Axel Rangel Garcia

منذ الهجوم الإرهابي الوحشي الذي شنته “حماس” على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أدت الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة الناتجة عن هذا الهجوم إلى مقتل أكثر من 18,000 فلسطيني وإصابة نحو 50,000 آخرين. ومن حيث النطاق والمدى والتأثير المدمر، أحدثت العملية العسكرية الإسرائيلية التي استمرت لمدة شهرين أضرارا قاربت، أو تجاوزت حتى، سنوات من القصف العنيف لمدن ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. إذ تشير تحليلات صور الأقمار الصناعية لغزة إلى أن حوالي 70 في المئة من جميع المباني في شمال قطاع غزة و60 في المئة من المباني السكنية في كل قطاع غزة تعرضت للتلف أو الدمار.

ولم تخف القوات الإسرائيلية نواياها في غزة، حيث أكد رئيس أركان سلاح الجو عومير تيشلر أن “عملية السيوف الحديدية” تتضمن “ضربات جوية لا تنقطع على مدار الساعة” أجريت “بشكل واسع النطاق، وليس بطريقة جراحية.” وخلال الأيام الخمسة الأولى فقط من القصف الإسرائيلي، ألقي ما لا يقل عن 6,000 قنبلة على غزة، بوزن متفجرات إجمالي يبلغ 4,000 طن. وبعد 35 يوما، ضُرب 15,000 هدفا منفصلا، وهو رقم جاوز عدد الأهداف الـ 12,600 التي ضُربت خلال ما مجموعه 92 يوما من الحروب الإسرائيلية الأربع في غزة في الأعوام 2008 و2012 و2014 و2021.

وأدت ضخامة العملية العسكرية الإسرائيلية إلى ظهور اتهامات بأن الجيش الإسرائيلي كان يتصرف دون تمييز، ولكن هذا غير دقيق. ففي الحقيقة، يعود حجم الدمار والوفيات إلى الزيادة الهائلة في عدد الأهداف التي حددتها إسرائيل -والتي كان الذكاء الاصطناعي مسؤولا عنها. فمنذ عام 2019، كان الجيش الإسرائيلي يعمل بشكل مطرد على توسيع وحدة الاستخبارات السرية (قسم الأهداف الإداري) والتي تعتمد على منصة ذكاء اصطناعي متقدمة تعرف باسم “حبسورا” أو “الانجيل”. وعن طريق استخدام مصادر المعلومات البشرية والجغرافية المكانية والإشارات والمصادر الاستخباراتية مفتوحة المصدر، بالإضافة إلى المراقبة الجوية، طوّرت منصة “حبسورا” قاعدة بيانات تحتوي على أكثر من 40,000 هدف تابعا لـ”حماس” وغيرها من الجماعات المسلحة في غزة.

 

واختُبِر نظام الذكاء الاصطناعي لأول مرة في حرب مايو/أيار 2021، عندما استُخدمت منصة “حبسورا” لأول مرة، أحيانا بالتزامن مع أسراب الطائرات المسيرة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والتي تجمع معلومات استخباراتية فورية لتحديد أهداف جديدة. ووفقا لوزير الدفاع الإسرائيلي السابق آفيف كوخافي، قام نظام الذكاء الاصطناعي بتحديد ما متوسطه 100 هدف يوميا في حرب 2021، مقارنة بالقدرة السابقة للجيش الإسرائيلي (غير المعتمدة على الذكاء الاصطناعي) على توليد 50 هدفا تابعا للمتشددين في قطاع غزة سنويا. كان تأثير الذكاء الاصطناعي واضحا حينئذ، ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قام الذكاء الاصطناعي بتسهيل التوسع الهائل للقدرة المتصورة للجيش الإسرائيلي على مواجهة التنظيمات المشابهة لـ”حماس”. ومن المحتمل أن يكون هذا هو السبب الوحيد لشعور قادة إسرائيل بالثقة الكافية لتحقيق هدف عملية السيوف الحديدية المتمثل بـ”القضاء على” أو “اجتثاث” حركة “حماس” كليا.

 

ووفقا لتقارير داخل إسرائيل، وعلى وجه الخصوص، تحقيق رائد أجرته “مجلة 972″، فإن قاعدة بيانات “حبسورا” تقوم بتصنيف الأهداف إلى أربع فئات: “أهداف تكتيكية” (خلايا مقاتلة، مخازن أسلحة، منصات إطلاق صواريخ، مراكز قيادة محلية للمقاتلين، وما إلى ذلك)، “أهداف تحت الأرض” (أنفاق)، “أهداف القوّة” (أبراج سكنية متعددة الطوابق، مكاتب حكومية، والبنوك والمباني العامة) و”أهداف منزلية” (المباني التي تحتوي على منازل لمقاتلي “حماس” من أي رتبة). وفي غضون 5 أيام من الحملة الإسرائيلية، استَهدف ما لا يقل عن نصف إجمالي القنابل الستة آلاف التي ألقيت على غزة “أهداف قوة” في محاولة “لإحداث صدمة” لمجتمع غزة. وشملت هذه المباني جامعة غزة، ونقابة المحامين الفلسطينيين، وعدة مبان تابعة للأمم المتحدة، ووزارات الثقافة والاقتصاد والاتصالات، وعشرات الأبراج السكنية.
بالإضافة إلى اعتماده على مصادر الاستخبارات التقليدية، فإن التعلم الآلي المتطور لمنظومة الذكاء الاصطناعي يراقب حركة الأفراد والمجموعات المشتبه بها باستمرار، ويحلل سلوكهم وأنماط تصرفاتهم. وباعتبارها مجموعة مسلحة تقود ما لا يقل عن 30 ألف مقاتل، فإن الغالبية العظمى من بيانات “حبسورا” على الأرجح مرتبطة ليس بقادة المقاتلين وإنما بالجنود العاديين وتحركاتهم من وإلى منازلهم – وهو ما يفسر ارتفاع مستوى الاستهداف للمباني السكنية. وبعد مرور شهرين، يزعم جيش الدفاع الإسرائيلي أنه قتل ما يصل إلى 5000 مقاتل، ولكن التصريحات تدّعي مقتل حوالي اثني عشر فقط من قادة “حماس” المتوسطين أو الكبار.

 

في غضون 5 أيام من الحملة الإسرائيلية، استَهدف ما لا يقل عن نصف إجمالي القنابل الستة آلاف التي ألقيت على غزة “أهداف قوة” في محاولة “لإحداث صدمة” لمجتمع غزة. وشملت هذه المباني جامعة غزة، ونقابة المحامين الفلسطينيين، وعدة مبان تابعة للأمم المتحدة، ووزارات الثقافة والاقتصاد والاتصالات، وعشرات الأبراج السكنية

 

 

ونظرا لمدى ووحشية الهجوم الذي شنته “حماس” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان من المؤكد دائما أن الرد الإسرائيلي سيكون كبيرا، ولكن من الواضح أن الذكاء الاصطناعي كان له دور حاسم في تسهيل ما اعتُبر حملة عسكرية عدوانية إلى حد غير عادي. ومع ذلك، فإن فعالية هذا الدور، سواء في الفترة القريبة أو البعيدة، لا تزال غير واضحة حتى اللحظة، ولكن يبقى الموت الجماعي للمدنيين، والكارثة الإنسانية، ودمار البنية التحتية أمرا جليّا. ومن الصعب تصور أن تلك التأثيرات وحدها ستسهم في تحقيق أي مظهر من مظاهر الاستقرار لإسرائيل، مما يطرح السؤال المركزي: هل يمكن أن تخلق قدرات الذكاء الاصطناعي الاستثنائية شعورا زائفا بالأمان والثقة؟
قبل خمسة أشهر من 7 أكتوبر/تشرين الأول، زعم المدير العام لجيش الدفاع الإسرائيلي، إيال زامير، أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تحولت إلى “قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي” ولكن، وعلى الرغم من تكامل إسرائيل الرائد في مجال الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعرف على الوجوه والمراقبة واستخدامها في مواجهتها مع الأراضي الفلسطينية، استطاعت “حماس” اقتحام إسرائيل بما لا يزيد عن بضع مسيرات تجارية، وبعض الطائرات الشراعية، والمقاتلين المجهزين بالمتفجرات. إذاً، فشل الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالهجوم أو اكتشافه أو حتى منعه.
وتثير السهولة التي يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يحدد بها الأهداف المزعومة التساؤلات أيضا. فوفقا لضابط استخبارات إسرائيلي سابق، فإن منظومة “حبسورا” ساعدت فقط في إنشاء “مصنع الاغتيال الجماعي،” حيث يُخصص لكل هدف مختار “بطاقة تقييم” ملونة بالأحمر أو الأصفر أو الأخضر، ويكون التركيز فيها بشكل طبيعي على “الكم لا النوع.” والسؤال هنا، هل تأخذ منظومة الذكاء الاصطناعي في الاعتبار التأثيرات طويلة الأمد المترتبة على التوصية بقصف كل شقة أو منزل مرتبط بمقاتلي “حماس”؟ أو الآثار الأمنية طويلة الأمد المترتبة على تحويل غزة إلى قطاع من الأنقاض؟

 

من الصعب تصور أن تلك التأثيرات وحدها ستسهم في تحقيق أي مظهر من مظاهر الاستقرار لإسرائيل، مما يطرح السؤال المركزي: هل يمكن أن تخلق قدرات الذكاء الاصطناعي الاستثنائية شعورا زائفا بالأمان والثقة؟

 

 

تستغرق جميع التقنيات الجديدة وقتا لتجد مكانها ضمن هيكليات وآليات وممارسات ذات نطاق أوسع، ولكن يبدو أن الذكاء الاصطناعي كان المحرك الرئيسي وراء حملة عسكرية في غزة سيكون لها بلا شك آثار عميقة لسنوات قادمة على الفلسطينيين والمنطقة بشكل عام، وإسرائيل بشكل خاص. وغالبا ما تلمح التعليقات والتحليلات الإعلامية، التي تتمحور حول دور الذكاء الاصطناعي في الحرب الجارية في غزة، إلى أن الجيوش في جميع أنحاء العالم ستراقب عن كثب وتتعلم دروسا من تطبيق حبسورا، لكن الوقت وحده هو الذي سيحدد ما ستكون عليه تلك الدروس.