يعرف الشيخ ياسر عودة بأنه معارض لـ “حزب الله” وحركة “أمل” وينتقدهما علانية وفي الإعلام (مواقع التواصل)
ملخص
تعرض الشيخ اللبناني ياسر عودة للاعتداء في الضاحية الجنوبية لبيروت من قبل مختار منطقة الباشورة محمد شحرور، المعروف بقربه من “حزب الله”، مما أثار موجة استنكار واسعة واتهامات للحزب بالوقوف وراء الاعتداء.
الفيديوهات الموثقة أظهرت شحرور وهو يترصد الشيخ عودة ويعتدي عليه لفظياً وجسدياً، مهدداً إياه بسبب مواقفه الإعلامية المنتقدة للحزب.
أثارت حادثة الاعتداء على الشيخ اللبناني ياسر عودة في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل ساعات موجة من الاستياء والاستنكار، فيما وُجهت أصابع الاتهام إلى “حزب الله” كون المعتدي على الشيخ عودة هو مختار منطقة الباشورة محمد شحرور المقرب من الحزب، وكذلك لكون عودة من أشد المعارضين للحزب منذ أعوام.
وما إن وقعت حادثة الاعتداء حتى عدَّ كثر أنها تستهدف الكلمة الحرة والرأي المستقل، ووصفها “ائتلاف الديمقراطيين اللبنانيين” الذي يضم مجموعة من الناشطين والمثقفين الشيعة في لبنان، بأنها “محاولة مكشوفة لإسكات الصوت المعتدل والمنفتح الذي يمثله عودة”.
وذهب الصحافي والناشط السياسي محمد بركات المعارض لـ”حزب الله” إلى حد المطالبة بحماية دولية لهؤلاء الأشخاص، وعلى منصة “إكس” كتب “يلعب ’حزب الله‘ بالنار. بدء الاعتداءات على الشيعة ينذر ببدء الاغتيالات. ونطلب حماية دولية”. في المقابل، نفى محامي الشيخ عودة حسان بزة أية مسؤولية للحزب، وقال إن خلفيات الاعتداء دينية.
هذا وعلت الأصوات المطالبة بمحاسبة المعتدي ومن يقف خلفه، ودعا أصحاب هذه الأصوات رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام إلى حماية الحريات وعدم المساومة عليها. واتجهت الأنظار إلى وزارة الداخلية التي تعطي وزيرها، وفق القانون، سلطة استنسابية بتجميد “ختم” (صلاحيات) المختار طالما هو ملاحق، وتصبح ملزمة عندما يصدر بحق المختار المتهم قرار ظني بجنحة أو جنحة شائنة، والمختار بحسب قانون المختارين هو ضابط عدلي مساعد للنائب العام، متعقب للجرائم ويجب ألا يكون مجرماً، وهو أيضاً أمين السجل العقاري للعقارات غير الممسوحة. فهل يفعلها الوزير أحمد الحجار؟
مصادر مقربة من وزير الداخلية أحمد الحجار تؤكد بدورها أن قرار بسحب أو تجميد ختم المختار المعتدي على الشيخ عودة، يتوقف على نتائج التحقيقات وقرار القضاء، وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه.
حتى الساعة، التزم “حزب الله” الصمت لكنه أرسل وفداً لزيارة الشيخ عودة للاطمئنان عليه كما كشفت معلومات لـ”اندبندنت عربية”.
أما المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، والذي حاولنا التواصل مع مكتبه الإعلامي، فرفض التعليق على الحادثة بانتظار ما سيقرره الشيخ علي الخطيب في هذا الشأن. علماً أن الشيخ عودة كان من بين المستهدفين ضمن بيان صدر خلال أغسطس (آب) 2023 عن هيئة التبليغ الديني في المجلس، عدَّ أن الشيخ عودة ومشايخ آخرين “غير مؤهلين لارتداء الزي الديني وإنذارهم بخلعه تحت طائلة اعتبارهم منتحلي صفة رجل دين، وإجراء المقتضى القانوني بحقهم” ثم عاد “المجلس” ونفى علمه بقرار هيئة التبليغ الديني التابعة له.
هل الأسباب دينية؟
يوضح محامي الشيخ عودة حسان بزي أن المعتدي، أي مختار منطقة الباشورة، موقوف راهناً بعد دعوى قدمت لدى فصيلة حارة حريك ولا يزال هناك، ويكشف عن أن الحادثة ليست عرضية ولا علاقة شخصية بين المعتدي والمعتدى عليه، وأن شحرور أدلى برواية “تافهة” عن سبب المشكلة، ادعى فيها أن الشيخ عودة توجه له بالسباب والشتائم حين حصل تصادم بين دراجتيهما.
لكنه وجه لاحقاً بمجموعة فيديوهات واضحة بالصوت والصورة تكذب روايته، وتظهر أنه كان يستعد عن سابق تصور وتصميم للاعتداء على الشيخ عودة، وكان يتحين لحظة خروجه من مكتبه للحاق به وضربه.
وتظهر الفيديوهات المتداولة أن الشيخ عودة الذي فقد خلال الحرب الأخيرة منزله وسيارته، خرج من مكتبه واستقل دراجة نارية مع شاب، ونزع العمامة احتراماً حتى لا يقال إن “الشيخ” يتنقل على دراجة نارية، فلحق به المختار على دراجة نارية واعترضه وبدأ بالاعتداء عليه من دون أي سبب، متوجهاً إليه بالشتائم والسباب والتهديدات، متوعداً أنه إذا كرر إطلالاته التلفزيونية فلن يرحمه، واتهمه بأنه يتحدث بالسوء عن أمين عام “حزب الله” السابق حسن نصرالله وعن الحزب.
بحسب محامي الشيخ عودة، فإن خلفيات الاعتداء تجمع السياسة والدين معاً، كما في خلفيتها الاحتجاج على بعض المفاهيم لدى الطائفة الشيعية التي هي مقدسة لدى بعض ولا قيمة لها لدى بعض الآخر. ويكشف عن أن المختار يظهر في كل الفيديوهات مهدداً بالقتل والضرب إذا استمر الشيخ بهذه المفاهيم.
ويستبعد المحامي بزي أية علاقة مباشرة للحزب بالاعتداء، معتبراً أن الأخير وسط الضغوط التي يتعرض لها لا يمكن أن يجلب على نفسه مشكلة من هذا النوع، ويشرح بأن الشيخ عودة في الحرب الأخيرة كان أعلن ضمن أكثر من مقابلة صحافية وقوفه إلى جانب الحزب ضد إسرائيل، ويؤكد أن خطابه منذ سبتمبر (أيلول) الماضي متزن، ولم يقدم على أي شيء قد يبرر وقوف “حزب الله” وراء الاعتداء، وهو خلال الفترة الأخيرة يكتفي بالخطابات الدينية انطلاقاً من قناعته بأن البيئة المدمرة لا تحتاج إلى خطابات عالية السقف.
هزيمة أخلاقية بعد الهزيمة العسكرية
على رغم توضيح المحامي بزي بأن الحزب لا يقف مباشرة خلف هذا الاعتداء، لكن كثراً شككوا بهذه النظرية وقالوا إن يد الحزب موجودة فيما حصل بصورة مباشرة أو غير مباشر، وبخاصة خلال هذه الفترة بالتحديد إذ يتعرض لضغوط كثيرة داخلية وخارجية لم يشهدها منذ ثمانينيات القرن الماضي.
منسق حركة تحرر من أجل لبنان علي خليفة وصف لـ”اندبندنت عربية” الاعتداء على الشيخ ياسر عودة بالهزيمة الأخلاقية بعد الهزيمة العسكرية والثقافية والاجتماعية، التي حلت بـ”حزب الله”. وعدَّ أن “الحزب بات غير قادر على تحمل أي اختلاف بوجهة النظر أو الخطاب السياسي الذي قد يعري مزاعمه أو بطلان مشروعه الذي سقط بصورة قاطعة.” وتابع “الاعتداء أيضاً نتيجة التخبط الرسمي وعدم الحسم في معالجة قضية السلاح الذي أصبح ضعيفاً بعد الهزيمة العسكرية ولكنه كافٍ للاستقواء على أبناء بيئته المتململين بوجهه وكاف لإشاعة القلق وافتعال الأحداث الأمنية”.
يتهم المعارض الشيعي “حزب الله” بأنه “درج على تصفية معارضيه بالاغتيال المعنوي عبر شيطنتهم وتخوينهم وصولاً إلى الاغتيال الجسدي”، مستذكراً كيف “قتل عناصر الحزب بدم بارد الناشط السياسي هاشم السلمان وهو يقف احتجاجاً أمام مبنى السفارة الإيرانية”. واستناداً إلى تجربته الشخصية يشرح خليفة كيف مُنعوا (كمعارضين للحزب) من قبل مسلحي حركة “أمل” و”حزب الله”، على حد قوله، من إطلاق لائحتهم ضمن الانتخابات النيابية الماضية عام 2022 في دائرة الجنوب الثانية، على مرأى من عناصر استخبارات الجيش اللبناني الذين أنقذوهم من الاعتداء ولكن لم يمنعوا المسلحين من فرض سطوتهم.
خليفة عدَّ أخيراً أن هناك مسؤوليات تقع على رئيس الجمهورية الذي يفترض به ألا يساوم على قضايا مصيرية كالسلاح غير الشرعي الذي يتطلب حسماً لا حواراً، ومسؤوليات تقع على عاتق الحكومة لتنفيذ القرارات الدولية ومنها 1701 ووثيقة الوفاق الوطني لناحية حصرية السلاح بيد الدولة، وهناك مسؤوليات تخص القضاء وعليه التحرك وفرض القانون.
في لبنان “المناضلون” يقتلون مرتين… لقمان سليم قتل على يد القضاء
“حزب الله” يستعجل الربح السياسي قبل تسليم سلاحه
ياسر عودة: البيئة الشيعية في لبنان تعاني ومن يتجرأ يتعرض للترهيب
ليس من شيم الحزب الاعتداء على شيخ
في المقلب الآخر، يعد الصحافي والكاتب السياسي فادي أبو دية أن لا علاقة لـ”حزب الله” ولا لحركة “أمل” بهذا الاعتداء المدان والمرفوض، جازماً أن لا خلفية سياسية له. وعدَّ أن هناك من يريد أن يلصق أي عمل فردي داخل منطقة محددة أو طائفة معينة بأن يقول إن الحزب إرهابي أو يريد أن يفرض سطوته على الناس بالقوة والسلاح. ويؤكد أبو دية أن الحزب لم ولن يمارس هذه الأفعال لا سابقاً ولا حالياً. وذكر أن هناك معارضين شيعة يعيشون في قلب مناطق “حزب الله” ويجاهرون بما هو أسوأ مما يجاهر به الشيخ عودة، ولم يتعرض لهم أحد. ويسأل الصحافي المقرب من الحزب هل هناك طابور دخل على الخط لمحاولة تضييع وإلصاق التهمة، معتبراً أن هذا ما سيكشفه التحقيق، لكن الأكيد أن الحزب لا علاقة له بما حصل وليس من شيمه ولا من أخلاقه أن يمارس مثل هذا الاعتداء على أحد. وإذ يدعو إلى أن يأخذ التحقيق مجراه ومعاقبة المسؤول، يرى أنه قد يكون هناك فرد أو مجموعة وراء هذا العمل.
لماذا الشيخ عودة؟
وفي تفاصيل الحادثة وفق ما نقله شاهد عيان أيضاً أن الشيخ عودة كان خرج من مكتب السيد محمد حسين فضل الله في حارة حريك، حين هجم عليه المختار شحرور وبدأ بضربه، قائلاً “إذا سمعتك تتحدث بكلمة واحدة في الإعلام وتنتقد الحزب سأصفي دمك على الأرض”. وفي السياق، عدَّ أكثر من مصدر سياسي وأمني أن “حزب الله “يقف وراء الاعتداء، وأن المختار المعتدي على الشيخ عودة محسوب على الحزب. أما أسباب الاعتداء فليست مرتبطة بموقف محدد بقدر ما هي متابعة لسلسلة مواقف سابقة للشيخ عودة، لم تخل من انتقادات مباشرة وعالية السقف وكان لها وقعها داخل الطائفة الشيعية، وبخاصة أن الحزب لم يعد قادراً اليوم على تقديم المال والمساعدات كما كان قبل الحرب.
وكانت انتقادات الشيخ عودة للحزب بلغت حد اتهامهم بالفساد، فهو شارك في تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) 2019 في اصطفاف واضح إلى جانب مطالب الناس. ولم يتردد في الحديث عن صفقات أزلام الحزب والمحسوبين وتغطيتها بشعارات كبيرة، ومن تصاريحه “أنا واضح في موقفي وأعني كلهم يعني كلهم، أي الفاسدين الذين شاركوا في السلطة منذ 30 عاماً حتى اليوم، إما بالسكوت أو التوقيع على المشاريع… إذا نواب “الثنائي الشيعي” لم يكونوا على علم بـ”التنفيعات” والفساد فهم فاشلون، وإذا كانوا على علم فهم خائنون لمن انتخبهم، مثلهم مثل كل النواب في المجلس”.
كان له إطلالات على خطاب الحزب السياسي بمنظور نقدي، وعارض استخدام العنف الذي تمارسه ما سماه بالجماعات المدعومة من إيران في لبنان والعراق ضد خصومها في البلدين، وميز بين السلاح الذي يستخدم لمقاومة العدو والسلاح الذي يمكن أن يستخدم في الداخل. وفي حديث سابق لـ”اندبندنت عربية” منذ عام، أشار عودة إلى أنه “ضد استعمال السلاح في الداخل مهما كان ولأي شيء كان، ضد الفتن وضد قتال اللبنانيين في ما بينهم. وأن حل معضلة السلاح والذي تحول إلى إقليمي ودولي ليس في لبنان، بل بين واشنطن وطهران”. وشدد أنه “يجب حصر مهمة السلاح في قتال العدو الإسرائيلي إذا ما قام بالاعتداء على الأراضي اللبنانية”.