في تطوّر لافت يُظهر تحولاً في طبيعة الأهداف الاسرائيلية منذ اندلاع الحرب على جبهة الجنوب، أعلن الجيش الاسرائيلي، أمس، تنفيذ غارة جوية استهدفت من وصفه بـ”أحد أبرز مموّلي حزب الله”، المدعو هيثم عبد الله بكري، في منطقة جنوب لبنان.
الغارة الجوية التي نُفذت “بتوجيه استخباري دقيق”، بحسب بيان الجيش، أسفرت عن مقتل بكري، رئيس شبكة “الصادق” للصرافة، وهي شبكة تتهمها إسرائيل بلعب دور محوري في تمويل أنشطة “حزب الله”، بتمويل وتنسيق مباشر من “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الايراني.
وبحسب ما كشفه الجيش الاسرائيلي، فإن شبكة “الصادق” استخدمت كواجهة لتحويل الأموال إلى الحزب، بما يشمل تمويل شراء أسلحة، معدات قتالية، دفع رواتب العناصر، واستمرار العمليات الميدانية. ويأتي ذلك ضمن ما تعتبره إسرائيل “البنية التحتية المالية” التي تربط طهران بضاحية بيروت الجنوبية عبر شبكات صيرفة موزعة بين لبنان، تركيا، العراق والامارات.
وقبل أيام فقط، أعلن الجيش الاسرائيلي أيضاً اغتيال بهنام شهرياري، قائد الوحدة 190 في “فيلق القدس”، خلال عملية أمنية داخل إيران. ويتّهم شهرياري بإدارة شبكات تحويل مالي ضخمة كانت تموّل أذرع إيران الخارجية، على رأسها “حزب الله”، مستخدماً قنوات غير رسمية وواجهات صيرفة وشركات وهمية.
لكن الأكثر إثارة في هذا السياق، هو الربط بين اغتيال بكري وحادثة مشابهة سبقتها، حين قُتل الصيرفي اللبناني محمد علي حسين سرور، في 4 نيسان من العام الماضي، داخل فيلا في منطقة بيت مري – جبل لبنان. وأظهرت التحقيقات الأوّلية حينها أن سرور أُعدم برصاصة في الرأس في عملية تحمل طابعاً استخباراتياً احترافياً. ولم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن العملية، لكن الترجيحات الأمنية، وفق تقارير غربية، وجّهت أصابع الاتهام الى جهاز استخبارات إسرائيلي.
سرور، وهو صيرفي من البقاع الغربي، ارتبط اسمه لسنوات بشبكات تمويل خارجي لـ”حزب الله”، وقيل إنه لعب دوراً أساسياً في نقل أموال من الخارج إلى لبنان، خارج النظام المالي الرسمي. إلا أن استهدافه شكّل حينها نقطة تحوّل لافتة، إذ كانت المرة الأولى التي تتم فيها تصفية شخص مدني – غير عسكري – يُشتبه بارتباطه بالحزب منذ اندلاع الحرب.
خريطة أهداف مالية؟
في تصعيد إضافي، نشر الجيش الاسرائيلي مؤخراً خريطة تُظهر عدداً من شركات الصرافة اللبنانية، متهماً إياها بتحويل الأموال إلى “حزب الله”. ومن بين الأسماء المذكورة:
صيرفة بكري (الصادق).
صيرفة مليحة – بإدارة حسين شاهين.
صيرفة حسن عرايشي.
صيرفة الإنصاف – بإدارة علي شمس.
صيرفة رامز مكتف.
صيرفة يارا – بإدارة محمد بدر بربير.
نشر هذه الخريطة يحمل دلالات أمنية خطيرة، خصوصاً في ظل ما حدث مع هيثم بكري، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول نية إسرائيل في توسيع دائرة الاستهداف لتشمل أصحاب هذه الشركات، تماماً كما فعلت مع بكري.
فهل بدأت إسرائيل فعلياً بتصفية “المنافذ المالية” لـ”حزب الله”؟
بحسب مصادر أمنية تحدثت لموقع “لبنان الكبير”، فإن طبيعة الحرب تغيّرت، وكذلك أدواتها. فإسرائيل التي كثّفت عملياتها ضد مستودعات السلاح ومواقع الاطلاق، بدأت بالتدريج تدمير ما تصفه بـ”الهيكل الداعم” للحزب، سواء عبر البنية اللوجيستية، أو عبر مصادر تمويله. واستهداف الصرافين الذين يُعتقد أنهم يشكلون حلقة وصل حيوية بين إيران و”حزب الله”، قد يكون جزءاً من هذه الاستراتيجية الجديدة.
ورأى الخبير المالي محمد أيوب (اسم مستعار)، في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن “القطاع غير الرسمي للصيرفة يشكل منذ سنوات طويلة قناة فعالة لتحويل الأموال بعيداً عن الأنظمة الرقابية الدولية، خصوصاً بعد العقوبات على البنوك المرتبطة بالحزب”، مشيراً الى أن “إسرائيل على ما يبدو لم تعد تكتفي بملاحقة الشحنات العسكرية، بل بدأت تضرب شبكات التمويل، لأنها تعلم أن كل رصاصة تُطلق تبدأ من حوالة مالية”.
واعتبر أن “ما يثير الانتباه هو التوقيت، فاستهداف محمد سرور ثم هيثم بكري ضمن فترة زمنية قصيرة، يشير إلى وجود لائحة أهداف مالية بدأت تُنفّذ بهدوء، لكن بدقة عالية. وهذا تحول خطير في قواعد الاشتباك، قد ينسحب لاحقاً على شبكات صيرفة وشخصيات مالية أخرى حتى لو لم تكن تحمل سلاحاً”.
وبين سرور وبكري، تظهر خيوط واضحة: شخصيتان غير عسكريتين، لهما صلة مباشرة بالحركة المالية غير النظامية المرتبطة بالحزب، وتُغتالان بفارق زمني أقل من عام، وبطريقة مدروسة.
هذا التوجّه، إن ثبت، قد ينذر بمرحلة جديدة من المواجهة، لا تقتصر على الجبهات، بل تمتد إلى “الحسابات المصرفية”، وتحوّل فيها الصرافة من مهنة تقليدية إلى هدف أمني.