لقد دخلنا مرحلة وقف إطلاق النار ومعها تقاسم الحصص وتوزيع الأوسمة، بعد المناورة المحسوبة التي وفّرت لأطراف الحرب خلاصاتٍ يستطيع كلّ طرفٍ في هذه الحرب تصديرها لجمهوره وللعالم على أنّه حقّق انتصاراً يستحقّ الاحتفال به والبناء عليه.
الطرف الأوّل والأعلى والأقوى والأكثر فاعليّة هو ذلك الرجل الذي أمر طائرته العملاقة بقصف المفاعلات النووية الإيرانية، فبات بإمكانه ادّعاء أنّه أزالها من الوجود. وهذا إنجازٌ يتباهى به على خصومه الداخليين، وأوّلهم الحزب الديمقراطي الذي لم يستطع فعل ما فعل.
الطرف الثاني إيران، التي تقيّدت بقواعد اللعب مع أميركا، قامت بردٍّ رمزيٍّ متّفق عليه تقدِّر أنّه يحفظ ماء الوجه ويصلح لإرضاء الجمهور الإيراني، ويصبح بوسع الزعيم الإيراني الأوحد والأعلى أن يخرج من مخبئه ويعلن الانتصار.
الطرف الثالث إسرائيل، التي نفّذت معظم مهامّ الحرب، رفعت من وتيرة التباهي بأنّها هزمت إيران وشكّلت شرقاً أوسط جديداً أو عالماً جديداً، وأنّ الدور الأميركي لم يكن أكثر من عاملٍ مساعدٍ لما فعله بنيامين نتنياهو.
الطرف الرابع هو قطر، التي حظيت بحصّة معقولة من التقاسم الجاري الآن. فقد ردّت على الهجوم الإيراني الرمزيّ بالتصدّي له وإسقاط بعض مسيّراته. لم يُجرح قطريّ واحد، ولم تُصَب ناطحة سحاب واحدة من ناطحات الدوحة، وبذلك تعزّز دورها الدائم كوسيط، وأصبحت بعد عمليّة العديد الرمزيّة طرفاً شريكاً في الربح وليس في الخسارة.
هذه هي الصورة كما أراها بعد أيّامٍ من ثبات وقف إطلاق النار، ولِما وصلت إليه الأمور في اليوم التالي لحرب الأيّام الاثني عشر.
من المفترض منطقيّاً أن تكون حرب غزّة قد اقتربت كثيراً من وقفٍ تامٍّ لإطلاق النار وإتمام التبادل إمّا على دفعةٍ واحدةٍ أو عدّة دفعات
ماذا عن غزّة؟
السؤال البديهي والكبير، الذي انطلق حين نشبت الحرب بين إيران وإسرائيل وحين تواصلت وحين توقّفت، كان وما يزال: ما هو انعكاس وقف النار بعد حرب الأيّام الاثني عشر على حرب غزّة التي تدخل يومها الثامن والعشرين بعد الستمئة؟
غزّة
من المفترض منطقيّاً أن تكون حرب غزّة قد اقتربت كثيراً من وقفٍ تامٍّ لإطلاق النار وإتمام التبادل إمّا على دفعةٍ واحدةٍ أو عدّة دفعات، وأن يدخل الفلسطينيون اليوم التالي الذي كان مثيراً للجدل إسرائيليّاً وإقليميّاً ودوليّاً.
بالنسبة لـ”حماس” ينبغي أن تقرأ جيّداً نتائج لعبة القوى الثلاثية “إسرائيل وإيران وأميركا” وما أسفرت عنه فعلاً لا ادّعاءً، وأن تتمثّلها في قراراتها ليس فقط في أمر التبادل والهُدن، وإنّما في ما هو أبعد، أي مصيرها بعد الذي حدث مع إيران وكلّ أذرعتها في المنطقة، بينما “حماس” وحدها من يقاتل حتّى الآن.
تقويم الخلاصات في إسرائيل
في إسرائيل يتنامى اتّجاه إلى تقويم خلاصات حرب إيران وتواصل حرب غزّة، فالرأي العامّ الإسرائيلي تقبّل على مضض حكاية الانتصار في إيران، تماشياً مع مواقف ترامب ونتنياهو، غير أنّه يسير في اتّجاهٍ آخر بشأن الحرب على غزّة، حيث الأغلبية تتّجه نحو حتميّة توقّفها. ويغذّي هذا الاتّجاه جنرالات سابقون وساسة مهمّون ذوو صدقيّة في الرأي مثل غابي أشكنازي الذي يعتبر الحرب على غزّة كارثة، وفشلاً يتعيّن التوقّف عن الاستمرار فيه.
إقرأ أيضاً: إسرائيل… فائض القوة وفقر السياسة
على طاولة توزيع الحصص بين المتقاتلين في حرب إيران، وفي حفلة تقاسم الأوسمة يتساءل الفلسطينيون الذين ما تزال الحرب عليهم في غزّة والضفّة على أشدّها: كيف ستكون التطوّرات المقبلة؟ هل يصدق ترامب في قوله إنّ الحرب على غزّة ستتوقّف وإنّ العمل على إنهاء الحروب المؤهِّل للحصول على جائزة نوبل سيبدأ؟ والسؤال الآخر والأهمّ: هل يبدأ العمل من صفقة القرن البائسة ظنّاً من صاحبها بأنّ الظروف سمحت بإعادة إحيائها أم يتطلّب إنهاء الحرب من دون تزويرٍ وادّعاءٍ حلّاً يرضى عنه الفلسطينيون؟
لن ننتظر طويلاً حتّى تظهر الحقيقة.