يبدو أن قرار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الإمام الخمينى بقبول وقف إطلاق النار مع العراق فى يوليو 1988 الذى رآه بمثابة «تجرع السم»، قد كرس لفكرة «تجرع السم» كخيار فى السياسة الإيرانية. وهى الفكرة التى ربما حملت إيران نفسها على التمادى فى بعض السياسات والتكتيكات التى تتبعها فى إدارة علاقاتها مع أطراف مختلفة وطريقتها فى التعامل مع ملفات معينة.
المشكلة أن فكرة تجرع السم تتطلب ألا تفقد القدرة على تحديد لحظة تجرعه. الخمينى هو من قرر تجرع السم بإنهاء الحرب مع العراق. اليوم تبدو إيران مفتقدة تماما للقدرة على اتخاذ قرار تجرع السم. لقد فرض عليها تجرعه!.
المؤكد أن إيران لا تريد حربا حقيقية مع إسرائيل. المؤكد أنها لا تريد لمفاوضاتها بشأن برنامجها النووى أن تصل لتقييده. المؤكد أنها لا تزال على موقفها بالنظر إلى أمريكا على أنها «الشيطان الأكبر». السم المفروض على إيران تجرعه اليوم تحت وطأة ما يحدث فى المنطقة منذ 7 أكتوبر 2023، هو الدخول فى حرب فعلية لم تسع لها يوما مع إسرائيل، وفضلت ممارسة تلك الحرب بمنهج «حرب الوكالة» عبر أذرعها فى المنطقة خاصة حزب الله فى لبنان.
إن لم تستسغ إيران سم الحرب مع إسرائيل فليس أمامها إلا تجرع سم الدخول فى مفاوضات جدية طبقا لمفهوم ترامب وليس غيره، وتقديم التنازلات التى يريدها «الشيطان الأكبر» خلال مهلة محددة، إذ لم يعد مسموحا لها الاستمرار فى سياسة التفاوض من أجل التفاوض بينما تخصيب اليورانيوم جار ومستمر ويتزايد.
ما يحدث برد إيران منذ الجمعة الماضية هو اضطرار إيران لتجرع سم الحرب مع إسرائيل بعض الوقت إنقاذا لسمعتها، ولكنها حتما ستلجأ مضطرة أيضا إلى التعايش مع سم التفاوض الذى لا يزال ترامب يقدمه لإيران ويحثها على تجرعه، خاصة وأن بديل أو إمكانية تحويل إيران الحرب إلى حرب إقليمية شاملة وربما دولية بإغلاق مضيق هرمز واستهداف القواعد والقوات الأمريكية غير مطروح فهو سم سريع المفعول ويمتد ليطال إيران، نظاما ودولة، وليس برنامجا نوويا فقط.
*رئيس تحرير مجلة “مختارات إسرائيلية” * رئيس برنامج الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية .