ملخص
يبدو أن الحكومة الإسرائيلية قررت الحسم ولكنها انقسمت حول التوقيت، العسكريون يطالبون بإنهاء الميليشيات فوراً، والسياسيون يريدون التمهل للتنسيق مع الإدارة الأميركية.
وإذ يعود الحديث عن ضرورة إنهاء حرب غزة بطريقة أو بأخرى، تعود الطروحات لطاولة المحادثات والبحوث الدبلوماسية حول طريقة إنهاء الأزمة وبالتالي مستقبل القطاع، وتعود معها الطروحات القديمة وتصورات جديدة، بما فيها التركيبة الأمنية بعد توقف الحرب والسلطة الجديدة والقوة الميدانية والسيادة الفلسطينية والتصور الأميركي والموقف الأميركي والتأثير الإيراني.
يذكر أن نهاية حرب غزة هي مرتبطة بـ”غزوة” السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أي أن الخروج من هذه المواجهة الدموية الطويلة لا يمكن أن يعود لنقطة الانطلاق، أي إلى الستاتيكو الذي كان قائماً مساء السادس من أكتوبر 2023، فبعد مثل هذه الحرب الطاحنة التي تحولت إلى سبع مواجهات من إيران إلى اليمن، تحولت ديناميكيات المنطقة إلى شي آخر لا بد من استكشافه لمعرفة سر نجاحه أو فشله.
الموقف الإسرائيلي واضح في الأساس ولكنه قابل للتغيير، فحكومة بنيامين نتنياهو كانت أعلنت في بداية الحرب أنها لن تقبل بأقل من إنهاء وتفكيك “حماس” وإقامة أمن عسكري إسرائيلي في القطاع، ولكن ضغوط إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لفرض وقف إطلاق نار أخّر إنهاء إسرائيل للمعركة في غزة، لذا عندما وصلت إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وجدت واقعاً معقداً وحالة غير محسومة، مما وفر فرصة للملياردير الجمهوري لكي يتقدم بتصوره الخاص حول “إعادة بناء” غزة ونقل سكانها حتى إنجاز تصوره.
في أول وهلة أيد رئيس الحكومة الإسرائيلية مشروع ترمب، ولكن سرعان ما تغيرت الأمور وعاد الرئيس الأميركي بفكرة التفاوض مع “حماس” وعين الموفد ستيف ويتكوف للمباشرة بها. وجاءت المواجهة الصاروخية بين إسرائيل وإيران لتؤجل حسم مسألة غزة سلماً أو حرباً، وقيل إن ترمب أعطى إسرائيل مجالاً “لإنهاء مسألة ’حماس‘ على الأرض بسرعة” ونقل الملف إلى مفاوضات حول المستقبل، ولكنه بالوقت نفسه أوصى باستمرار المفاوضات بمساعدة قطر التي تسعى إلى تسوية أميركية مع الحركة الفلسطينية.
من هنا يبدو أن الحكومة الإسرائيلية قررت الحسم، ولكنها انقسمت حول التوقيت. العسكريون يطالبون بإنهاء الميليشيات فوراً، والسياسيون يريدون التمهل للتنسيق مع الإدارة الأميركية. وفي الوقت نفسه بدا كلام عن إمكان إيجاد دور لقوات عربية في غزة، كما كنا طرحنا منذ أشهر، لا بل سنوات، إلا أن إسرائيل لم تعلق بعد على إعادة طرح الفكرة.
موقف “حماس” وداعميها في المنطقة لا يزال كما هو، فعلى رغم خسارة معظم القطاع تتمسك الحركة باستمرار سيطرتها على كامل غزة بعد استكمال الانسحاب الإسرائيلي وكأن الحرب لم تحدث. فـ”حماس” ما بعد “غزوة أكتوبر” والحرب المدمرة التي لحقتها لا تزال تعتبر أنها هي السلطة الشرعية الوحيدة في القطاع، إلا أن قيادتها الحالية صرحت بأنها قد تقبل بتشكيل حكومة مستقلين وتكنوقراط، ولكن من دون سيطرة على الميليشيات. وبالوقت نفسه ترفض “حماس” إعادة القطاع للسلطة الفلسطينية أو حتى المشاركة معها في حكم غزة، مما يعزز الاعتقاد بأن الحركة تتكل على أطراف إقليمية لإنقاذها من التفكك والانحلال، وذلك عبر المفاوضات المباشرة مع أميركا وبدعم عربي.
لكن الخطة الأوسع لـ”حماس” هي في ربط المفاوضات مع إدارة ترمب بالمفاوضات الإقليمية مع إيران التي تشمل الحوثيين و”حزب الله” وربما الميليشيات الخمينية في العراق، فتتحول حظوظها إلى حلقة وسع وتربط مصيرها بمصير المفاوضات وربما الصفقات الإقليمية الشاملة. وهنا يصبح السؤال، هل ستقبل إسرائيل بمثل هذه المعادلة؟ وهل ستقبل بانسحاب يعيد “حماس” لكامل القطاع كما كان الوضع قائماً قبل السابع من أكتوبر؟ وفي المقابل هل ستقبل “حماس” بالاندثار الذاتي والانحلال؟ لا نعتقد. فأية حكومة إسرائيلية لا تفكك “حماس” ستسقط سياسياً، وأي حل يفكك “حماس” سيكون خطراً على أعضائها، من هنا إمكان أن يعود طرح القوات العربية مجدداً.
إدارة ترمب واقعة تحت ضغوطات متعددة في هذا الملف، هناك طبعاً التأثير الإسرائيلي التقليدي ودعم قطاع واسع من الرأي العام في الولايات المتحدة لعلاقة استراتيجية بين الحليفين وإعطاء إسرائيل الأفضلية.
التحديات باتت الآن أكثر تعقيداً من ذي قبل لأن كل الأطراف لم تتفاهم بعد على بعض الأمور، أولاً على طريقة إنهاء القتال في غزة وعلى من يكون مسؤولاً عن الأمن. ففي ما يتعلق بإنهاء القتال هناك أكثر من سيناريو، “الأول” بإعطاء ضوء أخضر لإسرائيل لاستكمال العمليات حتى إنهاء “حماس” كلياً، و”الثاني” بإعلان “حماس” موافقتها على خطة أمنية يشارك بها العرب ومقبولة من إسرائيل. فقط الخروج من خيار مثل هذا صعب بحد ذاته، فالحركة ستقاتل إسرائيل إلى آخر الحدود باستثناء التوصل إلى اتفاق على سحب الميليشيات إلى بلد آخر. وفي الحالتين فإن هناك لاعبان سيقرران مصير “حماس”، إذا كانت لتبقى في غزة من ضمن حل – لإنهائها إما بإخراجها أو تفكيكها – وهما إسرائيل والولايات المتحدة.
الأسعار تطارد الغزيين في نزوحهم من دون اكتراث بالحرب
إسرائيل بإمكانها أن تنهي “حماس”، ولكن واشنطن بإمكانها أن تشرع النتائج، وبالتالي فالحكومتان ستبحثان في الصفقة الأخيرة، وعلى ضوء التطورات لا يزالان يتطلعان إلى اتجاهات غير متكاملة. إسرائيل تريد إنهاء “حماس” والسيطرة على غزة وربما قبول محدود بوحدات عربية، والإدارة الأميركية يهمها إنهاء الحرب وبالوقت نفسه إنجاز صفقات سلام. وبما أن مثل هذه الصفقات ليست واضحة مع من ستكون، فقرار فريق ترمب سيصدر تقييمه الأخير وسنرى. إن اختار صفقة شاملة مع إيران وميليشياتها سيضغط على إسرائيل ويحاول إقناعها بصفقات ثنائية معها، عندها ستقرر إسرائيل إن كانت تقبل أم تشن هجوماً عسكرياً ينهي الميليشيات، كما حاولت أن تفعل في مواجهتها مع إيران.
إلا أن المشكلة الأكبر بعد حل المسألة الأولى، أي كيفية إنهاء “حماس”، هي من سيحل مكانها. الإسرائيلييون بمفردهم؟ أم العرب؟ أم قوة فلسطينية جديدة، محلية أم وطنية، تابعة لمن؟ أسئلة لا تنتهي، ضف إليها تطورات مرادفة ومرتبطة ومفاجئة، كتدخل إيراني أو تركي، أو تفجير في الضفة الغربية، إلى ما هنالك من تطورات محتملة. المستقبل أمامنا.