في خطوة قلبت موازين المعركة وفتحت أبواباً جديدة من التساؤلات، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن القوات الأميركية نفّذت بنجاح هجوماً جوياً على ثلاثة مواقع نووية في إيران: فوردو، نطنز وأصفهان.
وقال ترامب في منشور على منصته “تروث سوشيال”: “لقد أتممنا هجومنا الناجح جداً على المواقع النووية الثلاثة في إيران. جميع الطائرات أصبحت الآن خارج المجال الجوي الايراني، بعد أن أسقطت حمولة كاملة من القنابل على الموقع الرئيسي، فوردو. جميع الطائرات عادت بأمان، وتهانينا لمحاربينا الأميركيين العظماء. لا توجد قوة عسكرية أخرى في العالم كانت قادرة على تنفيذ هذا الهجوم. الآن هو وقت السلام!”.
لكن وسط كل هذا الزخم العسكري والسياسي، تطرح علامة استفهام حاسمة: هل كانت إيران تطور فعلاً القنبلة النووية؟ وإذا كان الجواب نعم، فلماذا الآن؟ ولماذا لم تفعلها سابقاً؟
السلاح النووي: سيف ذو حدّين
يُعد السلاح النووي في المفهوم الاستراتيجي سلاح ردع أكثر منه سلاح هجوم. فهو لا يُستعمل بقدر ما يُلوّح به. الفرضية الأساسية وراء امتلاكه تقوم على مبدأ “الدمار الشامل المتبادل (Mutual Assured Destruction)”، أي أن أي دولة تستخدمه، حتى ضد خصم غير نووي، تُجازف بأن تتحول إلى هدف مشروع لتحالف نووي دولي يرى فيها تهديداً للنظام العالمي.
إيران لطالما رفضت امتلاك هذا السلاح علناً، مستندة إلى فتوى دينية حرّم فيها المرشد الأعلى علي خامنئي تصنيع السلاح النووي واستخدامه، ما شكّل ركيزة أساسية لروايتها في المفاوضات النووية مع الغرب منذ 2003.
من “طوفان الأقصى” إلى طوفان النووي
الا أن كل شيء تغيّر في 7 تشرين الأول 2023. هجوم “حماس” في عملية “طوفان الأقصى” وما تبعها من حرب شاملة في المنطقة، أطلق سلسلة تفاعلات إقليمية خطيرة. المحور الايراني الذي طالما استند إلى شبكات “الوكلاء” في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن، بدأ يتصدّع:
“حماس” ضُربت بقسوة.
“حزب الله” تورّط في حرب استنزاف مع إسرائيل وخسر قياداته الأساسية.
بشار الأسد سقط، وفقدت إيران الخط البري الأساسي لإمداد الفصائل.
الفصائل العراقية تعيش في توازن هش بين الداخل المضطرب والضغط الاقليمي.
الحوثيون وحدهم ما زالوا يتحركون، لكنهم قابلون للاحتواء السياسي والدولي.
في هذا السياق، شعرت طهران أن مظلّتها الردعية انهارت، وباتت وحيدة في مهبّ مواجهة مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، بلا أوراق ضغط كافية.
من هنا يمكن فهم تقارير الاستخبارات الغربية والاسرائيلية التي تتحدث عن وصول تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو إلى مستوى 83% وهو عتبة قريبة جداً من النسبة المطلوبة لإنتاج سلاح نووي. فهل كانت إيران تتجه فعلاً إلى “الخيار النووي الأخير” لتثبيت معادلة ردع جديدة بعدما تهاوت معادلتها القديمة؟
ضربة فوردو
بعد إعلان ترامب عن الضربة، ردّت طهران بأنها أخلت المواقع الثلاثة المستهدفة قبل الضربة الأميركية، ملمّحة إلى أنها كانت تتوقّع الهجوم. لكن هذه الرواية تُطرح بشأنها عدة علامات استفهام:
هل أُخليت المواقع فعلاً؟
هل تم نقل اليورانيوم المخصب؟ وأين؟
هل دُمّر البرنامج النووي الإيراني تقنياً أم أن الضربة كانت رمزية؟
حتى الآن، لا إجابات قاطعة، لكن الواضح أن الضربة استهدفت الموقع الأشد تحصيناً في إيران، فوردو، الواقع داخل جبل بارتفاع مئات الأمتار، ما يعني أن الهجوم لم يكن تكتيكياً فحسب، بل موجّه نحو شلّ البرنامج أو على الأقل تحييده لفترة حرجة.
هل انتهى البرنامج النووي الايراني؟
على الأرجح لا. فحتى لو دُمّر بعض المنشآت أو تعطّلت أجهزة الطرد المركزي، فإن الخبرات والمواد (في حال تم تهريبها أو نقلها) تبقى موجودة. لكن الأهم من ذلك أن القرار السياسي في طهران، لا التكنولوجيا، هو ما سيحدد ما إذا كانت إيران ستستأنف برنامجها بصورة سرية، أو تُعلن انسحاباً استراتيجياً مؤقتاً، في انتظار تغير المعطيات.
حرب انتهت.. أم بدأت الآن؟
ضربة ترامب قد تكون خطوة في اتجاهين:
إما أنها ضربة واحدة للردع فقط، تمهيداً لإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات تحت الضغط.
أو أنها افتتاح لمرحلة جديدة من المواجهة العسكرية المباشرة، خصوصاً إذا ردّت إيران على القوات الأميركية أو استهدفت مصالحها في المنطقة، كما هددت.
في كلتا الحالتين، الشرق الأوسط تغير: فإيران لم تعد محصّنة، والولايات المتحدة استعادت القدرة على المبادرة، وإسرائيل باتت جزءاً من معادلة إقليمية أوسع، ولكن بعضلات أميركا.
أما السؤال الأكبر الذي تبقى إجابته معلّقة فهو: هل نزع ترامب فتيل قنبلة نووية كانت على وشك الانفجار؟ أم أنه أطلق شرارة حرب لا أحد يعرف كيف ستنتهي؟