الرابح الأكبر من الحرب كان ترامب، الذي أعاد إبراز الولايات المتحدة كقوة لا غنى عنها في تقرير مستقبل الشرق الأوسط. كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من بدأ الحرب على إيران، لكن ترامب هو من أنهاها، من خلال ما يسميه “فرض السلام من خلال القوة”.
من القنابل الـ 14 الخارقة للتحصينات التي ألقتها قاذفات الـ”بي-2″ الأميركية في 22 حزيران/ يونيو على منشأتي فوردو ونطنز النوويتين، إلى الرد الإيراني الرمزي بـ14 صاروخاً على قاعدة العديد في قطر في اليوم التالي، بعلم مسبق من أميركا، كي لا تقع إصابات أو أضرار تجبر واشطن على الرد، ذهب ترامب إلى حد “شكر” إيران على هذه البادرة.
ثم أتى الإعلان الإسرائيلي عن “تحقيق أهداف” الحرب مع الاحتفاظ بحق “الرد بقوة”، ومن بعدها إعلان مجلس الأمن القومي الإيراني عن جعل “العدو يندم” و”الاستعداد للرد الحاسم على أي عمل عدائي”. صياغتان ضروريتان للظهور بمظهر المنتصر.
لقد أعاد ترامب الأحداث في المنطقة خطوة إلى الوراء، إلى ما قبل 13 حزيران/يونيو. منذ 1979، تفادت إيران الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. ولم تتغير قناعة طهران بعد الضربة الأميركية والرد الإيراني “الضعيف” بحسب تعبير ترامب.
بإمكان ترامب أن يتباهى الآن بفرض الهدوء بين إيران وإسرائيل. (ا ف ب)
بإمكان ترامب أن يتباهى الآن بفرض الهدوء بين إيران وإسرائيل. (ا ف ب)
لكن وقف النار المعلن بين إيران وإسرائيل، لا يشكل حلاً مستداماً. هكذا حلّ لن يتوفر إلا ببدء مفاوضات غير مباشرة أو مباشرة مع الجانب الإيراني، للتوصل إلى ترتيبات بعيدة المدى بين واشنطن وطهران، يشمل ذلك اتفاقاً نووياً مقابل تخفيف العقوبات الأميركية عن إيران.
يأمل ترامب أنه بعد حرب الـ12 يوماً، أن تكون إيران قد اقتنعت بأن اقتراح المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف لا يزال يشكل مدخلاً للتوصل إلى حل ديبلوماسي للمشكلة النووية، وهو الذي يمكّن إيران من تخصيب اليورانيوم في إطار كونسورتيوم دولي لا يتخذ الأراضي الإيرانية مقراً له.
بديهي، أن اتفاق وقف النار لن يصمد كثيراً من دون تحصينه باتفاق سياسي. مثل هذا الاتفاق، يراه ترامب ممكناً بعدما نزع من نتنياهو ذريعة وجود تهديدين نووي وصاروخي من قبل إيران. وفي الوقت نفسه، النظام الإيراني الذي كان يهمه الحفاظ على تماسكه بعد الضربات الإسرائيلية، التي قضت على كبار القادة في الحرس الثوري والجيش والاستخبارات إلى جانب أكثر من 15 عالماً نووياً، يستطيع القول إنه احتوى الصدمة الأولى، ويحتاج الآن إلى فترة يتنفس فيها الصعداء ويعمل على إعادة ترميم قدراته.
أية أوراق تفاوضية لا تزال في حوزة طهران؟ قبل كل شيء تملك إيران المعرفة النووية، وطالما أنها تؤكد أن 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة قد سحبت من فوردو قبل تعرض المنشأة للضربة الأميركية، ومع امتلاك المعرفة النووية، فإنها لا تزال قادرة على المساومة. علماً أن ترامب أكد أن التقارير التي تتحدث عن إخراج إيران لليورانيوم المخصب من فوردو، عارية عن الصحة. بينما تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها لا تعرف مكان الكمية التي يجري الحديث عنها، والتي يقال إنها كافية لصنع 10 قنابل نووية.
ومع ذلك، لا يمكن النظام في إيران أن يبقى متجاهلاً وقائع فرضتها الحرب. وإلى أي مدى هو مستعد للتأقلم مع شرق أوسط يقوم الآن على أنقاض الكوارث التي خلفتها الحروب الإسرائيلية، التي بدأت في غزة قبل 21 شهراً واستكملت في لبنان وبخسارة سوريا وسيطرة حالة من عدم اليقين على العراق واليمن.
بإمكان ترامب أن يتباهى الآن بفرض الهدوء بين إيران وإسرائيل، على غرار ما فعل بين الهند وباكستان، أو في جهوده المبذولة في أوكرانيا… متى يحين موعد غزة؟