في أول امتحان جدي لقدرتها على إدارة الأزمات الخارجية، تجد الإدارة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع نفسها أمام اختبار إقليمي، يتمثل في التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، والتي تتطاير شررها فوق الأراضي السورية، وتحولت محافظتا القنيطرة ودرعا جنوبي البلاد، إلى ساحة مواجهة جوية لا تشبه أي مواجهة سابقة منذ سنوات، كما أن سماء العاصمة دمشق صارت مشتعلة بالصواريخ، وفي هذا السياق يشير محللون سياسيون إلى أن الحكومة السورية تواصل عملها وفق أولوية تثبيت الاستقرار في السياسة الخارجية والداخلية.
سقوط صواريخ ومسيرات إيرانية في الجنوب السوري
شهدت درعا والقنيطرة يومي الجمعة والسبت الماضيين، تطورات ميدانية متسارعة، بعد أن تحولت سماء المحافظتين إلى مسرح لاعتراضات متبادلة بين الدفاعات الجوية الإسرائيلية والمسيرات والصواريخ الإيرانية.
وأفاد مراسل “963+” أن صاروخين باليستيين سقطا في بلدة إنخل ومدينة الصنمين شمال درعا، بعد اعتراضهما من قبل الدفاعات الإسرائيلية، دون تسجيل خسائر بشرية، إذ سقطا في مناطق زراعية أو قريبة من مساكن مدنية.
اقرأ أيضاً: إسقاط 43 مسيّرة وصاروخاً إيرانياً في أجواء جنوبي سوريا – 963+
وأضال المراسل أن منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية أسقطت خلال نهار الجمعة الماضي، ما مجموعه 41 مسيّرة وصاروخين باليستيين في أجواء جنوب سوريا. وقد كان النصيب الأكبر لقرية الرفيد بريف القنيطرة الجنوبي، حيث سقطت أكثر من 25 مسيّرة، فيما تم رصد سقوط مسيّرات أخرى في قرى قصيبة وقرقس ومنطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي.
وقد تسببت هذه التطورات في حالة من الهلع بين المدنيين، وسط سماع أصوات انفجارات عنيفة ودعوات شعبية لالتزام المنازل في القرى القريبة من الشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل. كما أعلنت الخطوط الجوية السورية تعليق جميع الرحلات الجوية “حتى إشعار آخر”، حرصاً على سلامة الركاب والطواقم، في ظل تصاعد التوتر الأمني في المنطقة.
اقرأ أيضاً: سقوط صواريخ إيرانية وسط تل أبيب – 963+
غارات إسرائيلية على الداخل الإيراني
كانت قد أعلنت القناة “12” الإسرائيلية عن تدمير مطار تبريز شمال غربي إيران إلى جانب استهداف عشر نقاط عسكرية أخرى في أذربيجان الشرقية. وقد أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن “العملية أسفرت عن مقتل كبار قادة المنظومة الأمنية الإيرانية”، من بينهم رئيس الحرس الثوري ورئيس الأركان ونائبه، في حين تم استهداف أكثر من 300 هدف عسكري وعلمي باستخدام 330 قنبلة من قبل 200 مقاتلة حربية.
وأطلقت عدة دول ومنظمات دولية دعوات لوقف التصعيد وتغليب الحلول الديبلوماسية. في المقابل، التزمت الحكومة السورية الصمت، ولم يصدر أي بيان حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
اقرأ أيضاً: غارات إسرائيلية جديدة تستهدف عدة مواقع في إيران – 963+
الحياد الصامت أم الحسابات المعقدة؟
منذ تسلمها السلطة في كانون الأول/ ديسمبر 2024، انتهجت الإدارة السورية الانتقالية سياسة واضحة في فك الارتباط مع إيران. فقد شهدت العلاقات بين الطرفين قطيعة شبه تامة، تجسدت بخروج المستشارين والديبلوماسيين الإيرانيين من سوريا، وتأكيد طهران نفسها على غياب أي تواصل مباشر مع الإدارة الجديدة.
الشرع كان قد وجّه انتقادات مباشرة للدور الإيراني في سوريا خلال العقد الماضي، متهماً طهران بتأجيج النعرات الطائفية وتهديد سيادة البلاد. وفي هذا السياق، حذرت الإدارة مراراً من أي محاولات إيرانية لبث الفوضى داخل الأراضي السورية، مطالبة باحترام إرادة السوريين ومخرجات المرحلة الانتقالية.
وعكس النهج الجديد للإدارة السورية الانتقالية توجهاً نحو بناء شبكة علاقات إقليمية ودولية مستقلة، تقلل من النفوذ الإيراني أو تقويضه بالكامل، وهو ما يفسر إلى حد كبير الموقف الرسمي “الصامت” من التصعيد الإيراني الإسرائيلي، والذي قد يكون نابعاً من رغبة في النأي بالنفس، أو من حسابات أمنية وديبلوماسية دقيقة في لحظة فارقة.
وفي هذا السياق، يؤكد معن طلاع، مدير البحوث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، في تصريحات لـ”963+” أن “الإدارة السورية الجديدة، ومنذ لحظتها الأولى، عملت على أولوية تثبيت الاستقرار في السياسة الخارجية والداخلية”.
ويشير طلاع إلى أن “هذه الجهود تمثلت في خطوات واضحة أبرزها محاولة إبعاد الخطر الإسرائيلي عن الجغرافيا السورية، والانخراط في السياسة العربية، ورفع العقوبات الدولية”.
ويقول طلاع إن “لحظة الرد على العدوان الإقليمي شهدت تحليلاً دقيقاً لخريطة المواقف العسكرية في سوريا، وأسفر ذلك عن وضوح تام في رفض أي تفاعل مع الفعل الإيراني، حتى على مستوى العلاقات الديبلوماسية”، معتبراً أن “المرحلة الحالية تحمل عنوان تدحرج المشروع الإيراني”.
ويشير إلى أن السياسة الإقليمية لسوريا اليوم تُبنى على ثلاث محددات: “منع تحويل سوريا إلى منصة لعدم الاستقرار، وعدم جعلها ساحة للتنافس الدولي، إلى جانب التوازن في السياسات الإقليمية والاتساق مع الموقف العربي”.
كما يشدد على أن الحكومة تتبع سياسة “التحصين الذاتي والحياد الاستراتيجي”، بما في ذلك ضبط الحدود والسيطرة على المجال الجوي.
إيران المرتبكة: من الإنكار إلى التحذير
إيران، التي وجدت نفسها خارج المعادلة السياسية في سوريا ما بعد الأسد، كانت تتعامل بحذر مع الإدارة الجديدة. فقد عبّر مسؤولون إيرانيون عن مراقبة حذرة للأوضاع، مع تأكيدهم على ضرورة تشكيل حكومة شاملة تحظى بتأييد شعبي.
لكن في المقابل، صدرت تحذيرات من شخصيات إيرانية بارزة، من بينها المرشد علي خامنئي، وقيادات في “الحرس الثوري”، حول “مثيري الفوضى” في سوريا، في رسائل غير مباشرة وُصفت بالتحريضية ضد القيادة الجديدة.
اقرأ أيضاً: ماذا وراء تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن سوريا؟ – 963+
وفي هذا السياق، يقول اللواء محمد عبد الواحد، مستشار الأمن الإقليمي والعلاقات الدولية، لـ”963+” إن “الإدارة الانتقالية السورية تتبع نهجاً متوازناً وحذراً في التعامل مع الأزمات الإقليمية، وعلى رأسها الحرب بين إسرائيل وإيران”، مؤكداً أن “أولوياتها تتركز على بناء الدولة وفرض السيادة وتجنب الدخول في تحالفات قد تُعقّد المشهد الداخلي”.
ويضيف عبد الواحد أن “الإدارة الجديدة تسعى لتوطيد علاقاتها مع الدول العربية، خصوصاً قطر والسعودية، وتعمل على ضبط العلاقة مع تركيا”. ويوضح أن “الضربات الإسرائيلية ضد الوجود الإيراني في سوريا ما قبل نهاية عام 2024 ساهمت في تراجع نفوذ طهران بشكل واضح، رغم استمرار بعض التأثيرات من قبل جهات موالية لها داخل البلاد”.
ويعتبر أن “الإدارة السورية قادرة، من خلال تعزيز قدراتها الأمنية وفتح قنوات مع المجتمع الدولي، على منع اندلاع حرب على أراضيها، شريطة الحفاظ على الحياد وعدم الانخراط في اصطفافات إقليمية”.