مع كل ساعة تمرّ، يقترب الشرق الأوسط أكثر فأكثر من حافة الانفجار الكبير. فالتصريحات التصعيدية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول احتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية إلى إيران، لم تعد مجرّد تكهّنات، بل باتت توحي بعدٍّ عكسيّ لانفجارٍ إقليمي – نووي، تتجاوز تداعياته طهران وتل أبيب، لتشمل ساحات مشتعلة أو مهيّأة للاشتعال، من العراق وسوريا إلى لبنان، حيث يتكرّر السؤال الموجع: هل ينجرّ “حزب الله” إلى معركة جديدة من معارك الإسناد الايراني؟
المخاوف اللبنانية تتجاوز الطابع العسكري، إلى ما هو أعمق وأكثر خطورة. فكل اضطراب إقليمي من هذا النوع يرتدّ على الداخل اللبناني المتصدّع أصلاً، ويُهدّد ما تبقّى من مقوّمات الصمود الاقتصادي والاجتماعي. ومع اقتراب ذروة موسم الصيف، تتلاشى موجة التفاؤل الهش بانتعاش سياحي طال انتظاره، ليحلّ مكانها شبح حرب قد تعصف بأي فرصة للتهدئة أو التعافي.
التحذيرات التي تُطلق في العلن لا تقل خطورة عما يُحاك في السرّ. مبعوث ترامب الخاص حذّر من “هجوم إيراني واسع عالي الخسائر” قد يربك الدفاعات الاسرائيلية، بينما تتداول دوائر القرار الأميركية خيارات عسكرية “واسعة النطاق”، في وقت تُستدعى العائلات الأميركية من المنطقة وتتحرك الطائرات نحو القواعد القريبة. هذه المؤشرات، التي تذكّر بأجواء ما قبل غزو العراق، تضع لبنان أمام مأزق وجودي: بين الخطر القادم من الخارج، والانفجار القابل للاستدعاء من الداخل.
وفق تقارير استخبارية، تمتلك إيران أكثر من ألفي صاروخ باليستي قادر على إصابة العمق الاسرائيلي وأهداف أميركية في الخليج. أي ضربة قد تطال طهران هذه المرة لن تكون رمزية، بل تهدف إلى تحطيم بنيتها الاستراتيجية. لكن الأخطر أن “حزب الله”، بحكم تموضعه داخل المحور الايراني، سيُعامل كجزء من المعركة، سواء قرر الدخول فيها أم لا. وهنا يكمن الخطر اللبناني: أن يتحوّل إلى خط نار إضافي بلا قرار داخلي، وبلا قدرة على لجم التداعيات.
حتى الآن، لم يصدر عن الحزب أي موقف واضح تجاه التصعيد المحتمل، وكأن ما يُحاك لإيران لا يعنيه، أو أنه يراهن على أن يكون جزءاً من الرد لا من الفاتورة. لكنّ أسئلة الداخل تتراكم: هل يريد الحزب فعلاً خوض حرب جديدة؟ وهل يتحمّل لبنان، في هذه المرحلة بالذات، حرباً لا يملك ترف توقيتها ولا أدوات صمودها؟ الأكيد أن كلفة “الإسناد” هذه المرة ستكون أفدح من كل ما سبق، وقد يكون الحزب بذلك يكمل مسار انتحاره السياسي والعسكري، عبر تكرار السيناريو ذاته الذي أرهق البلاد في كل مرّة.
في الميدان، مساء الخميس، أشعل الطيران الحربي الجنوب اللبناني حيث استهدفت غارة من مسيرة دراجة نارية في بلدة النبطية الفوقا. .
وتعرضت منطقة تبنا في أطراف بلدة قاقعية الصنوبر إلى ثلاث غارات، كذلك استهدفت غارتان منطقة الزغارين بين بلدتي سجد والريحان.
على المقلب الرسمي، تحاول الدولة اللبنانية تثبيت نوع من الحياد الوقائي، وسط مؤشرات ضغط متصاعدة. فقد أجرى الجيش اللبناني عمليات كشف ميداني على مبانٍ في الضاحية الجنوبية لبيروت، بطلب من اللجنة الخماسية، في محاولة لطمأنة المجتمع الدولي إلى جدية الالتزام بالقرار 1701. في المقابل، صعّد وزير الدفاع ميشال منسى من لهجته تجاه الاعتداءات على “اليونيفيل”، مؤكداً أنها “تخدم العدو الإسرائيلي”. وشدد على ضرورة “التجديد للقوة الدولية من دون تعديل”، بما يثبّت الاستقرار ويُمهّد لبدء إعادة الإعمار.
أما على خط الأمم المتحدة، فكان لافتاً موقف المتحدث باسم “اليونيفيل” أندريا تنينتي الذي اعتبر أن “بعض الأطراف يُقيّد حركة القوات الدولية”، موضحاً أن القرار 1701 يتيح لها التحرك من دون إذن الجيش اللبناني. وأكد أن الحديث عن إنهاء المهمة مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة.