تتواصل الاحتجاجات في محافظة السويداء دون انقطاع منذ انطلاقة ما بات يُعرف محلياً بـ«الحراك الشعبي» في أواسط آب (أغسطس) الماضي، وطوال أكثر من أربعة أشهر خرجت تظاهرات وفعاليات متنوعة بشكل يومي في أنحاء المحافظة، فيما باتت «ساحة الكرامة» وسط مدينة السويداء عنواناً ومركزاً للحركة الاحتجاجية، التي لا تزال الأسئلة والنقاشات مفتوحة حول مستقبلها وآفاقها وتعبيراتها السياسية.

تمت إزالة رموز النظام  بما في ذلك صور رئيسه وأعلام حزب البعث من داخل المؤسسات الرسمية وعن معظم الأبنية على امتداد كامل المحافظة، وتمّت الإشارة إلى ساحة الاحتجاجات بلافتة طرقية شبيهة باللافتات الطرقية الرسمية كُتب عليها «ساحة الكرامة»، كما تمّ إسدالُ لافتة على كامل مبنى مديرية المالية المطلّ على الساحة تحمل الرقم 2254، في إشارة إلى القرار الأممي الذي يطالب المحتجون بتنفيذه لإنجاز التغيير السياسي في سوريا. ثمة اتّفاق في أوساط المحتجين على مطلب التغيير السياسي في سوريا، لكن طريق إنجاز ذلك ليس واضحاً بما يتجاوز التوافق اللفظي العمومي على هذا الهدف.

استقرار الساحة

في منتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تم استبدال أجهزة الصوت والمولِّدة الكهربائية المحمّلة على سيارة بأجهزة كبيرة وُضِعت على منصّة على شكل مسقوفة حديدية تُظلّل القاعدة التي كان يقف عليها تمثال الأسد الأب سابقاً، لتصدح اليوم بأغانٍ تُندّد به وبحكم ابنه.

علاء منذر هو أحد منظمي الحراك في السويداء، يقول للجمهورية.نت في إجابة على سؤال بشأن سبب نصب الخيمة في الساحة: «تأتي المنصّة كإثبات وتأكيد لامتلاك أهل السويداء ساحتهم. في السابق كان النظام يجبر الناس على الذهاب لتقديم الولاء له في خيم كان يسميها خيمة وطن».

يشير علاء منذر إلى الخيام التي كان ينصبها النظام في «مواسم الانتخابات» والتي كان الهدف منها إعلان الولاء للسلطة، ويتابع حديثه: «اليوم هذه منصّة للحرية والكرامة التي تسعى الاحتجاجات للوصول إليها. كما تمّ بناؤها أيضاً لمساعدتنا على اجتياز العوامل الجوية في منطقة السويداء المعروفة بطقسها القاسي في الشتاء، وهي رسالة إلى الجميع بأننا مستمرون دون توقف مهما طال الوقت».

يتطوع ناشطون يومياً للنوم في الساحة لحمايتها من أي محاولات تخريب مُحتمَلة، وبينما تتخذ الاحتجاجات من الساحة في مركز المدينة مكاناً ثابتاً دائماً لها، فهي أيضاً تطوف يومياً على قرى ومناطق السويداء في أيام الأسبوع، ليبقى يوم الجمعة مُخصَّّصاً للمظاهرة المركزية في ساحة الكرامة العامة.

وبينما اعتادت وفود تُمثّل القرى والمناطق على دخول الساحة رافعة أسماءها وشعاراتها المحلية، تشكَّلت أيضاً تجمُّعات ذات طبيعة نقابية مهنية كتلك التي تُمثْل الأطباء والمعلمين والمهندسين، وفي الجمعة الثانية من تشرين الثاني (نوفمبر) في صيغة مُشاركة مختلفة عن الصيغة المناطقية التي تُشكّل العمود الفقري للحراك، لم تُضفِ هذه الخطوة على الحراك تغييراً ملحوظاً، لا من ناحية أعداد المشاركين ولا من ناحية توجهات الحراك، لكنها كانت تعبيراً من نوع جديد عن خلفيات المشاركين والمشاركات في الحراك.

مع مرور الوقت تحولت ساحة الكرامة في المدينة إلى مساحة للتفاعل مع الأحداث التي تجرى خارج السويداء أيضاً، إذ أقام المحتجون وقفة عزاء للروائي الراحل خالد خليفة، كما تضامنوا مع أهالي غزة بارتداء الكوفيات الفلسطينية وتنظيم وقفة احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.

بثينة (42 عاماً) من الناشطات في الحراك الأخير في السويداء تقول للجمهورية.نت: «بعد هذه الاحتجاجات انفتحت السويداء على العالم. أصبحنا نتفاعل مع جميع الأحداث، ونستطيع إبداء موقفنا منها دون انتظار التعليمات الرسمية. أشعر بالكثير من الفخر والاعتزاز لأن السويداء كانت من أوائل المحافظات السورية التي تضامنت مع غزة، ودون انتظار توجيهات الأجهزة الأمنية للنظام أو موافقتها».

تقوم على تنسيق الاحتجاجات في مدينة السويداء اليوم لجنة تنظيمية، ضمّت في البداية مجموعة من الناشطين وعناصر من الفصائل المحلية المسلحة، وهدفها هو إفراغ الساحة يوم الجمعة من السيارات وتنظيم دخول الوفود إلى الساحة. مع انتهاء الشهر الثاني من الاحتجاجات، بدأت اللجنة تتوسع.

كرم منذر، وهو أحد الأعضاء المؤسسين في لجنة التنظيم، يقول للجمهورية.نت: «في البداية كانت اللجنة تضمّ ما يقارب الأربعين شخصاً، هدفها تأمين دخول الناس بشكل سلمي إلى ساحة الكرامة، ومنع حدوث أي إشكال أو خلافات بين المحتجين داخل ساحة الكرامة فقط، وتُرافقها لجنة أخرى وهي لجنة الحماية التي تتألف من عناصر فصائل لحماية المحتجين، هدفها تأمين المباني المحيطة بساحة الاحتجاجات. ثم بعد مضي نحو شهرين، وازدياد رقعة الاحتجاجات لتغطي معظم قرى وبلدات السويداء، تم التداول بشأن توسيع اللجنة، لتضمّ وجوهاً نسائية وأعضاء يعملون على تنسيق الاحتجاجات بين ساحة الكرامة والقرى التي تشهد نقاطاً احتجاجية، ولا تهدف اللجنة إلى تشكيل جسم سياسي أو بناء مشروع سياسي».

المظلّة الدينية

منذ بدء الحراك أصبح الشيخ الهجري شخصية مركزية، إذ أنه أصدر بياناً مؤيداً للمظاهرات بعد يومين من انطلاقها. نجح الهجري في توحيد فصيلين كبيرين في المحافظة، حيثحركة دجال الكرامة  الشيخ الهجري، كما زار ليث البلعوس قائد أكبر فصائل المحافظة مضافة الهجري داعماً إياه، وبهذا تم جمع أكبر فصائل الجبل تحت راية الحراك، بعد أسبوع، ظهر شيخ العقل وائل الحناوي في القسم الجنوبي من المحافظة، داعماً المحتجين في زيارته الأولى لبلدة القريا.

في مدينة السويداء ، والتقى بشيخ العقل يوسف جربوع المقرّب من النظام، وأصدر الشيخان الحناوي وجربوع بيان مشترك يدعمان فيه الحراك ويطالبان النظام بالتراجع عن قرار رفع الدعم عن المحروقات وإعادة تشكيل حكومة جديدة. ثم حيث تكرر حضور الحناوي في دعمه للاحتجاجات، بينما غاب الشيخ جربوع عن هذا المشهد لاحقاً.

استطاع الهجري استعادة المكانة التاريخية لعائلته في رئاسة طائفة الموحدين الدروز، بعدما سعى النظام إلى إبقاء مشايخ العقل الثلاثة على درجة متساوية، ثم جاء هذا على شكل إعلان رسمي في نهاية الشهر الماضي: «بتكليف من الشيخ الهجري تم انشاء=صفحة  رئاسة الروحية لتغطية نشاطات الهيئة»  الشيخ الهجري  كرئيس روحي للموحدين الدروز.

تحركات حزب البعث

في نهاية آب (أغسطس) الماضي شهدت مدينة السويداء دخول مسألة القصر العدلي على خط الاحتجاجات، حيث قام النظام بإغلاق أبوابه وتعطيل عمل القضاء، وذلك في محاولة منه للتأثير على الحراك الشعبي في المدينة. وردّاً على ذلك قام المحتجون في المدينة بنشر فيديو. يؤكدون فيه أن المحامي العام فؤاد سلوم، شقيق قائد الدفاع الوطني في المدينة، هو الذي أمر بإغلاق القصر العدلي وليس المحتجين.

ترافقت الاحتجاجات في ساحة الكرامة مع تلحيم أبواب مقر فرع حزب البعث وإغلاقه من قبل المحتجين، والتقطت عدسات الناشطين في 3 أيلول (سبتمبر)  بعد أن عجزوا عن دخول من الأبواب المغلقة. ثم في الخامس من الشهر نفسه علَّقَ المحتجون العمل بالإضراب العام الذي كانوا قد أعلنوه في بداية الحراك، فيما بقي مقر حزب البعث في المدينة مغلقاً بين أخذ وردّ، إذ يعمل النظام إلى فتحه مجدداً بينما يتناوب المحتجون بمساندة عناصر من الفصائل على إعادة إغلاقه.

في الوقت نفسه لم يستطع النظام حشد شارع موالٍ له في المدينة مقابل الشارع المحتجّ الذي يعتصم بساحة الكرامة، واقتصر نشاط أنصاره على تنظيم وقفة أمام اتحاد الصحفيين في على بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، فيما نشرت الصفحة الرسمية لحزب البعث في السويداء على فيسبوك، وقالت إنهم وفود جاءوا مُهنئين بمناسبة ذكرى «الحركة التصحيحية»؛ الانقلاب الذي استولى بنتيجته حافظ الأسد على السلطة قبل 53 عاماً.

كانت ذروة الصدام بشأن إغلاق مقر حزب البعث في 13 أيلول الماضي، عندما تعرَّضَ المحتجون  أثناء محاولتهم إعادة إغلاقه. توجّه الذين تعرضوا لإطلاق النار مباشرة إلى مضافة الشيخ الهجري، تريَّثَ الشيخ بهذا الشأن قائلاً إنه رجل دين لا رجل سياسة.

في 23 أيلول، وعن طريق عضو قيادة فرع حزب البعث، حسن الأطرش، دعا النظام  بحضور شيخ العقل يوسف جربوع، وذلك بهدف اتخاذ موقف داعم للنظام. خرج الاجتماع ببيان يعترف بوجود «مطالب مشروعة» للناس، مصحوباً بملاحظات حادة تنتقد شكل احتجاجهم.

بقي القصر العدلي مغلقاً طوال شهر أيلول في محاولة من النظام للضغط على الحاضنة الشعبية للاحتجاجات، مُحمِّلاً الحراك مسؤولية إيقاف القصر العدلي. ثم في خطوة رسمية، اضطر فؤاد سلوم إلى إصدار بيان   في بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر) يشير إلى سبب تعليق العمل في القصر العدلي، حيث أكد أن الظروف غير المستقرة والتهديدات للقضاة والموظفين لا تسمح باستمرار العمل القضائي نتيجة للاحتجاجات.

بعد أسبوع من صدور البيان تمت إعادة القصر العدلي إلى العمل، وكذلك تم فتح مقر حزب البعث لكن مع منع حدوث أي فعالية جماهيرية فيه، ما يشير إلى أن توافقاً على هذا قد تمّ. ثم في بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) الجاري، تجمَّعَ محتجون أمام مقر فرع الحزب في المدينة لمنع عقد المؤتمر السنوي لشبيبة حزب البعث.

في بقية أنحاء المحافظة قام المحتجون بالسيطرة سلمياً على مقرات الفرقة الحزبية في مدينة شهبا شمال المحافظة ، الأمر الذي قابله النظام بإصدار تعليمات تمنع أمناء الفرق الحزبية من استلام موجودات فرقهم كي لا يكون ذلك إقراراً رسمياً بفقدان السيطرة على المقرّات، ما دفع المحتجين إلى تسليم محتويات المقرّات لوجهاء محليين، وإعادة تسميتها

يوم الأحد الماضي حاول المحتجون في صلخد الدخول إلى الفرقة الحزبية في المدينة لتحويلها إلى مركز خدمي على غرار ما حصل في العديد من القرى في السويداء، وخاض المحتجون مع أعضاء من حزب البعث، في حين قام أحد أعضاءه بإطلاق النار لترهيب المحتجين. في اليوم التالي أرسل الهجري موفداً إلى المدينة، وتم الاتفاق على إعادة إغلاق الفرقة الحزبية في المدينة وتلحيم أبوابها، بينما صدربيان ادانة  من عائلة الشخص الذي أطلق النار.

الحلقة الأضعف في المحافظة الآن هم البعثيون الذين حافظوا على ولائهم للسلطة، وبعد فقدانهم لشعبيتهم ومقرّاتهم أصبحت اجتماعاتهم تُعقَد في البيوت، ولم ينجح النظام في إعادة تشكيل شارع موالٍ له نواته البعثيون المحافظون على ولائه.

يظهر الحراك بصورة سلمية موحّدة في مواجهة النظام وأنصاره في المُحافظة، لكنها هذا لا يعكس كامل الصورة، بل هنالك  العديد من العقبات التي يواجهها الحراك ويسعى الفاعلون فيه إلى تجاوزها.

الراية

تبدو مشهدية السويداء اليوم مليئة بالانقسامات حول قضية الراية التي اتُّخِذَت رمزاً للحراك. في بداية الحراك، كان علم البيرق ذو الخمسة ألوان يسيطر على الاحتجاجات في محاولة لتجنب التفرقة وتقليل التوترات المحلية. ومع مرور الأسبوع الثاني أصبح علم الثورة الأخضر يظهر بوضوح في إشارة إلى الثقة المتزايدة بقوة الحراك وقدرته على الصمود. لكن العلم الأخضر بدأ يُنظر إليه من قبل بعض المحتجين على أنه عامل تقسيم للحراك، وخاصة بعد حدوث عدد من الخلافات أثناء الاحتجاجات بسبب رفعه.

يرجع الانقسام على علم الثورة إلى ارتباط رمزيته بالمعارضة السياسية وفصائل المعارضة المسلحة، وفي هذا السياق تعمل لجنة التنظيم في الساحة على منع رفع أيّ من العلمين، الأخضر والعلم الرسمي الأحمر، في محاولة للحد من الانقسام بهذا الشأن، وبناءاً على ذلك أعلن حزب اللواء السوري المعارض التزامه بعدم رفع العلم الأخضر من أجل الحفاظ على وحدة الحراك، في حين تستمر الشعارات واللافتات المناوئة للنظام في التركيز على الأهداف المشتركة للمحتجين، ليزداد حضور العلم الأخضر في الاحتجاجات التي تشهدها القرى والبلدات، ويتم السعي إلى الحيلولة دون رفعه قدر الإمكان في ساحة الكرامة يوم الجمعة بهدف «حشد أكبر عدد من الجموع» بحسب مصادر من لجنة التنظيم داخل الساحة.

البحث عن جسم سياسي

مسحت الأجسام السياسية الجديدة التي ظهرت بعد الانتفاضة كل المحاولات التي كانت قبلها أو ابتلعتها، ومن ضمن تلك التشكيلات كانت الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني التي تأسست عام 2012 وتضم عدداً من الشخصيات الاجتماعية والسياسية، تيار المواطنة وكذلك أحد التيارات السورية التي ظهرت بعد عام 2011 والقريب من مجلس سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى وهو تشكيل محلي يشارك أفراده في الحركة الاحتجاجية السلمية، تجمع احرار الجبل  إضافة إلى أعضاء من أحزاب يسارية قومية أو شيوعية.

بعد الانتفاضة جرت عدة محاولات لتشكيل أجسام سياسية، ظهرت أولها في زيارة العميد المتقاعد نايف العاقل إلى الشيخ الهجري في اليوم العاشر للحراك، عندما دعا لتشكيل ما أسماه «هيئة اختصاصية» تضمّ كافة أطياف المجتمع وتشكيل مجلس عسكري للمحافظة. مبادرة العاقل قوبلت برفض شعبي من المحتجين في الساحة، ما دعاه إلى التراجع عنها والقول إن

المحاولة الثانية لتشكيل جسم سياسي جاءت في بيان صدر عن ، وأعلنت فيه الهيئة عن مشروعها السياسي المتمثل بالمطالبة بالتغيير السياسي والإفراج عن المعتقلين. يقول نبراس الخطيب، الذي يداوم على حضور لقاءات الهيئة السياسية، للجمهورية.نت: «تأتي أهمية الهيئة السياسية في محاولتها خلق جسم سياسي. النظام حرمنا من السياسة، وإذا لم ننجح في تشكيل أجسام سياسية ناطقة باسم وهموم الناس، فإننا نساهم في هذا التصحر السياسي الذي أسسه النظام».

يتابع الخطيب: «نحن أمام ثلاثة سيناريوهات؛ إما تطبيق القرار الدولي 2254 وهذا ما تسعى الهيئة إلى الضغط لتطبيقه، أو إدارة ذاتية وهو ما تسعى له قوى أخرى ويرفضه الحراك الشعبي والمرجعيات الدينية، أو الذهاب لتوسيع قانون الإدارة المحلية بحيث يتم انتخاب مجلس محافظة في السويداء، ومن هنا تأتي أهمية تشكيل أجسام سياسية عابرة للتكتلات العائلية».

قالت الهيئة في بيانها التأسيسي منتصف شهر أيلول إنها نسفت  مع الشيخ الهجري، الأمر الذي نفاه الهجري قائلاً إنه منفتح على جميع الطروحات لتشكيل تجمّعات سياسية لكن دون تبني أي جسم سياسي من جانبه.

بعد محاولة تشكيل الهيئة السياسية بدأ تشكل مكون جديد حمل اسم الكتلة الوطنية  وبحسب ما تم الإعلان عنه في بيان تأسيسها، تتألف الكتلة من مجموعة من المندوبين على مختلف الجغرافيا السورية لدعم الحراك المدني السلمي، بحيث تكون الكتلة مساحة جامعة للنقاط الاحتجاجية من أجل التنسيق والحوار وصولاً إلى تطبيق القرار الدولي 2254 القاضي بالتغيير السياسي.

ورغم إعلان الكتلة عن أنها تملك مندوبين على كامل الجغرافيا السورية، إلا أن نشاطها بقي مقتصراً على محافظة السويداء دون ظهور أي فاعلية للكتلة خارجها، حيث زار وفد من الكتلة مضافة الشيخ الهجري الذي أعلن مجدداً أنه داعم لجميع التجمُّعات دون الانحياز لتجمُّع أكثر من الآخر، كما بدأت الكتلة ببناء شبكة مندوبين بين كافة قرى ومناطق المحافظة لتنظيم الوقفات الاحتجاجية فيها.

سالم الشوفي أحد المنتسبين للكتلة يقول للجمهورية.نت: «الكتلة ليست جسماً سياسياً بل هي عبارة عن تجمّع يدعم الحراك المدني في السويداء، حيث يقوم أعضاء الكتلة بالتنسيق لاستمرار الحراك. دور الكتلة تنسيقيٌ أكثر ممّا هي متفقة على برنامج عمل سياسي محدد وواضح».

وحده حزب اللواء السوري هو الذي يحافظ على وجوده كتشكيل سياسي داخل الحراك في السويداء. ورغم زيارة وفد من الحزب للشيخين الهجري والحناوي، إلا أنه يواجه معارضة داخل الحراك الشعبي تُعزى إلى عمليات الاقتتال الداخلي التي خاضها الحزب في الماضي داخل السويداء، فضلاً عن دعوته إلى اللامركزية التي لا تلقى تأييداً بين مجموعات الحراك الشعبي.

وبالرغم من محاولة حزب اللواء تعزيز ظهوره في مشهد الحراك، تقوم لجنة التنظيم بمنع رفع أي لافتات تحمل أسمه داخل ساحات الاحتجاج. يُمنَع أيضاً رفع صور سامر الحكيم، القائد العسكري لحزب اللواء الذي قضى في اقتتال داخلي. وفي محاولته للتغلُّب على هذا النفور، يتجه الحزب نحو النشاطات الخدمية مثل تقديم حصص غذائية وتأمين صهاريج المياه.

المحامي أيمن شيب الدين، أحد أبرز الحقوقيين المناصرين للحراك، يقول للجمهورية.نت إن الرفض الشعبي للحزب يرجع إلى «طبيعة أدائه السياسي وتورطه في الأعمال العسكرية داخل المحافظة». ويضيف شيب الدين أن الحراك الشعبي انطلق كحراك أهلي وطني، و«تسارعت التشكيلات السياسية إلى تشكيل هيئات وكتل وتيارات، ما أدّى إلى ضعف المشاركة الأهلية في الحراك». وهو يؤكد على أن «الوقت لم ينضج بعد لتشكيل هياكل سياسية فعّالة»، مُشدِّداً على أهمية تعزيز دور الساحة وتجنُّب الحديث عن أجسام سياسية دون وجود آليات فعّالة، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى «زيادة الانقسام بدلاً من تحقيق الوحدة».

رسّخت الانتفاضة قطيعة بين محافظة السويداء والنظام، بينما اختار النظام الإبقاء على علاقته مع المحافظة بتجاهل الاحتجاجات على المستوى الرسمي، وعدم قمعها باستخدام أجهزته الأمنية والعسكرية مراهناً على بقائها معزولة وعدم امتدادها خارج المحافظة. ورغم اتساع دائرة الاحتجاجات في السويداء وثباتها، تواجه تحديات أبرزها عدم قدرة الحراك على جذب الحاضنة الاجتماعية في مدينة السويداء مركز المحافظة، إذ انتشرَ فيديو مُصوَّر يُظهِر لقاء وفود من فصائل في مدينة السويداء بالشيخ يوسف جربوع المقرَّب من النظام، وهددت المجموعات أثناء الاجتماع باستخدام الرصاص في حالة حدوث أي تصعيد قد يقوم به الحراك في مدينة السويداء، ليبقى الحراك الأساسي مُكوَّناً من سكان القرى والأرياف المحيطة بالمدينة الذين يأتون إلى ساحة الكرامة في المدينة للاحتجاج فيها، وبمشاركة أعداد قليلة من أبناء المدينة نفسها. أما التحدي الأبرز الذي يواجه الانتفاضة فهو عدم قدرتها حتى الآن على بناء تحالفات فعّالة وتشكيل هيكل أو جسم سياسي يُمثّلها ويبني برنامجاً سياسياً لها، ما يُنذر باحتمال فشلها رغم كل هذا الزخم والثبات.