بمجرد أن قلّم حزب أردوغان أظافر الجيش والمؤسسة العلمانية في سلسلة من المحاكمات الصورية، تخلى عن الانضمام للاتحاد الأوروبي.
وصف الدستور الحالي بأنه “الدستور العسكري”
أنقرة – يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى البحث عن مبرر للاستمرار في الحكم. ووجد ضالته في وصف الدستور الحالي بأنه “الدستور العسكري” الذي تمت صياغته عقب الانقلاب العسكري في عام 1980. ويحاول أردوغان وحزب العدالة والتنمية تصوير الدستور، الذي أوصلهما إلى الحكم لفترات متعددة، على أنه دستور يبرر الانقلابات ويحيي العلمانية، ويجب كتابة دستور جديد بروح ليبرالية.
وعين أردوغان الآن لجنة مكونة من عشرة محامين لصياغة دستور جديد، يقول إنه سوف يكون “مدنيا وليبراليا”.
ولا يقف الأمر عند الرغبة في البحث عن مدخل للبقاء في السلطة، فلدى أردوغان إرث سياسي فشل في تحقيقه خلال أكثر من عشرين سنة من الحكم. ومن بين هذا الإرث الرغبة في هزيمة العلمانية بأي شكل، لكن في كل مرة كانت المجموعات الحقوقية وطلاب الجامعات يفشلون هذا المسعى.
أردوغان لديه رغبة في البحث عن مدخل للبقاء في السلطة، رغم ما يملكه من إرث سياسي عنوانه الأبرز الفشل خلال أكثر من عشرين سنة من الحكم
وأطاحت المعارضة برغبة أردوغان وحزبه في فرض القيم المحافظة المناوئة لحرية المرأة وحرية الأفكار والمعتقد.
ويعود النقاش بشأن دستور علماني لتركيا إلى عام 1994 عندما تم انتخاب أردوغان عمدة لإسطنبول عن حزب الرفاه آنذاك برئاسة نجم الدين أربكان، الذي أيد الإسلام السياسي.
وبعد مرور ثمانية أشهر على انتخابه، شارك أردوغان في مناظرة تلفزيونية عندما انتقد الأديب والروائي التركي عزيز نيسين، أردوغان لقوله “أنا من أتباع الشريعة الإسلامية”.
ورد أردوغان بقوله “نيسين لديه الحرية والحق في أن يقول “إنني كافر . فلماذا لا يمكن أن يكون لدي الحق في القول إنني مسلم ومن أتباع الشريعة؟”.
وقال نيسين “إن هذا يتعارض مع الدستور التركي، الذي ينص على أن الدولة التركية علمانية، وإما أن تغير الدستور وتطبق الشريعة أو تلتزم بالدستور.. لا يمكن أن تكون من أتباع الشريعة وعلمانيا معا”.
وأصبح حزب الرفاه أكبر حزب سياسي في تركيا وشرع مع رؤيته الوطنية في تأسيس “نظام عادل” (الشريعة)، ولكن في عام 1998، قامت المحكمة الدستورية بحله لكونه “مركزا لأنشطة تتعارض مع مبادئ العلمانية”.
وفي نفس العام، تم الزج بأردوغان في السجن لمدة أربعة أشهر لاقتباسه قصيدة قومية من عام 1912، ولكنه كان قد أوضح بالفعل أن “الديمقراطية ليست هدفنا”، إنها الوسيلة.
غير أن أردوغان تعلّم الدرس. وعندما تم تأسيس حزب العدالة والتنمية في عام 2001 وصعد إلى سدة الحكم بعد ذلك بعام، قدم الحزب نفسه على أنه حزب غربي إصلاحي معتدل وليبرالي جديد.
تحت رئاسة أردوغان، هيمنت القيم الإسلامية على التعليم والاقتصاد والسياسة الخارجية، وهو الأمر الذي لم يؤد إلى الابتعاد عن العالم الغربي فحسب، ولكن أيضا إلى صراع داخلي
وفي عام 1999، أعلن الاتحاد الأوروبي أن تركيا دولة مرشحة للعضوية في التكتل واستغل حزب العدالة والتنمية بشكل إستراتيجي لتحقيق شروط التكتل.
وقال روبرت إليس، محلل للشؤون التركية ومعلق ومستشار دولي في معهد البحوث للدراسات الأوروبية والأميركية في أثينا، إن أٍردوغان بمجرد أن قلّم الحزب أظافر الجيش والمؤسسة العلمانية في سلسلة من المحاكمات الصورية من عام 2008 إلى عام 2013، تخلى عن عملية الاتحاد الأوروبي.
وفي تركيا تحت رئاسة أردوغان، هيمنت القيم الإسلامية على التعليم والاقتصاد والسياسة الخارجية، وهو الأمر الذي لم يؤد إلى الابتعاد عن العالم الغربي فحسب، ولكن أيضا إلى صراع داخلي.
وكانت احتجاجات متنزه جيزي في العام 2013، بقيادة الشبان المتعلّمين، الانتفاضة الأولى ضد سياسة أردوغان العقائدية، وكانت المظاهرات ضد القبض على عمدة إسطنبول العلماني أكرم إمام أوغلو هي الانتفاضة الثانية.
وبدأ تحرك أردوغان لإجراء تغير دستوري عندما صافح حليفه السياسي دولت بهتشلي أحد زعماء حزب المساواة وديمقراطية الشعوب المؤيد للأكراد في البرلمان التركي في شهر أكتوبر من العام الماضي.
ويمكن أن يعتمد حزب العدالة والتنمية فقط على 321 مقعدا في البرلمان، وسوف يحتاج إلى 360 (من 600) لطرح دستور جديد للاستفتاء. وبدعم مقاعد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب التي تبلغ 56 مقعدا، سوف يصبح حزب العدالة والتنمية أكثر قربا من تحقيق هدفه.
وأضاف إليس، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية، أنه أيا كانت النتيجة، فإن حقيقة واحد تبقى وهي أن زعيم تركيا رجب طيب أردوغان السبعيني المريض الآن، ليس لديه أية نية للتخلي عن السلطة. ويرى البعض أن تسريع هذه الخطوات قد يكون محاولة لترسيخ إرثه قبل أن تفرض عليه ظروف صحية أو سياسية التراجع.