلعة على مجريات المحادثات، التي استغرقت نحو ساعة، أن الجانبين اتفقا على إعادة جثامين 12 ألف جندي، إلى جانب تبادل جميع أسرى الحرب الذين يعانون من أمراض خطيرة أو إصابات بالغة، وكذلك من تقل أعمارهم عن خمسة وعشرين عاما.
كما ذكر الوفد الروسي أنه طرح مقترحا لهدنة قصيرة تمتد ليومين أو ثلاثة، في “مناطق محددة” على امتداد الجبهة، من دون الكشف عن أي تفاصيل إضافية.
غير أن المساعي الرامية إلى مناقشة القضايا الجوهرية، وعلى رأسها مطالبة كييف بوقف غير مشروط لإطلاق النار واستمرار سيطرة روسيا على نحو عشرين في المئة من الأراضي الأوكرانية، تعثرت بفعل توقيت الاجتماع، الذي جاء مباشرة عقب واحدة من أجرأ الهجمات الأوكرانية ضد روسيا.
فقد أعلنت كييف أن قواتها نفذت، يوم الأحد، أكبر هجوم بعيد المدى منذ اندلاع الحرب، مستخدمة طائرات مسيّرة جرى تهريبها لاستهداف نحو أربعين طائرة حربية روسية موزعة على أربع قواعد عسكرية.
مع استمرار القتال على جبهات متعددة داخل أوكرانيا، بات من الواضح أن تعقيدات النزاع حالت دون تحقيق أي تقدم يُذكر في الجولة الأخيرة من المحادثات في إسطنبول
وأوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن العملية، التي أطلق عليها جهاز الأمن الأوكراني (إس بي يو) الاسم الرمزي “شبكة العنكبوت”، اعتمدت على 117 طائرة مسيّرة، وأصابت “34 في المئة من حاملات الصواريخ المجنحة الاستراتيجية” التابعة لروسيا. ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن مصادر في جهاز الأمن الأوكراني أن التخطيط لهذه الهجمات استغرق 18 شهرا، واستهدف عددا من أكثر الطائرات الحربية الروسية تطورا.
من جهتها، أقرت موسكو بتعرض خمس مناطق لهجمات أوكرانية، ووصفت تلك الضربات بأنها “عمل إرهابي”. وذكر أندري كوفالينكو، رئيس مركز مكافحة المعلومات المضللة في الحكومة الأوكرانية، أن الهجمات أدت إلى تدمير ما لا يقل عن 13 طائرة روسية، وإلحاق الضرر بطائرات أخرى.
كما كشفت مصادر في جهاز الأمن الأوكراني أن العملية، التي وُصفت بالمعقدة، اعتمدت على طائرات مسيّرة مخفية داخل كبائن خشبية متنقلة مزودة بأسقف تُفتح عن بُعد، وُضعت بالقرب من القواعد الجوية، ثم جرى إطلاقها “في اللحظة المناسبة”.
وفي سلسلة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي مساء الأحد، وجّه زيلينسكي تحية إلى رئيس جهاز الأمن الأوكراني فاسيل ماليوك، مشيدا بما وصفه بـ”النتيجة الرائعة للغاية” للعملية.
في المقابل، أفادت السلطات الأوكرانية بأن البلاد تعرضت لسلسلة من الهجمات الجوية المكثفة بالطائرات المسيّرة والصواريخ خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأسفرت إحدى الضربات التي وقعت في خاركيف، فجر الاثنين، عن إصابة ستة أشخاص على الأقل، بينهم طفل يبلغ من العمر سبع سنوات، وفقا لما أعلنه حاكم المنطقة.
ومع استمرار القتال على جبهات متعددة داخل أوكرانيا، بات من الواضح أن تعقيدات النزاع حالت دون تحقيق أي تقدم يُذكر في الجولة الأخيرة من المحادثات في إسطنبول.
وكما أقر ترمب في أعقاب مكالمته الهاتفية الأخيرة مع بوتين، فإن اشتداد المعارك على الأرض يُرجّح أن يُبدد، في الوقت الراهن، آماله بإنهاء النزاع.
وأفادت تقارير أميركية نُشرت عقب المكالمة بأن الرئيس الروسي شدد على أنه لا يملك خيارا سوى الرد على الهجوم الأوكراني الواسع بالطائرات المسيّرة الذي استهدف قواعد جوية روسية، ما يجعل احتمالات التوصل إلى وقف قريب لإطلاق النار ضعيفة للغاية.
وفي تصريح له بعد المكالمة التي استمرت لأكثر من ساعة، قال ترمب: “أكد الرئيس بوتين، بنبرة حازمة، أنه مضطر للرد على الهجوم الأخير الذي طال القواعد الجوية”.
ورغم امتناع المسؤولين الروس عن تقديم أي تفاصيل بشأن الرد المحتمل، ألمح الكرملين إلى أن الخيارات العسكرية “لا تزال مطروحة على الطاولة”.
وفي منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حذّر ترمب من أن المكالمة “لن تُسفر عن سلام فوري” بين روسيا وأوكرانيا.
وأفاد يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، بأن ترمب أبلغ بوتين خلال المكالمة أن الولايات المتحدة لم تكن على علم مسبق بالهجوم.
من جانبها، ذكرت وكالة “ريا نوفوستي” الرسمية أن بوتين اتهم أوكرانيا بمحاولة “إفشال” المفاوضات، وصرّح بأن حكومة كييف “تحولت عمليا إلى منظمة إرهابية”. كما تبادل الجانبان “وجهات النظر بشأن آفاق استعادة التعاون بين البلدين، والذي ينطوي على إمكانات هائلة”.
ويُقوّض تعثر المحادثات بين المسؤولين الروس والأوكرانيين موقف ترمب، لا سيما بعد تلويحه مؤخرا باستعداده لفرض حزمة جديدة من العقوبات على روسيا في حال رفض بوتين الموافقة على وقف لإطلاق النار.
ويُقال إن مسؤولين أميركيين يدرسون بجدية فرض عقوبات ثانوية على دول مثل الهند والصين، التي تواصل علاقاتها التجارية مع روسيا، في خطوة من شأنها أن تُفاقم الضغوط الاقتصادية على موسكو.
غير أن مسؤولية أوكرانيا عن التصعيد الأخير- وليس روسيا- قد تدفع ترمب، المعروف بتقديره لعلاقته الشخصية مع بوتين، إلى إعادة تقييم موقفه والتركيز بدلا من ذلك على معاقبة كييف.
+ / –
font change
حفظ
شارك
استمع
07:46