بعد أن صمتت أصوات الصواريخ والمسيّرات، ودمّرت الولايات المتحدة الأميركية وفق قولها، المشروع النووي الإيراني في الشرق الأوسط، هل انتهى حلم إيران النووي بانتهاء حرب 12 يوماً بين إسرائيل وإيران؟ أم أن الحلم لا يزال على قيد الحياة وقادراً على النهوض من تحت الركام؟ في ظل استمرار الجدل حول نتائج الضربات الأميركية ضد المنشآت النووية في إيران.
حرب 12 يوماً
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل حيز التنفيذ صباح الثلاثاء 24 حزيران/يونيو، داعياً الطرفان عدم خرقه. وجاءت الهدنة بعد قصف أميركي بصواريخ كروز وقاذفات B-2 الشبح الخارقة للتحصينات لمنشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية الرئيسية في إيران، لترد الأخيرة بقصف قاعدة العديد الأميركية في قطر.
وفي هذا الصدد كشف ترامب أثناء لقائه بالأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته في لاهاي، عن القضاء كلياً على المنشآت الإيرانية النووية، وشدد على أن القدرات النووية والصاروخية لطهران تراجعت لعقود، بينما ترى الأخيرة أن كل شيء كان مُعداً مسبقاً وأن المنشآت لم تتضرر.
وفي 13 حزيران/يونيو الجاري أطلقت إسرائيل موجة من الهجمات على مناطق إيرانية عدة من ضمنها العاصمة طهران، مستهدفة قواعد عسكرية ومنشآت نووية وعشرات القادة العسكريين والاستخباراتيين ونحو 17 عالماً نووياً، لترد إيران بسلسلة من الهجمات الصاروخية البالستية والفرط صوتية والمسيّرات نحو إسرائيل، طالت تل أبيب وحيفا وبئر السبع وغيرها.
‘‘لن تتخلى إيران عن الحلم النووي’’
في تصريحات لـ‘‘963+’’، أوضح الباحث والمحلل السياسي الإيراني، صالح القزويني، المقيم في طهران، أنه من المستحيل أن تتخلى إيران عن حلمها النووي مرجعاً ذلك، إلى كون البرنامج النووي أحد الدعائم الرئيسية للحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، التي تستخدمه طهران كورقة ضغط على الطرف الآخر الذي يهددها.
كما أشار القزويني في حديثه إلى التناقض ما بين تأكيد ترامب على أن الضربات الأميركية دمرت المنشآت النووية الإيرانية، وبين دعوته لإيران للعودة إلى طاولة المفاوضات، قائلاً: ‘‘لو أن ترامب كان متأكداً من تدمير البرنامج النووي الإيراني لما دعا الأخيرة للتفاوض’’.
وكان ترامب، أكد على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في لاهاي أن محادثات ستُعقد مع إيران الأسبوع المقبل، مرجحاً في الوقت نفسه توقيع اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، دون أن يحدد طبيعة المحادثات أو مكانها، وقال إن واشنطن ستسعى إلى التزام من طهران بإنهاء طموحاتها النووية في المحادثات.
ونوه الباحث الإيراني إلى أن إيران أعدت نفسها لكافة السيناريوهات، وأنه حتى لو تمكنت واشنطن من تدمير البرنامج النووي الإيراني كما تدّعي، فلن تستطيع تدمير العقول النووية التي صنعت ذلك البرنامج، لأنها موجودة وقادرة على أن تصنعه من جديد.
‘‘الحلم النووي مرتبط بالنظام الحاكم’’
في ذات السياق، أكد الباحث في الشأن الإيراني، الدكتور مسعود إبراهيم حسن، على أن حلم إيران النووي مرتبط ارتباطاً كلياً بالنظام الحاكم في إيران، قائلاً: ‘‘طالما نظام الملالي يحكم إيران فسيكون لديه دائماً رغبة في امتلاك السلاح النووي، لأن النظام الإيراني نظام إيديولوجي لديه مشروع عقائدي مرتبط ارتباط وثيق بالمنطقة’’.
وتابع حسن في حديثه لـ‘‘+963’’: ‘‘استمرارية المشروع الإيراني مرتبطة هي الأخرى بسلاح ردع يمكّن إيران من تحقيق حلم الهلال الشيعي، إضافة إلى أن إيران لديها هاجس تهديد وجودي خاصة من الكيان الصهيوني الذي هو الآخر رافض لفكرة امتلاك إيران السلاح النووي لأنه لا يرغب أن يكون هناك تهديد لمشروعه هو الآخر في المنطقة’’.
وأضاف، أن إيران تسعى بكل قوة لامتلاك التقنية النووية العسكرية والوصول للعتبة النووية حتى تستمر في مشروعها وبقائها لذلك لن تتخلى عن حلمها النووي بأي شكل من الأشكال.
‘‘إيران خارج النادي النووي’’
فيما يرى المحلل السياسي والباحث في الشأن الإسرائيلي، الدكتور خليل أبو كرش، أن حرب 12 يوماً شكلت جولة مفصلية في فرص وإمكانية أن تتحول إيران إلى دولة نووية بعد أن كانت دولة على العتبة النووية، مشيراً إلى أن الملف النووي الإيراني تضرر كثيراً ولا يمكن أن تكون إيران عضواً في النادي النووي في ظل ولاية ترامب.
وتابع أبو كرش، أنه سواء بالمفاوضات أو بالعمل العسكري النتيجة واحدة لا يمكن القبول بطموحات إيران النووية، وستواصل واشنطن وتل أبيب مراقبة جميع المشاريع الإيرانية. وأزيد قائلاً: ‘‘منذ اللحظة الأولى للحرب خسرت طهران أجوائها وعلمائها وقادة عسكريين من الوزن الثقيل وهذا مؤشر واضح لحجم الاختراق الاسرائيلي ووجود أخطاء أمنية كبيرة في المنظومة الإيرانية’’.
لذا على الصعيد الأمني، وفق الباحث في الشأن الإسرائيلي، أن هذه الحرب فتحت آفاقاً جديدة لطهران لإعادة بناء ومراجعة أفكارها وعقيدتها الأمنية والاستخباراتية، قبل التفكير من جديد بطموحاتها النووية.
وتابع أن ‘‘إيران عمدت إلى بناء شبكة من الفاعلين في الإقليم، لغايات متعددة أهمها أن تبقى طهران في مأمن من أي حرب على أرضها، ولكن مع سقوط الأذرع العسكرية لإيران والضربة التي تلقتها سيكون من الصعب أن تعود إيران كما كانت عليه قبل الحرب، وهذا يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول الإستراتيجية التي ستستخدمها طهران سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي’’.
كما ذهب الدكتور خليل أبو كرش، في حديثه لـ”963+”، إلى أن البرنامج النووي أضّر بالإيرانيين، وأردف قائلاً: ‘‘استثمر نظام أية الله الكثير من موارد الدولة ولسنوات طويلة في هذا البرنامج وعانى من عقوبات اقتصادية كبيرة أعاقت فرص البناء والتنمية للمواطن الإيراني، والآن مع الضربة الموجعة لإيران عانى الشعب الإيراني من جديد كون الضربات لحقت دمار كبير بالمنشآت العامة كمحطات الكهرباء والوقود’’.
‘‘حلم إيران النووي انتهى’’
أمّا الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية، خالد حمادة، يرى أن إيران مجرّدة من كل الإمكانيات التي تمكنها الحصول على سلاح نووي، وأن مشروعها النووي انتهى والدليل القبول الإيراني الطوعي لوقف الحرب مع إسرائيل.
ولكن النقطة التي لم تنته بعد، وفق حمادة، هي ‘‘مسألة الصواريخ البالستية والأذرع العسكرية لإيران في الشرق الأوسط، التي لا تثير فقط قلق واشنطن وتل أبيب وإنما تثير قلق الدول العربية وعلى رأسها الخليجية، فهي لا تقبل بأنشطة أذرع إيران التي أضرت باستقرار المنطقة، لذلك ستكون هناك معادلة إقليمية جديدة تستند إلى إيران جديدة مجردة من كل عناصر القلق وتقويض الاستقرار’’.
وحول فرضية إمكانية نقل اليورانيوم المخصّب والبالغ حوالي 400 كيلوغرام قبل استهداف المنشآت النووية الإيرانية من قبل واشنطن، عقّب حمادة قائلاً: ‘‘إخلاء اليورانيوم المخصب من المفاعلات النووية ونقله حتى ولو تم فسيكون حتماً بتنسيق مع واشنطن لأن قصف المنشآت النووية وبداخله هذه النسبة الهائلة من اليورانيوم المخصب سيؤدي لكوارث طبيعية’’. ويعتقد الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية أنه تم نقل اليورانيوم لروسيا أو إلى دولة تثق بها طهران وواشنطن معاً.
وكانت إيران أكدت حتى قبل القصف الأميركي لمنشآتها النووية أنها وضعت مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب في مأمن، وحتى لو كان من المستحيل تأكيد هذا الادعاء أو نفيه، فقط أقّر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، في تصريحات لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، بأنه يشاطر الرأي القائل بأن المخزون قد تم نقله.