استخدمت الولايات المتحدة، يوم الجمعة، حق النقض (الفيتو) ضد قرار للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، الذي شنّت فيه إسرائيل مئات الضربات، وتعثرت جهود الإغاثة، وبات الناس فيه في حاجة ماسة إلى احتياجاتهم الأساسية لدرجة أن بعضهم يقوم برجم شاحنات المساعدات بالحجارة والهجوم عليها.

وقد أيَّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومعظم أعضاء مجلس الأمن هذا الإجراء، قائلين: إن الكارثة الإنسانية في القطاع الساحلي الذي يعيش فيه 2.2 مليون فلسطيني يمكن أن تهدد استقرار العالم.

ولكن الولايات المتحدة، وهي إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، اعترضت على القرار، معتبرة أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها ضد هجمات حركة «حماس»، وجاء التصويت بأغلبية 13 صوتاً مقابل صوت واحد، مع امتناع بريطانيا عن التصويت وتصويت بعض حلفاء الولايات المتحدة مثل فرنسا لصالح وقف إطلاق النار.

وقال روبرت وود، ممثل الولايات المتحدة في المجلس، بعد استخدام حق النقض: إن قرار وقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط «لم يكن غير واقعي فحسب، بل إنه يعد خطيراً أيضاً؛ لأنه ببساطة سيؤدي إلى استمرار وجود (حماس)، وسيمكنها من إعادة تجميع صفوفها وتكرار ما فعلته في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي».

ويأتي هذا القرار الذي فشل أعضاء المجلس في تمريره في الوقت الذي ذكرت فيه الأمم المتحدة أنها تواجه صعوبات في توصيل الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء وغاز الطهي للمدنيين اليائسين الذين احتشدوا في الملاجئ ومدن الخيام بعد شهرين من الحرب.

وكتب توماس وايت، مدير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة الفلسطينيين في غزة (أونروا)، على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) للتواصل الاجتماعي، يوم الجمعة: «النظام المدني ينهار في غزة، وبعض قوافل المساعدات تتعرض للنهب ويتم رشق مركبات الأمم المتحدة بالحجارة؛ فالمجتمع على وشك الانهيار الكامل».

وقد تحدث وايت بعد يوم من تحذير إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أن الجيش الإسرائيلي لم يفعل ما يكفي لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين في غزة.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للصحافيين في واشنطن يوم الخميس الماضي: «من الضروري أن تعطي إسرائيل الأولوية لحماية المدنيين». وأضاف: «لا تزال هناك فجوة بين ما قلته عندما كنت هناك فيما يتعلق بحماية المدنيين، والنتائج الفعلية التي نراها على الأرض».

ويحتدم القتال في مدينة خان يونس، أكبر مدن جنوب قطاع غزة، وفي شمال القطاع، الذي تركز فيه القوات الإسرائيلية عملياتها في حي الشجاعية في مدينة غزة، وجباليا، وهو حي مكتظ بالسكان يقع شمال المدينة؛ إذ تقول تل أبيب: إن مقاتلي «حماس» يواصلون الاختباء فيه.

وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، إيلون ليفي: إن «إسرائيل تتخذ خطوات للحفاظ على سلامة المدنيين، وذلك على الرغم من محاولات قادتهم التضحية بهم عمداً كدروع بشرية».

وأضاف ليفي: «لهذا السبب؛ نشرنا خريطة مفصلة بشكل كبير لمساعدة المدنيين على الإخلاء، وتراجعنا عن عنصر المفاجأة من خلال الحث على إخلاء المناطق قبل اتخاذ أي خطوة، ونعتقد أننا نستخدم أعلى مستوى ممكن من الإجراءات لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين في عمليات مكافحة الإرهاب في المناطق الحضرية».

ولكن إسرائيل تواجه ضغوطاً من الأمم المتحدة لوقف القتال، ففي يوم الأربعاء، ولأول مرة خلال فترة ولايته التي استمرت لمدة 7 سنوات في قيادة الأمم المتحدة، استند غوتيريش إلى المادة 99، وهي قاعدة نادراً ما تُستخدم في الأمم المتحدة وتسمح للأمين العام بلفت انتباه مجلس الأمن إلى أي مسألة «قد تهدد حفظ السلام والأمن الدوليين».

وقال غوتيريش إن ما فعله كان ضرورياً بسبب معاناة الفلسطينيين في غزة، وكذلك بسبب الصراعات ذات الصلة التي تشتعل في الضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق واليمن.

وفي خطاب سابق أمام المجلس، قال غوتيريش: «هناك خطر كبير من حدوث انهيار كامل لنظام الدعم الإنساني في غزة؛ الأمر الذي ستكون له عواقب مدمرة… أخشى أن تكون العواقب مدمرة على أمن المنطقة بأكملها».

وقال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، للمجلس: إن الموافقة على القرار، لن يؤدي سوى للسماح لـ«حماس» بإعادة تجميع صفوفها والتخطيط لمزيد من الهجمات على تل أبيب.

وقبل استخدام حق النقض، قال وود: إن الولايات المتحدة حاولت التفاوض بشأن إدخال تغييرات على القرار المقترح، و«لكن تم تجاهل جميع توصياتنا تقريباً»، بما في ذلك إضافة إدانة لهجوم «حماس» في السابع من أكتوبر الماضي على إسرائيل وتأييد حق الأخيرة في الدفاع عن نفسها.

وفي بيان بالفيديو، قال الجنرال الإسرائيلي دان غولدفوس، الذي يقود الجنود الإسرائيليين في خان يونس: إن القوات «تنتقل من نفق إلى نفق، ومن منزل إلى منزل»، وأضاف، بينما يتم سماع أصوات إطلاق النار في الخلفية: «الأعداء يقفزون علينا من البساتين ومن الأنفاق».

وطلبت إسرائيل من وزارة الخارجية الأميركية الموافقة على طلبية لشراء 45 ألف طلقة ذخيرة للدبابات العاملة في غزة، وفقاً لمسؤولين أميركيين مطلعين، قائلين: إن قيمة الطلب تزيد على 500 مليون دولار.

ومن المرجح أن يثير بعض المشرعين الأميركيين تساؤلات حادة حول الأمر بمجرد أن تقدمه وزارة الخارجية إلى الكونغرس للمراجعة، ولكن أحد المسؤولين قال: إن الوزارة تدرس تفعيل بند الطوارئ في قانون تصدير الأسلحة لتجاوز مراجعة الكونغرس.

وقد أثارت حملة اعتقالات إسرائيلية لمئات الرجال الفلسطينيين في غزة موجة من الغضب بعد انتشار صور ومقاطع فيديو للرجال المعتقلين وهم مقيدو الأيدي وشبه عراة على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، يوم الخميس الماضي، وقال مسؤولون إسرائيليون: إن هؤلاء الرجال اُعتُقلوا في جباليا والشجاعية وتم تجريدهم من ملابسهم للتأكد من أنهم لا يحملون متفجرات.

وقال ليفي: «نحن نتحدث عن رجال في سن الخدمة العسكرية تم اكتشافهم في مناطق كان من المفترض أن يخليها المدنيون قبل أسابيع، وسيتم استجوابهم وسنحدد مَن منهم إرهابياً من (حماس) ومَن ليس كذلك».

في حين قال منتقدون: إن حملات الاعتقالات الجماعية والمعاملة المهينة هذه قد تمثل انتهاكاً لقوانين الحرب.

وقال بريان فينوكين، وهو محلل في مجموعة الأزمات الدولية والمستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية الأميركية: إن القانون الدولي يضع «مقياساً مرتفعاً للغاية لأي قوة احتلال فيما يتعلق باحتجاز غير المقاتلين، ولكن الأساس هو المعاملة الإنسانية»، مضيفاً: «هذا يحظر الاعتداء على الكرامة الشخصية والمعاملة المهينة».

وفي جنوب غزة، التي يتم فيها تسليم بعض إمدادات الإغاثة المحدودة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، اتخذت أكثر من 8 من كل 10 أسر إجراءات صارمة لمواجهة نقص الغذاء، حسبما ذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، هذا الأسبوع، أما في شمال غزة، فقد وجدت المنظمة أن 97 في المائة من الأسر تفعل الشيء نفسه.

وقالت إسرائيل، يوم الخميس الماضي، إنها ستسمح بدخول «الحد الأدنى» من الوقود إلى غزة؛ «لمنع الانهيار الإنساني وتفشي الأوبئة»، وستفتح معبراً حدودياً ثانياً لإيصال المساعدات.

* خدمة «نيويورك تايمز»