فجأة، ظهرت ميليشيا مسلحة في شرق رفح جنوبي قطاع غزة بزعامة ياسر أبو شباب. لم يكن اختيار أبو شباب عبثياً، إنما لديه عداء لحركة “حماس” بعدما اعتقلته سابقاً بتهمة تجارة المخدرات قبل هروبه من السجن خلال العدوان الحالي. يضاف إلى ذلك أنه ينتمي إلى قبيلة تمتد بين غزة والنقب وسيناء وهي الترابين، وبالتالي يريد الاحتلال انحيازاً قبلياً وعشائرياً ضد “حماس” وعناصرها. وليعطي أبو شباب شرعية شعبية أعلن عن “القوات الشعبية” بحجة مساعدة اهالي غزة بشأن المساعدات وأنه “يخلصهم من حماس”، ووعدهم بوظائف ومساعدات عينية ومالية.
وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية أن حكومة بنيامين نتنياهو تريد للميليشيا أن تكون بديلاً لحركة “حماس” في قطاع غزة. وقالت إن “أبو شباب تاجر مخدرات سابق أطلق رجاله صواريخ على إسرائيل منذ سنوات كما عملت ميليشيته بجانب تنظيم داعش في سيناء ضد الجيش المصري، ونهب مساعدات إنسانية كان من المفترض أن يحصل عليها سكان غزة، ونجا من محاولة اغتيال في خان يونس.”
وكان رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، فجّر قنبلة قبل أيام حين اتهم نتنياهو بتسليح “داعش” والتعاون مع التنظيم. واتضحت صورة مقلقة، بحيث أن هذه ليست مجرد قوة تعمل ضد “حماس” في قطاع غزة، بل جماعة مسلحة لها “سجل حافل بالنشاط الإرهابي ضد إسرائيل”، حسب ما تقول “يديعوت أحرونوت”.
وأبو الشباب، وفقاً لزملائه، ترك الدراسة في سن مبكرة وبدأ بالاتجار بالمخدرات. ولاحقاً، انتقل إلى “تأمين شاحنات المساعدات الانسانية” التي كانت تدخل القطاع، حيث استغل منصبه لسرقة البضائع والنهب الممنهج، كما سلح الميليشيات بأوامر من نتنياهو، والخوف: “كان من المستحيل ضمان عدم إطلاقهم النار على الجنود”.
ومن جملة أمور أخرى، قدّم أبو الشباب “خدمات أمنية” لشاحنات الصليب الأحمر و”الأونروا” والأمم المتحدة، لكنه في الواقع، كان يتاجر بالبضائع التي يتلقاها في المقابل، حتى أن مصدراً في الأمم المتحدة يدّعي أن اسمه ورد في مذكرة داخلية كمسؤول عن عمليات نهب واسعة النطاق للمساعدات الانسانية التي كانت تُنقل إلى القطاع.
ووفق موقع “يديعوت أحرونوت”، فان قوة أبو الشباب تضم حالياً حوالي 300 مسلح من غزة – بعضهم سجناء مُفرج عنهم من سجون “حماس” – ويُعتقد أن حوالي 30 عائلة في شرق رفح تدعمه، وتتمتع حالياً بحماية نسبية، بحيث أن الجيش الاسرائيلي موجود في المنطقة، وبالتالي لا تُشنّ غارات جوية هناك؛ وفي الوقت نفسه، وبفضل وجود الجيش، تتمتع العائلات أيضاً بالحماية من هجمات “حماس”.
وقالت الصحيفة العبرية إنه على الرغم من أن هذه القوة تُصوَّر على أنها مُعارضة لـ “حماس”، إلا أن أعضاءً من الميليشيا المسلحة شاركوا أيضاً في “إطلاق صواريخ على إسرائيل، بل ويُحافظون على تواصل مع عناصر داعش”.
ومن أبرز شخصيات الميليشيا المسلحة عصام نباهين (33 عاماً)، من مخيم النصيرات للاجئين وسط غزة، والذي سبق أن قاتل مع “داعش” في سيناء ضد الجيش المصري. وعاد نباهين إلى غزة قبل اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول 2023. وبحسب مصادر، كان حُكم عليه بالإعدام، لكنه تمكن من الفرار من السجن في اليوم الأول من الحرب. وهناك عضو آخر في الميليشيا، يدعى غسان الدهيني، شقيق وليد الدهيني – أحد عناصر “داعش” الذي قضت عليه “حماس” – يعمل حالياً ضمن الميليشيا الجديدة.
وتوعدت “حماس”، عصابة أبو الشباب بالعقاب. وبالفعل حاولت وحدة “سهم” في الحركة في تشرين الثاني الماضي اغتياله لكنه نجا وقُتل اثنان من رفاقه.
وعلق نتنياهو على تسليح عصابات في قطاع غزة، بالقول إن هذه الخطوة جاءت بناءً على نصيحة مسؤولين أمنيين. وتساءل: “ما العيب في ذلك؟ إنه أمرٌ جيدٌ فحسب. إنه يُنقذ أرواح جنود الجيش الاسرائيلي”.
في المحصلة، يريد الاحتلال أن يكون لديه جيش لحد جديد في القطاع، على غرار ما فعله في جنوب لبنان. وتبقى أهمية هذه الميليشيا مرتبطة بأفعالها على الأرض، ولذلك يعود تنظيم “داعش” الى الظهور في تلك المنطقة ولو بمسميات مختلفة ما يثير تحفظات السلطات المصرية. ومن المتوقع أن تعمل القاهرة على تحديد هذه العناصر وعملها تهيؤاً لأي تطورات خصوصا عند الحدود المشتركة. ومهما كانت النتائج، لن يستطيع أبو الشباب ومجموعته أن يحلوا مكان “حماس” مهما امتلكوا من قوة ومال، لأن الاحتلال “أحرقهم” بالتسريبات، وثانياً لا يملكون كفاءة والناس لن ترضح لسلطتهم.