مع سقوط نظام بشار الأسد نهاية عام 2024 عقب العملية العسكرية الواسعة التي قادتها “هيئة تحرير الشام” تحت مسمى “ردع العدوان”، دخلت سوريا مرحلة مفصلية أعادت تشكيل المشهد السياسي والعسكري، حيث كشف الانهيار السريع لبنية الجيش السابق وتفكك قياداته وانسحاب مراكزه من مناطق واسعة هشاشة المؤسسة التي كانت العمود الفقري للنظام، مما أتاح فرصة للبحث عن صيغة جديدة لبناء جيش وطني جامع.
وفي كانون الثاني/ يناير 2025، عُقد “مؤتمر النصر” بمشاركة عدة فصائل مسلحة، وأُعلن خلاله حل حزب البعث وجيش النظام والأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى حل الفصائل نفسها، إلا أن المؤتمر واجه انتقادات واسعة لغياب مكونات سياسية ومجتمعية مؤثرة، وافتقاده لرؤية واضحة ومتكاملة لبناء مؤسسة عسكرية جديدة.
اليوم، وبعد مضي أشهر على هذه التحولات، لا تزال صورة الجيش السوري الجديد ضبابية، لم تُحدد بعد معايير الانتساب، ولا آليات دمج الفصائل، أو العناصر المنشقة عن النظام السابق أو الأجنبية، وسط هذه الضبابية، يبرز سؤال جوهري في الشارع السوري.. هل سيكون هذا الجيش وطنياً فعلاً، جامعاً لمختلف السوريين، ومستقلاً عن الاصطفافات السياسية أو الجهوية أو العقائدية؟
اقرأ أيضاً: واشنطن: وافقنا على انضمام المقاتلين الأجانب إلى الجيش السوري – 963+
الخطوط العريضة مرسومة لكن التنفيذ معقد
في حديث خاص لـ”963+”، يقول الدكتور محمد عباس، الباحث والخبير في الشؤون العسكرية، إن وزارة الدفاع، ومنذ سقوط النظام، تسعى إلى “رسم الخطوط العريضة لبناء القوات المسلحة السورية وفق العقيدة الوطنية الجديدة”، مشيراً إلى أن عملية الدمج تواجه “صعوبات كبيرة ناجمة عن التناقضات بين الفصائل، سواء من حيث الأيديولوجيا أو الخلفية الثقافية أو التركيبة الإثنية”.
ويضيف أن “العمل جارٍ على دمج الفصائل التي ساهمت في إسقاط النظام ضمن عقيدة جديدة، لكن هذا المسار بطيء بسبب حجم التعقيدات”.
وحول الدور التركي في بناء الجيش الجديد، يشير إلى أن أنقرة تلعب “دوراً حاسماً لا يقتصر فقط على التدريب، بل يشمل توفير المناهج والأدوات اللازمة لإعادة التأهيل العسكري الشامل، على المستوى التكتيكي والعملياتي والاستراتيجي”.
أما فيما يخص مستقبل تسليح الجيش السوري، يوضح عباس أن التوجه الحالي هو نحو المعسكر الغربي، قائلاً إن “الاعتماد سيكون على أسلحة ووسائط من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وغيرها من دول الناتو، وهذا الخيار يبدو أكثر قابلية للتنفيذ في ظل التحالفات الحالية”.
ومع ذلك، يحذر عباس من العقبات التي قد تعترض هذا التوجه، خاصة في ظل الرفض الإسرائيلي الصريح لأي مشروع يعيد بناء جيش سوري قوي، مضيفاً أن “إسرائيل كانت واضحة بأنها لن تسمح بقيام جيش سوري قادر على الدخول في صراع إقليمي مجددًا، رغم تصريحات رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع بأن سوريا لن تشكل تهديدًا لأحد، وتسعى للسلام مع دول الجوار”.
وفيما يخص دمج المقاتلين الأجانب، يرى عباس أن هذه المسألة “تشكل تحدياً كبيراً في ظل الخصوصيات الأيديولوجية والإثنية لبعض تلك التشكيلات”، ويقول: “إذا ما انضمت هذه العناصر إلى الجيش السوري الجديد ككتلة واحدة، فإن ذلك يتناقض مع الهوية الوطنية السورية، وقد يؤدي إلى تشكّل بؤر غير منسجمة مع العقيدة العسكرية”.
ويتابع أن “هذه العناصر بحاجة إلى نزع السلاح، وإعادة التأهيل النفسي والفكري، وترويض النزعات العابرة للهوية الوطنية، عملية الدمج معقّدة، وتحتاج إلى جهد تربوي وأخلاقي واجتماعي كبير حتى تصبح تلك العناصر قابلة للانخراط في مؤسسة وطنية منضبطة، لا تشكّل عبئًا على المجتمع أو الجيش”.
ويختم بالتحذير من أن “أي انخراط جماعي غير منضبط قد يُنتج ولاءات مزدوجة داخل الجيش، وهو ما يتعارض جذريا مع مبادئ إعادة التأسيس الوطني”.
اقرأ أيضاً: عراقجي: سوريا خرجت من “محور المقاومة” والجيش السوري انتهى – 963+
الشفافية مفقودة… والتمييز يُضعف الثقة
من جانبه، يقول قاسم الحريري وهو ضابط سابق في الجيش السوي الحر وكان منشقاً عن النظام السابق، في حديث لـ”963+”، إن التواصل بين وزارة الدفاع والضباط المنشقين لا يزال غائباً على المستوى المؤسسي، رغم وجود “إرادة حقيقية لدى كثير من العسكريين للمشاركة في بناء جيش وطني جديد، بعيداً عن التسييس والطائفية”.
ويضيف: “حتى الآن، لم يتم تفعيل قنوات رسمية للتواصل، بعض الضباط المنشقين رُفضوا لأسباب شخصية أو نتيجة خلافات سابقة بين القيادات، وهو ما يهدد بتكرار الإقصاء الذي عانيناه سابقاً”.
ويشير إلى أن بعض حالات القبول تمت على أساس “صلات شخصية أو قرابة مع قيادات الوزارة الحالية”، ما أضعف ثقة عدد من العسكريين المنشقين في عدالة العملية.
وفيما يتعلق بالفصائل المسلحة ذات الطابع المدني، يشدّد الحريري على أهمية التمييز بين “من حمل السلاح بدافع الحماية والدفاع عن النفس”، وبين “من ارتكب انتهاكات أو تجاوزات”، قائلاً أن “عملية الدمج يجب أن تقوم على أسس وطنية واضحة، تراعي العدالة الانتقالية، وتضمن التأهيل والتدريب، وتفتح المجال أمام الجميع دون تمييز”.
ويختم بالقول: “نتوقع من وزارة الدفاع السورية الجديدة أن تُعيد تشكيل المؤسسة العسكرية على قاعدة الكفاءة والانتماء الوطني، ضمن إطار قانوني ومؤسساتي شفاف، وبمشاركة مجتمعية تُعيد للجيش شرعيته أمام السوريين”.