ها هو “الطوفان المضاد” الذي كان أطلقه الجيش الاسرائيلي تحت إمرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السياسية الصارمة والمتشددة، في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها كما بات معروفاً في السابع من تشرين الأول 2023 من غزة “كتائب عز الدين القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس”، ها هو قد وصل اليوم إلى رأس المحور الممانع ودولة “المنبع” إيران، هذا الطوفان الذي ظهر فيه الجيش الاسرائيلي ولا يزال بعد أكثر من 20 شهراً من الحرب ورفض أي صفقة لوقفها، وكأنه تحوَّل إلى “كتائب بنيامين نتنياهو” للقتل، والذي شق طريقه – الطوفان – بعدها إلى لبنان وسوريا واليمن جارفاً معه الأذرع الايرانية من ميليشيات وأنظمة ليصل اليوم إلى المنبع.
وهنا لا بد من طرح عدة نقاط وملاحظات تتعلق بهذه المنازلة الاسرائيلية – الايرانية الجارية اليوم في المنطقة، بغض النظر عن الموقف القومي المعروف والثابت من دولة الاحتلال، كما عن الموقف السياسي من إيران ودورها في المنطقة العربية، وهو دور أقل ما يقال فيه إنه لم يكن إيجابياً عموماً طيلة الأعوام الـ 50 الماضية، وحتى من أيام الشاه السابق، في محاولة لإستشراف المستقبل وإن كانت محاولة غير مضمونة النتائج نظراً الى تشابك المصالح والأحداث والمشاريع.
من هذه الملاحظات:
أولاً، في الشكل هي الحرب الأولى التي تخوضها إسرائيل من دولة لدولة منذ آخر حروبها مع العرب عام 1973، إذ كانت حروبها اللاحقة – وما أكثرها – ضد منظمات كمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان في العامين 1978 و1982، وبعدها ضد حركات مقاومة كـ”حزب الله” في الأعوام اللاحقة قبل التحرير عام 2000 وصولاً الى حرب العام 2006، كذلك مع حركة “حماس” في سنين ما بعد سيطرتها على غزة. الأمر نفسه بالنسبة الى إيران، فهي الحرب الأولى التي تخوضها مباشرة ضد دولة ما منذ إنتهاء حربها مع العراق بـ”تجرع السم” عام 1988، إذ كانت حروبها بعدها بالوكالة وكلها كانت على الأرض العربية للأسف، وذلك عبر أذرع لها أنشأتها وموَّلتها وأتاحت لها السيطرة على 4 عواصم عربية وزعزعة أمن بعض العواصم الأخرى.
ثانياً، في المضمون من البديهي القول إن إيران تمثِّل بلا شك بحضارتها وشعبها وثقافتها جزءاً مهماً لا يتجزأ من هذه المنطقة، بعكس الكيان الصهيوني المحتل والدخيل المزروع “إصطناعياً” في جسم المنطقة على الرغم من كل دعوات ومحاولات التطبيع معه وقبوله كأمر واقع، لذلك فهي في النهاية حرب بين مكون أساسي من مكونات المنطقة، وعنصر دخيل عليها وهذا ما لن تغيّره كل التطورات اللاحقة بغض النظر عن مساراتها.
ثالثاً، ان إيران في هذه الحرب هي بلا شك الطرف المُعتَدى عليه، سواء بسبب طموحها النووي أم بسبب طموحها الاقليمي وهما في النهاية نتاج مشروع واحد، وبالتالي من حقها الدفاع عن نفسها بغض النظر عن موقفنا من هذا المشروع.
رابعاً، هذه المنازلة هي حرب بين مشروعين للسيطرة على المنطقة العربية بكل ما فيها وما عليها من بشر وموارد وخطوط مواصلات بحرية وبرية.
خامساً، ان إيران بمنازلتها إسرائيل لا تدافع عن فلسطين والقدس ولا تثأر لدماء الفلسطينيين والعرب، كذلك فلا يتوهمَّن أحد منا بأن إسرائيل في حربها على إيران إنما تثأر لدماء السوريين وغيرهم من العرب، الذين تضرروا من سياسات إيران وتدخلاتها، أو أنها تقاتل دفاعاً عن أحد منهم.
من هنا، فإن المنطقة العربية هي في النهاية الخاسر الأكبر في هذه المنازلة، وذلك في ظل غياب المشروع العربي الواضح والمتفق عليه بين مكونات هذه الأمة، وقد نكون على أبواب مرحلة جديدة من الصراعات في المنطقة العربية وعليها، تغذيها هذه المرة أيضاً أميركا – وغيرها من الدول الاقليمية – وهي بلا شك ستكون الفائز الأكبر في المنازلة الحالية.
وتبقى العين والقلب على مصر ودورها ومستقبلها، وهي التي نجحت حتى الآن – على الأقل – في البقاء خارج هذا الجنون الذي ضرب المنطقة في السنوات الـ 15 الأخيرة، وأدى إلى “التفتت” الحالي الممتد من لبنان وسوريا وصولاً إلى العراق واليمن، فالسودان وليبيا، كما أدى إلى وقوع المنطقة مجدداً تحت سيطرة من لا يرحم ولا يُنصف.. حتى إشعار آخر.