فرّ عدد كبير من قيادات وعناصر أمنية تابعة لـ نظام بشار الأسد المخلوع إلى لبنان، وذلك فور سقوط النظام في الثامن من شهر كانون الأول 2024، مستفيدة من قرب الحدود بين البلدين.
واستقر الفارون في مناطق البقاع والضاحية الجنوبية في العاصمة بيروت وأماكن متفرقة أخرى، معتبرين لبنان ملاذاً آمناً، خاصّة أنّ السلطات اللبنانية الجديدة لم تسلمهم إلى سوريا الجديدة، وسط استمرار هيمنة “حزب الله” على المشهد السياسي والأمني رغم بدء عهد رئاسي جديد.
وردّاً على ذلك، نشر الجيش اللبناني حواجز أمنية في مناطق يتمركز فيها لاجئون معارضون لنظام المخلوع في سوريا، تحسّباً لأي اشتباكات أو توترات بين الطرفين.
لكنّ الواقع الحالي في سوريا من جهة، وإصرار الحكومة السورية الجديدة على محاسبة كل مَن تورّط في إراقة دماء السوريين من جهة أخرى، فرضا على لبنان مطلباً ملحاً يتمثّل في تسليم هؤلاء الفارين إلى القضاء السوري، كما أن استضافة لبنان لفلول النظام السابق وضعته في موقف حرج أمام المجتمع الدولي.
“لبنان ما يزال خاضعاً لهيمنة ميليشيات إيران”
في هذا الصدد، قال العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني يعرب صخر لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ السلطة اللبنانية الجديدة ترفض التحرّر من هيمنة ميليشيات إيران، رغم توفر الدعم والفرص الكافية لتحقيق ذلك.
وأضاف “صخر”، أنّ الدولة اللبنانية ما تزال تراعي مصالح “حزب الله” و”محور المقاومة والممانعة”، وتفتقر إلى الجرأة والنضج السياسي، فضلاً عن غياب الرؤية الاستراتيجية والقدرة على استغلال المتغيرات الإقليمية والدولية لصالحها.
وتابع: “لا يمكن تسليم فلول نظام المخلوع بشار الأسد إلى العدالة السورية إلا بعد أن تحسم السلطات اللبنانية أمرها، وتفرض سيادتها، وتُرسي علاقات سليمة مع سوريا الجديدة تقوم على مبادئ الحقوق والواجبات، بعيداً عن هيمنة حزب الله وأتباعه”.
ما موقف لبنان القانوني؟
من جانبه، أشار المحامي طارق شندب إلى أنّ أفراد النظام السوري السابق الفارين إلى لبنان، دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، إذ دخل بعضهم بمساعدة ضبّاط لبنانيين مقابل رشاوى واتفاقات مالية، في حين كان من المفترض تسليمهم فوراً إلى السلطات المختصة.
وكشف شندب لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ “فلول النظام يتوزّعون في شمالي لبنان وجنوبه، إضافة إلى بيروت وجونية والبقاع”، مشيراً إلى أنّ بعضهم مطلوبون دولياً عبر الإنتربول بتهم تتعلق بالإرهاب أو تجارة المخدرات، كما لفت إلى أنّ “العديد منهم يحملون وثائق سفر وإقامات مزورة، وسط تجاهل من السلطات اللبنانية، مما يهدد العلاقات اللبنانية-السورية ويعرّض لبنان للمساءلة الدولية”.
وشدّد على ضرورة تسليم المطلوبين إلى سوريا وعدم منحهم أي تسهيلات، واصفاً إياهم بـ”المجرمين”، الذين تربطهم بالدولة اللبنانية علاقة أمنية بحتة، فضلاً عن تورّطهم في شبكات تهريب، مثل وسيم الأسد، الذي استُدرج من لبنان إلى سوريا.
5253
اعتقال وسيم الأسد.. مفصل رمزي في مسار العدالة الانتقالية في سوريا
وأعرب “شندب” عن مخاوفه من وجود هؤلاء على الأراضي اللبنانية، قائلاً: “إنهم يشكلون خلايا إرهابية، خاصة بعد ورود معلومات عن ضلوعهم في أحداث الساحل السوري عبر شبكاتهم، وتلقيهم دعماً مالياً من بعض الموالين للنظام السابق في لبنان”.
لبنانيون: “اللاجئون الجدد لا يشبهون من سبقهم”
أظهر استطلاع أعدّه فريق تلفزيون سوريا في لبنان، أن شريحة واسعة من اللبنانيين ترى أن الفئة الجديدة من السوريين الذين وصلوا مؤخراً إلى لبنان لا تمثّل “لاجئين” بالمعنى الإنساني، ولا تشبه أولئك الذين هربوا من الحرب خلال السنوات الـ12 الماضية.
وأكّد المشاركون في الاستطلاع، أنّ السوريين الذين لجؤوا إلى لبنان سابقاً فرّوا من الحرب والاعتقال والتعذيب، واستشهدوا بالصور التي ظهرت من “سجن صيدنايا” بعد سقوط النظام، لتبرير حجم موجات اللجوء، مشيرين إلى أنّ القادمين الجدد لم يفرّوا من الحرب بل من المحاسبة على جرائم حرب ارتكبوها خلال دعمهم للنظام البائد، ولا يندرجون تحت صفة “لاجئين”.
اقرأ أيضاً.. سلام: نعمل لضمان العودة الآمنة للاجئين السوريين من لبنان
وطالبوا الحكومة اللبنانية بإحصاء أعداد “اللاجئين الجدد”، وتوثيق هويات القادمين بعد سقوط نظام المخلوع، ومتابعة ملفات المطلوبين لجرائم حرب بالتنسيق مع الحكومة السورية الجديدة، وتسليمهم باعتبارهم تهديداً للأمن اللبناني وللاجئين السوريين المقيمين في لبنان.
وكانت وزارة المهجرين اللبنانية قد كشفت في إحصاء رسمي، أنّ نحو 170 ألف سوري دخلوا لبنان بين كانون الأول/ ديسمبر 2024 وكانون الثاني/ يناير 2025، معظمهم يستقرون في مناطق حدودية مثل البقاع وبعلبك والهرمل، تحت إشراف تعاونيات “البتول” التابعة لـ”حزب الله”.
اقرأ أيضاً
رويترز: لبنان تدرس مقترحاً أميركياً لنزع سلاح حزب الله قبل تشرين الثاني
رويترز: لبنان تدرس مقترحاً أميركياً لنزع سلاح “حزب الله” قبل تشرين الثاني
يشار إلى أنّ لبنان حصل على مهلة ستة أشهر من المجتمع الدولي لتنفيذ شروط تتضمن نزع سلاح “حزب الله” والفصائل الفلسطينية، وترسيم الحدود مع سوريا والاحتلال الإسرائيلي، وتعزيز سيادة الدولة على كامل أراضيها، إلا أنه لم يُحقّق أي تقدم يُذكر في هذا الصدد حتى الآن.