Skip to content

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • التصعيد الإسرائيلي الخطر في غزة السياسة والأيديولوجيا تهمشان الأمن القومي وتفضيان إلى حرب أبدية المصدر :أساف أوريون….اندبندنت عربية
  • مقالات رأي

التصعيد الإسرائيلي الخطر في غزة السياسة والأيديولوجيا تهمشان الأمن القومي وتفضيان إلى حرب أبدية المصدر :أساف أوريون….اندبندنت عربية

khalil المحرر يونيو 8, 2025

 

ملخص
تغليب الحكومة الإسرائيلية أهدافاً أيديولوجية وسياسية على الاعتبارات الأمنية والعسكرية في حربها المستمرة على غزة، مع غياب رؤية واضحة لنهاية الصراع، يضع إسرائيل في مأزق سياسي وأخلاقي غير مسبوق، ويهدد بتحول الحرب إلى مستنقع دائم يفاقم الخسائر ويقوض أمنها القومي.

على مدى الأسابيع القليلة الماضية، وصلت الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ 20 شهراً في قطاع غزة إلى نقطة مفصلية أخرى. ففي الـ18 من مارس (آذار) الماضي، استأنف جيش الدفاع الإسرائيلي هجومه، بأهداف جديدة طموحة، شملت استهداف البيروقراطية المدنية المتبقية التابعة لـ”حماس” إلى جانب مقاتليها، وزيادة الضغط على الحركة من خلال وقف دخول المساعدات الإنسانية، التي استخدمتها “حماس” كسلاح للسيطرة على سكان غزة وإعادة بناء قوتها العسكرية. ثم، في الرابع من مايو (أيار) الماضي، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على خطة أوسع نطاقاً، أطلق عليها اسم عملية “عربات جدعون”، وهي لا تهدف إلى الهزيمة الكاملة لـ”حماس” فحسب، بل أيضاً إلى السيطرة الكاملة والدائمة على القطاع، مما قد يشكل احتلالاً عسكرياً غير محدد المدة.

وعلى رغم أن هذه العملية الأخيرة لا تزال في بداياتها، فإنها سلطت الضوء بالفعل على أخطار التوسع المستمر للحرب. فمن بين 255 رهينة اختطفتهم “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، هناك 58 رهينة ما زالوا محتجزين، ويعتقد أن 20 منهم على قيد الحياة. ومع ذلك حتى أوائل يونيو (حزيران) الجاري، وعلى رغم الجهود الأميركية الحثيثة للتوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، لا يزال من المشكوك فيه ما إذا كانت المفاوضات ستنجح في تأمين الإفراج عن الرهائن المتبقين، ناهيك بإنهاء الحرب نفسها. في غضون ذلك، فرضت العملية العسكرية ضغوطاً غير مسبوقة على إسرائيل من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية. ففي الداخل، تواجه دولة إسرائيل تحديات تهدد القوى البشرية والموارد، وعلى الصعيد الدولي، تواجه انتقادات وإدانات متزايدة، بما في ذلك من حلفائها المقربين.

ومن منظور استراتيجي، تكمن المشكلة الكبرى بالنسبة إلى إسرائيل في التباين المتنامي بين أهدافها الأمنية الأساسية في الحرب، والخطط المتغيرة التي تضعها الحكومة من أجل تحقيق هذه الأهداف. ففي صميم الأهداف المعلنة للحرب، يأتي القضاء على تهديد “حماس” وضمان إطلاق سراح الرهائن. إلا أن الحملة العسكرية المطولة باتت تدور على نحو متزايد حول الأهداف الأيديولوجية للأحزاب اليمينية المتطرفة داخل الحكومة، وهي تشمل احتلالاً إسرائيلياً دائماً، وإعادة بناء المستوطنات اليهودية، وبسط السيادة الإسرائيلية الكاملة على غزة.

 

إسرائيل والحرب الطويلة القادمة
ومع استمرار الحملة، أثرت هذه الأهداف غير الرسمية بصورة متزايدة في استراتيجية الحكومة. فاتخاذ القرارات في الحرب دائماً ما يجسد خلاصة الضغوط التي يتعرض لها القادة في زمن الحرب، وقد بات واضحاً الآن أن عملية صنع القرار في شأن حملة غزة لا تتشكل من خلال الاعتبارات العسكرية والاستراتيجية فحسب، بل هي محكومة أيضاً بدوافع أيديولوجية، ومكاسب سياسية، وحسابات تتعلق بالبقاء السياسي الشخصي. وبينما تتوسع الحملة إلى ما هو أبعد من نطاقها الأصلي بكثير، قد تنتهي أطول حرب في التاريخ الإسرائيلي بإلحاق ضرر بالأمن القومي الإسرائيلي بدلاً من إعادة بنائه.

الأمن بالدفاع أم بالغزو؟

منذ بداية الحملة في غزة تقريباً، ظهر تعارض بين الأهداف الاستراتيجية الأساسية لإسرائيل من جهة وطموحات اليمين السياسي المتطرفة من جهة أخرى. على مستوى جوهري، تمثلت الأهداف الاستراتيجية في إزالة التهديد الإرهابي القادم من غزة على المدى الطويل، وذلك من خلال تدمير القدرات العسكرية لـ”حماس” وإنشاء مناطق عازلة داخل القطاع وحوله، وتهيئة الظروف اللازمة لضمان عودة جميع الرهائن. وعليه، صاغت المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية مفهوماً للحرب يميز بين الإرهابيين والسكان المدنيين في غزة، ويسعى إلى إلحاق ضرر كبير بـ”حماس”، حتى وإن لم يتم القضاء على كل مقاتل فيها. وساد الاعتقاد أنه بنهاية الحملة، سيكون جيش “حماس” الإرهابي قد هزم وبنيته التحتية العسكرية قد تفككت. وعندئذ، يمكن للقوات الإسرائيلية أن تبقى في الغالب خارج غزة، وتتصدى لأي تهديدات جديدة من خلال عمليات مكافحة الإرهاب المستمرة، متبعة جزئياً مفهوم الأمن المطبق في الضفة الغربية.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، خططت القيادة العسكرية الإسرائيلية لحملة على مراحل. أولاً، وبعد ضربات جوية كثيفة، يشن جيش الدفاع الإسرائيلي هجوماً برياً واسع النطاق يستهدف قوات العدو في مناطق محددة، ويفكك ألوية وكتائب “حماس” فيها، ثم ينتقل إلى المناطق التالية. وكان من المخطط أن تنفذ القوات الإسرائيلية عمليات مداهمة متكررة في أي مناطق قد يستعيد فيها العدو قوته ونشاطه، وأن تنشئ مناطق عازلة تحمي المجتمعات الإسرائيلية الحدودية من أي تهديدات جديدة محتملة قادمة من غزة. وفي سبيل ضمان استدامة الإنجازات العسكرية على المدى الطويل ومنع سقوط المناطق المؤمنة في أيدي “حماس” مجدداً أو الانزلاق إلى الفوضى أو التمرد، افترضت الخطة أن يظهر بديل لحكم “حماس” في المناطق التي منيت فيها الحركة بالهزيمة.

لكن، ومنذ البداية، كانت خطة المؤسسة الدفاعية تتنافس مع رؤية مختلفة تروج لها الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تتمتع بنفوذ في الحكومة. فوفقاً لرؤيتهم، تعد غزة جزءاً من أرض إسرائيل التي تملك الدولة حقاً طبيعياً فيها، وتشكل التنظيمات الإرهابية في القطاع وسكانه المدنيون جزءاً من التهديد الذي يجب إزالته، حتى لو تطلب ذلك التضحية بالرهائن المتبقين. علاوة على ذلك، ترفض هذه الأحزاب اليمينية بشدة إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين ذوي القيمة العالية من السجون الإسرائيلية كجزء من أي صفقات لتبادل الرهائن، نظراً إلى أن كثيراً من هؤلاء الأسرى المحررين عادوا إلى ممارسة الإرهاب الفتاك بعد الإفراج عنهم، بمن فيهم يحيى السنوار، زعيم “حماس” الذي يعد العقل المدبر لهجوم السابع من أكتوبر. ويزعمون أن إنقاذ الرهائن ينبغي ألا يأتي على حساب تعريض حياة مدنيين آخرين للخطر في المستقبل على يد الإرهابيين الذين سيُفرج عنهم في المقابل.

وأمام هاتين الرؤيتين المتناقضتين، امتنع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن التزام نهاية واضحة ومحددة للحرب. ففي مقال له نشر في صحيفة “وول ستريت جورنال” في ديسمبر (كانون الأول) 2023، على سبيل المثال، وصف النهاية المنشودة بأنها تتمثل في تدمير “حماس”، وتجريد غزة من السلاح، ونزع التطرف من المجتمع الفلسطيني. لكن، في الوقت ذاته، كانت الحكومة الإسرائيلية تدرس خيار طرد الإرهابيين من غزة، وتحاول إقناع مصر ودول أخرى بقبول مهاجرين طوعيين من القطاع. وعلى رغم أن نتنياهو اعتبر أن مقترح إعادة التوطين هذا غير واقعي، واستبعد علناً فرض إدارة عسكرية إسرائيلية على غزة، فإنه أبقى هذه الخيارات مفتوحة وتجنب اتخاذ أي قرار في شأن حكم فلسطيني بديل للقطاع.

معضلة الرهائن

في مرحلتها الأولى، عززت الحملة الإسرائيلية في غزة تحولاً تدريجاً في أهداف الحرب بعيداً من أهدافها الأصلية. بعد إطلاق حملته البرية الواسعة النطاق في الـ27 من أكتوبر 2023، تقدم جيش الدفاع الإسرائيلي وفق الخطة الموضوعة، مهاجماً منطقة تلو الأخرى بهدف تركيز الجهود، وتقليل الخسائر، وإتاحة الفرصة للسكان المدنيين لمغادرة مناطق الخطر.

لكن مع استمرار الحرب، واجهت الحملة تحديات عدة من جانب العدو. فقد استغلت “حماس” بصورة استراتيجية ساحة المعركة الحضرية المكتظة بالسكان التي أعدتها مسبقاً بعناية، بما في ذلك مئات الأميال من الأنفاق التي بنتها تحت الأرض. كذلك استخدمت المدنيين في غزة بشكل منهجي كدروع بشرية، وحولت المستشفيات والمدارس ومواقع تابعة للأمم المتحدة إلى ملاذات عسكرية. ولأغراض لوجيستية، حولت المساعدات الإنسانية إلى سلاح من أجل الحفاظ على سيطرتها على السكان، وتمويل جهودها العسكرية واستعادة نشاطها وقوتها، وتعويض النقص في صفوفها المتضائلة من خلال تجنيد عناصر جدد. أما من الناحية التكتيكية، فقد اختارت “حماس” أسلوب حرب العصابات بدلاً من المواجهات المباشرة، فتجنبت الاشتباك مع القوات الإسرائيلية أثناء تقدمها في بعض المناطق، ثم عادت فور انسحاب هذه القوات.

على الجانب الإسرائيلي، برزت مشكلة أخرى تتمثل في تمهيد الطريق لهيكل حكم بديل في غزة، “لا ’حماس‘ ولا الجيش الإسرائيلي”، على حد تعبير وزير الدفاع حينذاك، يوآف غالانت. لكن نتنياهو تجنب بحذر الموافقة على أي خطط من هذا القبيل، إضافة إلى ذلك رفض خيار تسليم الحكم للسلطة الفلسطينية، وهو ما أدى إلى استبعاد الدول العربية التي كانت موافقتها على إعادة إعمار غزة مشروطة بمشاركة السلطة الفلسطينية. وفي ظل غياب أي بديل محلي للحكم في المناطق التي قضي على حركة “حماس” فيها أو طردت منها، أعادت الحركة تجميع صفوفها تدريجاً واستعادت السيطرة، مستمرة في استخدام المدنيين كدروع بشرية، والتحكم في دخول المساعدات الخارجية. وقد تكرر هذا السيناريو في جباليا والشجاعية في شمال القطاع، وخان يونس في الجنوب، وهي مناطق سبق أن نفذ فيها الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية كبرى ثم انسحب منها.

في الوقت نفسه سرعان ما أصبح واضحاً أن هناك تعارضاً جوهرياً بين تدمير “حماس” واستعادة الرهائن. فمن الناحية العملياتية، لم تستعد العمليات الخاصة الإسرائيلية طوال الحرب بنجاح سوى ثماني رهائن. أما الغالبية العظمى من عمليات إطلاق سراح الرهائن فقد جرت ضمن اتفاقات لوقف إطلاق النار في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 ويناير (كانون الثاني) 2025، مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع. في المقابل، قتل عشرات الرهائن الإسرائيليين منذ بدء الهجوم الإسرائيلي، بعضهم أعدم مع اقتراب الجيش الإسرائيلي من مواقع احتجازهم. لذا فإن العمليات العسكرية التي تهدف إلى إنقاذ الرهائن أو الضغط على “حماس” للموافقة على إطلاق سراحهم بشروط إسرائيلية قد تعجل في الواقع بموت الرهائن المتبقين.

متظاهرون يطالبون بالإفراج عن رهائن إسرائيليين، تل أبيب، مايو 2025 (رويترز)
متظاهرون يطالبون بالإفراج عن رهائن إسرائيليين، تل أبيب، مايو 2025 (رويترز)

استراتيجياً، سعت “حماس” منذ البداية إلى استخدام الرهائن كورقة مساومة للضغط على إسرائيل وإجبارها على إنهاء الحرب، ومن ثم ضمان صمود الحركة وبقائها. وكان الهدف هو فرض خيار حتمي على إسرائيل: إما استعادة رهائنها أو تدمير “حماس”. وفي الواقع، كلما أصرت “حماس” على أن إطلاق سراح الرهائن مرهون بوقف الحرب، أظهرت إسرائيل تصميمها على مواصلة القتال، وأصبح التوصل إلى اتفاق أكثر صعوبة. وقد أصبح التعامل مع هذا التناقض مسألة خلافية عميقة داخل إسرائيل، إذ انقسم الرأي العام على أسس سياسية. فالعائلات والنشطاء الذين يطالبون بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين باتوا يتهمون بدعم العدو.

واختار نتنياهو، لأسبابه الخاصة، تقديم معضلة الرهائن على أنها لعبة صفرية المحصلة. فقد صرح علناً أن “إعادة الرهائن ليست الهدف الأول للحرب”، مؤكداً أن الهدف الأساس هو “الانتصار على ’حماس‘ وأعداء إسرائيل”. لكن من خلال تصوير الوضع على أنه صراع بين هدفين متضادين، تكون الحكومة قد تبنت عملياً الخيار الزائف الذي فرضته “حماس” بين الإفراج عن الرهائن وهزيمتها. وهذا الخيار يطيل أمد الحرب حتماً، ويعمق الانقسام داخل إسرائيل، ويعزز الائتلاف اليميني، ويعرض حياة الرهائن المتبقين للخطر.

ولكن في الحقيقة، هذان الهدفان ليسا متناقضين. من الناحية الزمنية، فإن الحرب ضد “حماس” إلى أن تهزم بالكامل قد تستمر أعواماً أو حتى عقوداً، لكن حياة الرهائن تواجه تهديداً مباشراً وواضحاً بالموت. فوقف إطلاق النار، بطبيعته، يمكن التراجع عنه وتعديله، لكن الرهائن الذين يقتلون لا يمكن إعادتهم إلى الحياة. وفي المقابل، يمكن إعادة اعتقال الإرهابيين المفرج عنهم أو حتى تصفيتهم، مثلما حصل بالفعل مع بعضهم. لذا فإن حل التعارض بين قضية الرهائن والحرب يتطلب أولاً تأمين إطلاق سراح الرهائن، ثم القضاء على “حماس” لاحقاً. ولن تكون هذه لعبة صفرية المحصلة إذا قامت إسرائيل بترتيب أهدافها على مراحل. أما باختيارها توسيع العمليات العسكرية والسعي إلى أهداف أكثر تطرفاً، فإن الحكومة الإسرائيلية تزيد الضغط على “حماس”، لكنها في الوقت ذاته تخاطر بخسارة الرهائن المتبقين قبل أن تتمكن من إزالة التهديد القادم من غزة.

“عربات جدعون” في مستنقع

تهدف الحملة الإسرائيلية الثانية على غزة، التي بدأت في مارس الماضي وتوسعت منذ ذلك الحين ضمن عملية “عربات جدعون”، إلى هزيمة “حماس” وإخضاعها “حتى النهاية”. وفي الواقع، تهدف هذه الخطة أيضاً إلى زيادة الضغط على “حماس” لإجبارها على إطلاق سراح جميع الرهائن. ومع أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي شدد مراراً على أن أولويات العملية هي تحرير الرهائن وهزيمة “حماس”، إلا أن نتنياهو صرح بالعكس. ووفقاً لترتيب الأولويات الذي نشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن الأهداف العسكرية هي هزيمة “حماس”، والسيطرة العملياتية على غزة، وتجريد القطاع من السلاح، وضرب جميع الأهداف المتبقية داخل نظام “حماس”، وتجميع سكان غزة ونقلهم، وأخيراً، إعادة الرهائن إلى ديارهم.

تسعى الحملة الجديدة إلى عزل “حماس” عن السكان ومنعها من الوصول إلى المساعدات الإنسانية، مما يحرم مقاتليها من القدرة على العمل في المناطق المكتظة بالسكان أو السيطرة على مناطق رئيسة في غزة. ولتحقيق ذلك، تنص الخطة على إجلاء السكان بالكامل من مناطق القتال المستهدفة، مثل شمال القطاع، إلى مناطق محددة خاصة في الجنوب. ولن توزع المساعدات الإنسانية إلا في هذه المناطق، بواسطة شركة أميركية تعمل تحت ترتيبات أمنية إسرائيلية مباشرة، لتجنب ترتيبات التوزيع السابقة التي استغلتها “حماس”. ووفق هذه الخطة، ستطهر مناطق القتال من جميع “الإرهابيين”، وستسوى أي “منشآت تشكل تهديداً”، وستدمر الأنفاق. وسيبقى الجيش الإسرائيلي متمركزاً في هذه المناطق، وفي المنطقة الأمنية، بما في ذلك على الحدود المصرية، فترة غير محددة. واستطراداً، تشجع العملية بصورة علنية على الهجرة الطوعية لسكان غزة من القطاع.

أطلقت عملية “عربات جدعون” رسمياً في الـ16 من مايو الماضي مع تكثيف الغارات الجوية، وتوجيه إنذارات لسكان غزة بالإخلاء نحو الجنوب، وبدء الهجمات البرية. أعلن نتنياهو أن “القرار اتخذ بالمضي حتى النهاية. سنحتل غزة وستكون سيطرتنا الأمنية هناك إلى الأبد”. وبنشر جميع الألوية القتالية النظامية وعدد من الاحتياط تحت قيادة خمس فرق عسكرية، سيطرت قوات الجيش الإسرائيلي على نحو 40 في المئة من مساحة القطاع بحلول أواخر مايو، وهي نسبة تخطط لرفعها إلى 70 في المئة في غضون شهرين. تسير العملية ببطء، وقد وصفتها وسائل إعلام إسرائيلية بأنها عملية تجريف وتدمير، يقوم فيها الجيش بهدم المباني المتبقية في مناطق القتال والأنفاق تحتها. ولا تزال الخطط المتعلقة ببقية غزة، وما سيبدو عليه الانتصار الكامل على “حماس”، غير واضحة.

الاحتلال الإسرائيلي الطويل الأمد لغزة سيكون كابوساً عسكرياً بكل ما للكلمة من معنى

بالنسبة إلى اليمين المتطرف في إسرائيل، فإن الهجوم الجديد يمثل فرصة لتحقيق أهداف أيديولوجية أوسع. ووفقاً لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فإن الحملة “ستدمر ما تبقى من قطاع غزة”. وعلى حد تعبيره، “سيصل سكان غزة إلى جنوب القطاع، ومن هناك، بمشيئة الله، سيسافرون “إلى دول ثالثة ضمن خطة الرئيس ترمب”. وقال سموتريتش في أواخر مايو “نحن لا نخشى النصر والغزو والاحتلال”.

في الوقت الراهن، تتيح الحملة الجديدة إمكان تحقيق نتائج مختلفة، إذ يمكنها أن تلحق أضراراً إضافية بما تبقى من “حماس” وتجبرها على الاستسلام، من دون أن تلتزم إسرائيل حكماً عسكرياً مباشراً في غزة. أو يمكنها أن تمهد الطريق نحو احتلال إسرائيلي مباشر، مما قد يفتح المجال أمام الاستيطان والضم. وبينما يتجنب نتنياهو اتخاذ قرارات في شأن المرحلة القادمة، ويمنع في الوقت ذاته بروز بدائل لحكم “حماس”، فهو يواصل إبقاء هامش المناورة قائماً بين هذين الخيارين، لكنه ينزلق تدريجاً نحو حكم عسكري، سواء ترافق ذلك مع إعادة توطين للفلسطينيين أم لا. وستكون الكلف الاستراتيجية والدبلوماسية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية لمثل هذه النتيجة باهظة. كما ستترتب عليها كلف عسكرية واقتصادية ضخمة.

إن الاحتلال الإسرائيلي الطويل الأجل لغزة، التي يعيش فيها أكثر من مليوني نسمة في بيئة حضرية أشبه بالجحيم ويواجهون كارثة إنسانية مستمرة وسط تمرد مسلح عنيد، سيكون كابوساً عسكرياً بكل ما للكلمة من معنى. والجيش الإسرائيلي، الذي يعاني بالفعل نقصاً يزيد على 10 آلاف جندي بسبب الخسائر وطول أمد الحرب، سيجد نفسه غارقاً في مستنقع دموي أعواماً مقبلة. وستقدر كلفة الحفاظ على هذه القوات بمليارات الدولارات. في مثل هذه البيئة، فإن وجود جيش احتلال كبير سيهيئ البيئة لتمرد مسلح يندمج مقاتلوه بين السكان كما تسبح الأسماك في البحر. أما في حال انسحبت إسرائيل من دون التمهيد لحكم بديل، فإما أن تعود “حماس”، أو تسود الفوضى، مع تنافس أمراء الحرب المحليين على السلطة وسط معاناة إنسانية هائلة.

دوافع خفية

تظهر التطورات الأخيرة أن عملية صنع القرار الإسرائيلي في هذه الحرب لم تكن مدفوعة برؤى استراتيجية متضاربة فحسب، بل كانت مدفوعة أيضاً، وفي كثير من الأحيان، باعتبارات سياسية بالدرجة الأولى. فمنذ البداية، دعم أعضاء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية تدمير “حماس” بالكامل وإطالة أمد الحرب، ورفضوا جميع اتفاقات وقف إطلاق النار، حتى لو كان ذلك على حساب حياة الرهائن. وقد اتخذ بنيامين نتنياهو قراراته في شأن مفاوضات الرهائن وسير العمليات الحربية في ظل تهديدات متكررة من بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، بالاستقالة في حال توقفت الحرب، ولو استقالا فعلاً، كانت الحكومة لتسقط وكان نتنياهو ليفقد السلطة. قال الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي، عضو حكومة الحرب التي شكلت بعد السابع من أكتوبر 2023، غادي آيزنكوت، إنه لاحظ أن الحكومة غالباً ما تأثرت باعتبارات خارجية في عملية صنع القرار، سواء على الصعيد الشخصي أو السياسي، في سبيل ضمان بقاء الائتلاف والحكومة.

مع التوسع المستمر في الحرب على رغم تصاعد الكلف وغياب هدف نهائي واضح، ناقضت الحكومة تماماً المفهوم الأساس للأمن القومي الإسرائيلي. أكد الآباء المؤسسون للبلاد أهمية خوض حروب قصيرة ومكثفة لتقليل الخسائر والكلف، مع الحفاظ على الشرعية الدولية والتماسك الداخلي. وكان نتنياهو نفسه يتجنب في السابق الحروب الطويلة، مفضلاً العمليات القصيرة ذات الكلفة المحدودة، لكن هذه المرة، يبدو مختلفاً عن نتنياهو القديم.

في الواقع، إن إطالة نتنياهو حملة غزة وتجنبه المستمر عقد اتفاقات نهائية ووضع خطط لما بعد الحرب لا يمكن تفسيره ببساطة بميله المعروف للمماطلة واتخاذ القرارات في اللحظة الأخيرة. فقد تجنب على مدى أشهر اتخاذ قرارات كبرى في الحرب على غزة. والأهم من ذلك، أنه آخر قرار شن هجوم على لبنان، تاركاً القوات الإسرائيلية على الحدود الشمالية في وضع دفاعي مرهق لمدة 11 شهراً. وفي النهاية، لم يتخذ قرار مهاجمة “حزب الله” إلا عندما واجه معضلة “الاستفادة من الفرصة قبل أن تضيع” وذلك في سبتمبر (أيلول) 2024، عندما كادت عملية “حصان طروادة” الإسرائيلية، التي هدفت إلى تزويد عناصر “حزب الله” بأجهزة نداء متفجرة، أن تنكشف. عندئذ اضطر إلى إعطاء الضوء الأخضر لحملة التخريب، التي أدت سريعاً إلى هزيمة “حزب الله”.

تجد إسرائيل نفسها في أزمة سياسية واجتماعية وأخلاقية لم تشهد لها مثيلاً منذ تأسيسها

وفي الوقت نفسه في المفاوضات في شأن الرهائن في غزة، أصر نتنياهو على إبرام صفقات جزئية، رافضاً قبول أي اتفاق من شأنه أن يفرج عن جميع الرهائن وينهي الحرب. وقد أشار بعضهم إلى أن نتنياهو يحصر قراراته في المستوى التكتيكي المباشر لأنه يفتقر إلى استراتيجية شاملة. ولكن من الممكن أن تكون ببساطة استراتيجية تركز على مستوى آخر. فقد أكد نتنياهو وأنصاره مراراً بأن هناك أموراً لا يمكن القيام بها “في خضم الحرب”، مثل تنظيم احتجاجات شعبية ضد الحكومة، أو إنشاء لجنة تحقيق وطنية في كارثة السابع من أكتوبر 2023، أو حتى إجراء انتخابات. وفي الوقت ذاته، أصبحت الحرب “ذريعة” للسعي إلى إزاحة مسؤولين يدافعون عن سيادة القانون، مثل المدعية العامة الإسرائيلية أو رئيس “الشين بيت”، جهاز الأمن الداخلي، واستبدال أشخاص موالين مطيعين بهم. وقد ازدادت وتيرة هذه المحاولات بخاصة بعد بدء التحقيق في قضية “قطر غيت”، أي الشبهات حول تدخل قوة أجنبية في مكتب رئيس الوزراء نفسه، ومن المثير للسخرية أن ذلك حدث في خضم الحرب.

بغض النظر عن شدة القتال، فإن حال الحرب الرسمية وحملة غزة منحتا حكومة نتنياهو صلاحيات طارئة وحرية عمل واسعة. مراراً وتكراراً، تذرعت الحكومة بحال الحرب وبالحاجة إلى إدارتها لتأجيل جلسات محاكمة نتنياهو الجنائية بتهمة الفساد، وهي محاكمة تعد مصدر قلقه الوجودي الأكبر. ومع دخول الحرب مرحلة جديدة، يبدو أن السياسة الداخلية، وبخاصة بقاء الائتلاف الحكومي ونتنياهو نفسه، أصبح لها تأثير نسبي مرتفع بصورة لافتة في القرارات. وهذا الوضع يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة تسعى فعلاً إلى ما هو في مصلحة إسرائيل وشعبها، أم أنها ببساطة تضع بقاء الحكومة وزعيمها على رأس الأولويات.

ثمن الحرب الدائمة

إن غياب الوضوح في أهداف الحرب الأولية ترك مجالاً واسعاً للتأويل. وبالفعل، كلما طال أمد الحملة، اتضح وجود هدفين متناقضين يتحكمان في مجريات الأمور. أحدهما أمني براغماتي، والآخر أيديولوجي مسياني. في مواجهة “حماس” التي تستعيد قوتها بشكل مستمر، يعد مطلب “النصر الشامل” والقضاء على التهديد القادم من غزة “حتى النهاية” وصفة لحرب أبدية. وحتى لو لم تتبن الحكومة رسمياً هذين الهدفين الكبيرين، يبدو أن نهج “النصر الشامل” يفرض نفسه ويهيمن، بيد أن لحظة الحساب قد اقتربت.

في أسابيعها الأولى، واجهت عملية “عربات جدعون” الشاملة صعوبة في تعبئة جنود الاحتياط. لكن فرض السيطرة العسكرية على غزة والحفاظ عليها، كما هو مطلوب الآن، سيتطلب استثماراً أكبر بكثير من ناحية القوات والموارد، على نطاق سيؤثر في الأولويات الوطنية لإسرائيل وفي حال المجتمع والاقتصاد والجيش عقوداً مقبلة. وبعدما واصلت الحكومة حملتها أشهراً من دون معارضة كبيرة من حلفائها، ربما افترضت خطأً أنها تستطيع تصعيد الحرب بصورة حادة من دون عوائق، ولكن مع اتساع نطاق الدمار ومعاناة المدنيين، تزايدت أصوات التنديد في الشرق الأوسط وحول العالم، مما أدى إلى تزايد مؤشرات الضغط السياسي والاقتصادي، بما في ذلك من الأطراف الصديقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

في الحقيقة، تجد إسرائيل نفسها في أزمة سياسية واجتماعية وأخلاقية لم تشهد لها مثيلاً منذ تأسيسها. ويبدو الآن أن نهاية الحرب لن تأتي إلا عندما تصطدم الحكومة بواقع لا مفر منه، سواء من خلال الكلف الباهظة في الأرواح والأموال، أو القيود الشديدة على الموارد، أو الضغوط الدولية الهائلة، مع احتمال أن يكون الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو الطرف الوحيد القادر على وقف الحرب في الوقت الحالي إذا قرر ذلك. أو ربما يؤدي انفجار أزمة سياسية داخلية إلى الكشف عن الفجوة بين سياسة الحكومة وإرادة غالبية الشعب الإسرائيلي، ولكن إلى أن يحدث مثل هذا التحول، فإن المستقبل الأرجح يتمثل في توسع الحرب بلا حدود، مع تزايد الكلفة على الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وتراجع الفوائد التي تجنيها إسرائيل على صعيد أمنها.

 

أساف أوريون هو “زميل ليز وموني ريؤفين الدولي” في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وزميل باحث بارز في “معهد دراسات الأمن القومي” في إسرائيل. بين عامي 2010 إلى 2015 كان مسؤولاً عن صياغة السياسات الاستراتيجية في جيش الدفاع الإسرائيلي

مترجم عن “فورين أفيرز” 3 يونيو (حزيران) 2025

 

Continue Reading

Previous: كيف أعاد كتاب هندي حائز جائزة «بوكر» تعريف الترجمة؟.براغاتي كيه. بي المصدر: الشرق الاوسط…* خدمة «نيويورك تايمز»،
Next: لقاء بوتين وزيلينسكي عام 2019 يحمل أجوبة عن مصير مفاوضات السلام….آنا باتا….المصدر :….اندبندنت عربية

قصص ذات الصلة

  • مقالات رأي

ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025

Recent Posts

  • ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب
  • العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة
  • سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة
  • “الحرب المؤجلة” بين ترمب وماسك… محطاتها وأسلحتها……طارق راشد…المصدر : المجلة
  • “كرنفال الثقافات” في برلين: في تعزيز ثقافة التنوع…….. سوسن جميل حسن…المصدر : ضفة ثالثة

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب
  • العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة
  • سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة
  • “الحرب المؤجلة” بين ترمب وماسك… محطاتها وأسلحتها……طارق راشد…المصدر : المجلة
  • “كرنفال الثقافات” في برلين: في تعزيز ثقافة التنوع…….. سوسن جميل حسن…المصدر : ضفة ثالثة

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • مقالات رأي

ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

“الحرب المؤجلة” بين ترمب وماسك… محطاتها وأسلحتها……طارق راشد…المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.