حرفيّاً لبنان بلد مهدّد بالانهيار. هذه الكلمات عبّر من خلالها وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو عن حقيقة الوضع اللبناني، مع تأكيده دعم فرنسا للسلطات اللبنانية للسير بالمسار المفترض. بين باريس وواشنطن مقاربات مختلفة، لكنّها تقود إلى النتائج نفسها. باريس لا تريد أن يكون لبنان ملتحقاً بسوريا وتسعى إلى أن يبقى بنداً مستقلّاً على الطاولة، بينما واشنطن تكاد تُسقط الورقة اللبنانية لتضعها ملحقاً لسوريا في المنطقة بعدما تقدّمت دمشق على لبنان في إنجاز ما هو مطلوب منها دوليّاً.
في الأسابيع المقبلة، أُضيف تحدٍّ جديد للبنان لم تكن تتوقّعه السلطة السياسية، وهو الإشكال المتعلّق بالتجديد لقوات “اليونيفيل” في لبنان. فبين إنهاء المهمّة وتوسيع المهامّ وتزويد القوّات بطائرات “الدرون”، اشتباك كبير في مجلس الأمن. ولكن على الرغم من اختلاف مقاربات واشنطن وباريس، لأنّ لكلّ منهما طريقتها التي يعبّر عنها فرنسيّاً المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان وأميركيّاً السفيرة الأميركية ليزا جونسون، فقد أوصلتا إلى لبنان في الأربع والعشرين ساعة الماضية رسائل واضحة، إن لم يلتقطها لبنان فليس مقبلاً على خطر انهيار حقيقي أمنيّ وحسب، بل اقتصاديّ أيضاً.
جونسون: حصر السّلاح وإلّا فتصعيدٌ إسرائيليّ
في الساعات الأخيرة، كانت ليزا جونسون تقوم بعدد من اللقاءات مع القوى السياسية، ومن بينها رئيس الجمهورية جوزف عون، قبل وصول جان إيف لودريان إلى بيروت. قالت جونسون بوضوح، بحسب مصادر مَن التقتهم في بيروت، إنّ المطلوب من لبنان الإسراع في حصر السّلاح، معربة عن استياء إدارتها من البطء في هذا المسار، ومؤكّدة أنّ واشنطن لن تستطيع ردع إسرائيل عن القيام بذلك بنفسها، أي “حصر السلاح”.
رجّحت مصادر دبلوماسية أن تكون “الصفعة” لجنديّ “اليونيفيل” التي انتشرت صورها قاسية جدّاً على “الحزب” الذي أدرك أنّه يخسر هذه الورقة
بناء على هذا الكلام، سألها أحد المسؤولين: “ألا يمكن لواشنطن أن تضغط على إسرائيل للانسحاب من لبنان، ثمّ يكون الذهاب إلى حصر السلاح؟”، فأجابت جونسون بالنفي. وعليه، أصبحت رسالة واشنطن طارئة على وقع النار. تماماً كما كانت زيارات المبعوث السابق آموس هوكستين يوم بقيت السلطة في حالة إنكار لرسائله إلى أن اندلعت الحرب.
بناء على هذا المعطى الأميركي الطارئ، الذي سيبرز في زيارة المبعوث الأميركي الخاصّ إلى سوريا توم برّاك في نهاية الشهر الجاري كما هو مرجَّح، فإنّ السلطة اللبنانية مدعوّة من قبل الأميركيين إلى موقف مغاير عن موقفها الحالي. فالرئاسات الثلاث سبق أن وضعت بند انسحاب إسرائيل من الجنوب شرطاً للمضيّ قدماً في مسار حصر السلاح، وذلك تحت عنوان السيادة اللبنانية وتطبيق القرار 1701 واتّفاق وقف إطلاق النار.
لبنان
لكنّ هذا لن يكفي، بحسب معلومات “أساس”، لوقف إسرائيل عن القيام بتصعيد كبير في جولة جديدة من الحرب لم تعد خافية على أحد. أمّا قوّات “اليونيفيل” فمهمّتها أيضاً موضع تشكُّك من الإسرائيلي الذي لطالما طالب بإنهاء وجودها في لبنان. ولكنّ جديد هذا العام أنّ واشنطن قرّرت حصر نفقاتها، وبالتالي أصبح لمطلب الحدّ من مهمّات “اليونيفيل” طابعان أمنيّ واقتصاديّ.
لودريان: الإصلاح وإلّا فالانهيار
في جولته السابقة لانتخاب رئيسٍ للجمهورية، قال لودريان إنّ لبنان يواجه خطر زواله. حينها كان لبنان يواجه الفراغ في كلّ شيء، بالإضافة إلى مواجهته الخطر الإسرائيلي الذي تمثّل بالحرب. اليوم عاد لودريان ليكرّر المصطلحات نفسها: “لبنان يواجه خطر زوال الفكرة اللبنانية”. وتقصد باريس في هذا الكلام أن تقول إنّ اللبنانيين يواجهون خطر اللانتماء إلى الدولة وسط الانتماءات المختلفة إلى المذاهب والطوائف والمناطق بعيداً عن مفهوم المؤسّسات.
في الأسابيع المقبلة، أُضيف تحدٍّ جديد لم تكن تتوقّعه السلطة السياسية، وهو الإشكال المتعلّق بالتجديد لقوات “اليونيفيل” في لبنان
من هذا المنطلق، عادت باريس بما تمثّله من حيثيّة سياسية، وهي لا تزال تريد للبنان أن يكون ورقة رابحة، وتدرك أنّها ليست واشنطن، لتحاول سحب لبنان من تحت النار. فحرَص لودريان على التأكيد أنّ مطالب حصر السلاح والإصلاحات ممرّ إلزاميّ لكلّ شيء، لكلّ فلس، لكلّ مؤتمر دولي ولكلّ دعم خليجي أيضاً. فباريس تسعى إلى عقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار، لكن لن يحصل من دون دعم خليجي، ولكي تنجح باريس على اللبنانيين أن يساعدوها في تحسين أداء السلطة والذهاب إلى ورشة عمل فوريّة، وإلّا فإنّ “الأمّ الحنون” نفسها لن تستطيع شيئاً أمام العجز اللبناني عن إنجاز أيّ شيء.
كما أصبح معلوماً، تدعم باريس بقاء قوّات “اليونيفيل” في الجنوب، ولن تقبل وفق مصادر دبلوماسية، كما دول أوروبا، بإنهاء تامّ لعملها. هذا علماً أنّها بحسب المصادر منفتحة على النقاش في توسيع مهامّها أو الحدّ من ميزانيّتها وإعادة تنظيم دورها، وهنا يدخل النقاش في حاجة هذه القوّات إلى معدّات إضافية كطائرات “الدرون” وغيرها لتكون أكثر فعاليّة. ولكنّ رغبة باريس هذه تختلف عن حسابات واشنطن التي تدقّ ناقوس الخطر في أكثر من ملفّ.
إقرأ أيضاً: إسرائيل تعلن الحرب على جوزف عون؟
رجّحت مصادر دبلوماسية أن تكون “الصفعة” لجنديّ “اليونيفيل” التي انتشرت صورها قاسية جدّاً على “الحزب” الذي أدرك أنّه يخسر هذه الورقة، وبالتالي يُرجَّح أن يعيد نوّاب “الحزب” التذكير بأهمّية هذه القوّات، تماماً كما أعلن النائب علي فيّاض رفض “الحزب” مواجهة القوّات الدولية، والتمسّك بما قاله رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي قبل أيّام حين أعلن صراحةً: “أنا مع قوّات “اليونيفيل” في جنوب لبنان، ظالمة كانت أم مظلومة”.
هل ينتهي الاشتباك إلى تعديل المهامّ تحت تهديد إنهائها أم تنجح إسرائيل بتحقيق ما أرادته دائماً؟