شكّلت عملية توقيف وسيم الأسد (ابن عم الرّئيس السابق بشار الأسد، وأحد أكبر تجّار المخدّرات ومهرّبيها في سوريا قبل خلع النّظام السابق)، مفاجأة سارّة لكلّ من عرفه وعلم بجرائمه التي ارتكبها في بلاده قبل مغادرتها بعد إسقاط النّظام ولجوئه إلى لبنان، لكنّ هذا الرّجل الذي يتمتّع بسمعة سيئة وأسهم في نشر تجارة “الكبتاغون” في سوريا كما تقول الصفحات المعارضة، لم تُكشف حتّى اللحظة طريقة إلقاء القبض عليْه رسمياً.
وكانت وزارة الدّاخلية السورية (التي تُعدّ الجهة التنفيذية والمخوّلة البدء بتحقيقاتها مع الأسد قبيْل إحالة قضيته على القضاء ووزارة العدل)، أعلنت إلقاء القبض على الأسد في عمليةٍ أمنية “مُحكمة” على الحدود السورية- اللبنانية، مؤكّدة في بيان أنّ “جهاز الاستخبارات العامّة، وبالتعاون مع الجهات المختصّة، نجحوا في استدراجه”.
صحيح أنّ الوزارة لم تكشف عن طريقة الاستدراج، لكنّ المتحدّث باسمها، نور الدّين البابا، صرّح إعلامياً بأنّها استغرقت قرابة الستة أشهر لإتمامها، واتخذت مسارات عدّة: هندسة اجتماعية، تقنية، قانونية وحقوقية، وأبعاد مرتبطة بالعلاقات العامّة والتواصل، وبمشاركة أمنية وغير أمنية، اقتيد بموجبها إلى السجن “كيّ ينال مصيره”، ويُحاكم على جرائم لا ترتبط بالمخدّرات فحسب، بل بالخطف القسريّ، التعذيب، ابتزاز السوريين، ومشاركته في القتال مع النّظام… ما يدفع السوريّين إلى المطالبة بمحاكمته مدنياً لا استثنائياً أو عسكرياً.
اللافت، أنّ ما صرّح به البابا منذ ساعات، لم يمنع من انتشار سيناريوهات عدّة تُفصّل الحدث، ويُمكن ذكر ثلاثة منها إلى الآن: السيناريو الأوّل، وصفه بعض المتابعين بأنّه “هوليوودي”، ويتحدّث عن رغبة الأسد “المستميتة” في استعادة ذهبه وأمواله المخبّأة في سوريا، فبدأت عملية استدراجه في أوائل شهر شباط (تتوافق مع المدّة التي ذكرها البابا) بعدما سجّلت أجهزة المراقبة تحرّكاته في جبل محسن- طرابلس، راصدة تواصله مع معارفه في سوريا لاستعادة أمواله “التي خبّأها قرب الساحل السوريّ”.
وبعد التنسيق سورياً، زُرع عميل استخباريّ مزدوج داخل شبكته، يقوم بدور “الوسيط”، أوْهمه بتغطية عودته إلى سوريا عبر تقديم: بطاقات أمنية مزوّرة، زيّ رسميّ للأمن العام، ومواكب وهمية مزوّدة بلوحات حكومية. وبعد ثقة الأسد به، تمكّن من الوصول إلى نقطة التهريب عند العريضة (المعبر الشرعيّ الذي يوصل أساساً إلى طرطوس)، لكن قيل ضمن السيناريو، إنّه قريب من تلكلخ (التي توصل إلى قلعة الحصن وحمص)، وتوّجه إلى مزرعةٍ يُخبّئ فيها ثروته (التي قيل إنّها في الساحل السوريّ بداية)، لكن قبل عودته إلى الحدود اللبنانية، “أُغلق الطريق بوجهه، وألقيَ القبض عليه، وأُثبت في التحقيقات، تورّط رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب في العمليّة، لأنّه قدّم تسهيلات لوجيستية لها”.
أمّا السيناريو الثاني، فيطرح استدراج الأسد بخطّة توصله إلى عكّار (التي يقول البعض إنّه كان موجوداُ في قراها المفتوحة) بعد إيهامه بعملٍ تجاريّ فيها وذلك عبر التنسيق مع الدّاخل السوريّ، ولدى وصوله، وُضع في السيارة، وتوجّه إلى المعبر قسراً، فيما تحدّث البعض عن تواصله مع أحد معارفه في سوريا ويُتداول أنّه (ف.ص) الذي أعطاه تطمينات للعودة، وسلّمه الى القيادة.
وفي وقتٍ يتحدّث فيه الاعلام السوريّ عن إلقاء القبض عليه في حمص (ريف حمص الغربيّ) أيّ أنّه دخل عبر معبر الدبوسية حُكًاً (الذي يبعد 10 دقائق عن تلكلخ)، يظهر السيناريو الثالث، عبر مكالمة هاتفية سجّلها النّاشط السوري جميل الحسن الذي بيّن أنّ الأسد اتصل به ليتوسّط له أمام الرّئيس السوريّ أحمد الشرع ليتمكّن من العودة، وجاء في المكالمة: “أريد ضمانة من الشرع شخصياً، لأنّني أريد التوجّه إلى الشام وحياتي مهدّدة، ولأنّ رجل بوضعي يُدرك خطورة الوضع حتّى ولو تحسّن”، فسأله الحسن عن رغبته في تقديم مقابل للحصول على طلبه، (أيّ اعترافات وغيرها، ما يُشير إلى تسوية يُمكن أن تُرجّح تسليم نفسه بمقابل معيّن)، ردّ الأسد بأنّه لا يشترط ليعود إلى وطنه، لأنّ يده ليْست ملطخة بالدماء، ثمّ قال: “إذا طُلبت منّي خدمات مقابل العودة، فسنتحدّث عندها”، وطلب منه الحسن وقتاً للترتيب.
وبغياب أيّ تعليق من الدّولة اللبنانية، يستبعد مصدر حدوديّ عبر “لبنان الكبير” تدخل البلاد في عملية التسليم التي على ما يبدو أنّها سورية- سورية “حتّى ولو تدخل طرف لبناني فيها، ولا نعتقد أنّ السيناريوهات المطروحة الآن صحيحة، لأنّ الأسد يعرف أنّ حصوله على ضمانة من الشرع شخصياً، لن يحميه من التصفية بسبب الثأر السوريّ من آل الأسد، كما أنّ الحديث عن إخفائه الذهب في الأرض مريب، لأنّ مناصري الأسد لم يتوقّعوا سقوط النّظام أساساً، وحين سقط فجأة، تركوا الجمل بما حمل لإنقاذ أنفسهم، وكان يُمكنه ببساطة الطلب من أحد رجاله في سوريا أخذ الذهب إلى لبنان من دون أنْ يتوجّه بنفسه إليْها، وهنا القطبة المخفية”.
ومن جبل محسن الذي اتُهم بإخفاء الأسد طيلة هذه الفترة كما يُتهم أيضاً بأنّه يُخبئ بعض رجالات النّظام كما يُردّد البعض، ينفي مختار الجبل عبد اللطيف صالح هذه الأخبار عبر “الواتساب”، قائلاً: “أنفي نفياً قاطعاً أنْ يكون المدعو وسيم الأسد قد لجأ إلى جبل محسن أو سكن فيه”. فيما يلفت مصدر من الجبل عبر “لبنان الكبير” إلى أنّ الطائفة العلوية لا تعترف بوسيم الذي ارتكب بحقّها الجرائم مثل السرقة، فرض الخوّات واغتصاب الفتيات، قائلاً: “جرائمه معروفة، ولا يتقبّله حتّى علويّو الساحل، اللاذقية، جبلة، وغيرهم، من هنا، هلّل الجميع حتّى صفحات الساحل السوريّ لدى توقيفه، لكن نؤكّد أنّ منطقتنا لم تستقبله، ولا تتحمّل هذه المسؤولية، ويُقال حسب ما وردنا، إنّه كان يعيش في مناطق غير إسلامية ليتوارى عن الأنظار، لكن البحث في هذه التفاصيل هو دور أجهزة الدّولة لا دورنا”.