يُصرّ بعض الموالين للسلطة الجديدة على الدفاع الأعمى عنها، رافضين أي تشكيك أو اعتراض يعبّر عنه السوريون حيال مواقف هذه السلطة وممارساتها، بما في ذلك أوجه التقصير والعجز التي تعترف بها السلطة نفسها أحيانًا.
ويُرجع هؤلاء كل مشكلة—ومنها الموقف من الجريمة التي وقعت في كنيسة مار إلياس—إلى اصطفاف طائفي أو ديني أو قومي (تحالف الأقليات)، تمامًا كما كان الأمر إبان الجرائم في الساحل، أو في صحنايا والسويداء. إن الإصرار على سردية “الأغلبية مقابل الأقليات” يهدف إلى تبرير ادعاء تمثيل “الطائفة السنية” بما ينسجم مع بنية السلطة وتركيبتها.
تتنوع خلفيات هذا الخطاب وتظهر في أشكال مختلفة. فهناك من يستنسخ نموذج خالد العبود في التزلف للسلطة، ويسابق غيره في المزايدة على هذا الولاء طمعًا بفتات موائدها. وهناك من صدّق خرافة الصراع الطائفي لأن معرفته وتجربته السياسية لا تتجاوزان شعارات أمين فرقته الحزبية أيام البعث. وبعضهم يجمع بين الأمرين. وهناك أيضًا بسطاء من الناس، وأبناء الحلال، الذين جرفتهم ردود الفعل على ممارسات السلطة السابقة المنهارة.
المشكلة مع أبواق السلطة الجديدة، هي ذاتها مع أبواق السلطة الساقطة: فالوطنية تُختزل بالموقف من السلطة. وبما أن السلطة تمثل طائفة، فإن التشكيك فيها يُعدّ تشكيكًا في الطائفة. وإذا كانت هذه الطائفة هي “الأغلبية”، فإن أي خلاف معها يُوصم بأنه فكر أقلوي. وإن كانت السلطة ذات طابع ديني، فالمعارضة لها تُتهم بالعلمانية. وإن كانت السلطة “سنية”، فإن الاختلاف معها يُفسَّر تلقائيًا بأنه ولاء لإيران الشيعية… هذه الثنائية الساذجة ناتجة عن عقل بدائي لا يمت بصلة إلى علم الاجتماع السياسي، عقل يجمع بين دونيّة تجاه الخارج (حتى لو قتل والده)، واستعلاء وتنمّر على السوريين، حتى وإن كانوا معتقلين سياسيين أو معارضين قدامى للنظام البائد.
يا أولاد الحلال:
ما جرى ويجري في هذه البلاد يثبت، كل يوم، أنه لا يمكن إنقاذ طائفة أو دين أو قومية أو مذهب دون الآخر. وإنّ الخارج لن يتردد في رمي الجميع في سلة مهملات التاريخ حالما تنتهي أدوارهم. لا تنخدعوا بالتصريحات ولا بالزيارات المكوكية. هل نسيتم عنجهية السلطة السابقة؟ هل نسيتم اعتراف أكثر من مئة دولة بالائتلاف الساقط؟ هل نسيتم وعود أوباما؟
معيار الوطنية اليوم، ومعيار الإيمان الصادق، ومعيار الرجولة والاستقامة، كلّها تكمن في السعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من طائفة “عباد الله الفقراء والمظلومين” على هذه الأرض، بدءًا من سكان المخيمات في الشمال ودول الجوار، مرورًا بفقراء الساحل، وصولًا إلى السويداء ودرعا.
أما تحفيز الغرائز وشدّ العصب الطائفي أو القومي أو الديني، فليس إلا دليلاً على الإفلاس السياسي والعجز عن مواجهة الاستحقاقات الفعلية المطروحة على جدول الأعمال.