لا أحد يصدق قول الرئيس دونالد ترمب إن أميركا “ليست متورطة في حرب إسرائيل وإيران”
ملخص
لا أحد يعرف إلى أين تقود حرب إسرائيل وإيران ومتى وكيف تنتهي. والسؤال في العالم العربي، من لبنان وسوريا إلى العراق والخليج ودول المغرب العربي ليس عن خطر البرنامج النووي الإيراني بمقدار ما هو عن خطر المشروع الإقليمي الإيراني.
لا مهرب من ترابط الأمور في الشرق الأوسط، كما من تشابك الأدوار والأقدار المحلية والإقليمية والدولية، هذا ما تعيد تأكيده حرب إسرائيل على إيران، وردود طهران على تل أبيب. فلا البرنامج النووي الإيراني معزول عن المشروع الإقليمي للجمهورية الإسلامية، ولا هما معاً سوى حركة في لعبة بلا نهاية على رقعة الشطرنج في المنطقة، حيث لا أحد يستطيع الوصول إلى مرحلة القول: “كش ملك”.
إذا كانت الحسابات التقليدية في الشطرنج السياسي هي رؤية بعدين للعبة، فإن البروفيسور الأميركي جوزيف ناي يرى الحاجة إلى رؤية ثلاثة أبعاد لها. وإذا كانت حكومة نتنياهو تعمل بقوة السلاح على حل لمصلحتها في أزمة البرنامج النووي الإيراني والمشروع الإقليمي، فإنها محكومة بأن تصطدم في النهاية بقضية فلسطين التي تهرب منها رافضة “حل الدولتين” المطلوب عربياً ودولياً.
ولا أحد يصدق قول الرئيس دونالد ترمب إن أميركا “ليست متورطة في حرب إسرائيل وإيران”. فالسيناريو الواضح، وسط إعلان ترمب أنه يريد وقف الحرب كما أوقف حرب الهند وباكستان، هو تكامل الأدوار بين أميركا وإسرائيل. الإسرائيلي يقصف بالسلاح الأميركي، والأميركي يفاوض الإيراني في ظل حرب إسرائيل والتلويح بتدخله المباشر. والملفات الأخرى مؤجلة قليلاً، لكنها على الطاولة.
في منطقة الفرص والأخطار، فإن أخطر ما يمكن أن يحدث هو أن تربح قوة إقليمية الحرب بصورة واضحة، بحيث تنفرد إسرائيل أو إيران بالسيطرة على الشرق الأوسط. فلا هذا ما تريده أميركا، بصرف النظر عن الإدارة التي تحكمها. ولا هذا ما تقبله روسيا والصين مهما يكن حجم مصالحهما. ولا هذا سوى بداية صدام مع تركيا التي تعززت نزعتها “العثمانية الجديدة” بعد دورها في سقوط نظام الأسد وتسلم “هيئة تحرير الشام” السلطة برئاسة أحمد الشرع.
أما البلدان العربية، فإنها تواجه في مثل هذا الوضع تحديات لم تفكر فيها ولم تضعها في الحسابات، سواء منها حسابات الحروب وحسابات التنمية وصنع المستقبل. والمؤكد في المنطقة هو الفوضى والانحدار والتغيير نحو الأسوأ.
انقسام الأميركيين حول ضرب إيران يعيد شبح حرب العراق
بعد غزو العراق أيام الرئيس جورج بوش الابن عام 2003 كتب الدبلوماسي الأميركي الشهير جورج كينان صاحب “استراتيجية الاحتواء” التي أسهمت في سقوط الاتحاد السوفياتي أن “تاريخ العلاقات الخارجية أظهر أنه، على رغم أنك تبدأ حرباً وفي ذهنك أشياء محددة، فستجد نفسك في النهاية تقاتل من أجل أشياء مختلفة لم تفكر فيها من قبل”. وأضاف “حتى لو كان لدى صدام حسين أسلحة دمار شامل، فإن المسألة إقليمية وليست محل اهتمام أميركا”.
وبحسب هذه النظرة، فلا أحد يعرف إلى أين تقود حرب إسرائيل وإيران ومتى وكيف تنتهي. والسؤال في العالم العربي، من لبنان وسوريا إلى العراق والخليج ودول المغرب العربي ليس عن خطر البرنامج النووي الإيراني بمقدار ما هو عن خطر المشروع الإقليمي الإيراني.
أما إسرائيل التي ترى في المشروع النووي خطراً وجودياً عليها، فإنها لعبت أدواراً في توظيف المشروع الإقليمي الإيراني لمصلحتها. وأما أميركا التي تعرف أن المشروع النووي ليس خطراً وجودياً عليها، فإنها تضع مصلحة إسرائيل في طليعة مصالحها وتركز كل شيء على إنهاء البرنامج النووي، معطية أقل قدر من الاهتمام لأخطار المشروع الإقليمي الإيراني على العالم العربي.
صحيح أن سقوط نظام الأسد الحليف لإيران أخرج النفوذ الإيراني من سوريا وأضعفه في لبنان وكسر عملياً ما سمي “الهلال الشيعي” رمز المشروع الإيراني، لكن الصحيح أيضاً أن هذا المشروع لم يخسر كل شيء على الأرض وفي صفوف مكون مذهبي في عدد من الدول العربية، فضلاً عن أن الجمهورية الإسلامية لا تزال تتصرف كأنها قادرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ومعاودة العمل على مشروعها القائم على “تصدير الثورة”، والذي قال الإمام الخميني إنه من “أسس الثورة وقيام الجمهورية”.
ومع أن إيران أمسكت بالورقة الفلسطينية تحت عنوان تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، بحجة الحاجة إلى “العمل الإسلامي” بعد خروج “العمل العربي” من الميدان، إلا أن الورقة احترقت في يدها على نار حرب غزة ولبنان. فلا هي قادرة على تحرير الأرض. ولا هي توافق على المبادرة العربية للسلام على أساس “حل الدولتين” بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية.
وهناك بالطبع فوارق في العداء لإسرائيل. فالعداء العربي – الإسرائيلي هو “عداء بالولادة”. والعداء الإيراني – الإسرائيلي هو “عداء بالوظيفة”. كل معاهدات السلام و”اتفاقات أبراهام” قادت إلى “سلام بارد” وبقي الشعور الشعبي العربي قوياً في معاداة إسرائيل.
خلال حكم الشاه كانت العلاقات جيدة بين إيران وإسرائيل. أما العداء، فإنه بدأ بعد ثورة الخميني، وهو لم يمنع طهران من قبول صفقة أسلحة مع إسرائيل خلال الحرب العراقية – الإيرانية. طهران رأت في إسرائيل حاجزاً أمام مشروعها الإقليمي، وتل أبيب رأت في إيران خطر المشروع النووي.
والمزدهر في هذه الأيام هو “تجارة الأفكار المستعملة” على حد تعبير المفكر الاقتصادي النمسوي فريدريك حايك.