على الرغم من الانفتاح الأميركي الأخير تجاه السلطات السورية الجديدة، ورفع العقوبات عن سوريا، قامت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بخطوة لافتة، إذ خصصت نحو 130 مليون دولار ضمن موازنتها لعام 2026 لدعم كل من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) و”جيش سوريا الحرة” في إطار استمرار الحرب على تنظيم “داعش”.
وبينما تبدو الخطوة امتدادا لسياسة الدعم الأميركي للقوى المحلية في شمال شرق سوريا، إلا أنها تطرح في السياق الراهن تساؤلات حول تجدد “البنتاغون” لهذا الدعم المالي، فضلا عن انعكاسات ذلك على مسار التسوية الموقعة في 10 آذار/مارس بين “قسد” والحكومة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، في ظل لقاء مرتقب بين قائد “قسد”، مظلوم عبدي والمبعوث الأميركي توماس براك.
ويندرج هذا التمويل الأميركي المتجدد لـ”قسد” وقوات “جيش سوريا الحرة” في إطار الدعم المستمر لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا. لكن توقيت الإعلان عن هذا التمويل قبل توصل دمشق و”قسد” لتسوية سياسية بشأن مستقبل سوريا وعدم إشراك الأولى ضمن هذا الدعم، يعكس ربما رغبة أميركية في تثبيت أقدام حلفائها المحليين في خريطة النفوذ السورية، وفق مراقبين تحدثوا لـ”الحل نت“.
أبعاد الدعم الأميركي لـ”قسد”
يتزامن الدعم الأميركي مع تقارير عن تفاهمات أولية بين “قسد” ودمشق، تقودها شخصيات من “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا وفريق من السلطات السورية الجديدة. إلى جانب التقارب الأميركي تجاه السلطات الجديدة في دمشق.
وحول ذلك، يقول الباحث السياسي الكُردي السوري في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية في “جامعة كوفنتري” ببريطانيا، زارا صالح، إن التمويل الذي أدرجته وزارة الدفاع الأميركية لعام 2026 يأتي في إطار دعم الشركاء المحليين، وتحديدا قوات سوريا الديمقراطية، في الحرب ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، حيث تُخصص “البنتاغون” هذا التمويل سنويا لشركائها المحليين في كل من سوريا والعراق أيضا.
وأردف صالح في حديثه لـ”الحل نت”، أن هذا الدعم الموجه لـ”قسد” يدخل ضمن برامج التدريب والتجهيزات اللوجستية، ويشمل مساعدات عسكرية ولوجستية مستمرة. فعلى سبيل المثال، خلال الشهر الجاري تموز/يوليو، دخلت عشرات الشاحنات المحمّلة بالمعدات العسكرية واللوجستية إلى مناطق سيطرة قوات “قسد” في شمال وشرق سوريا.
وأشار صالح إلى أن هذا الدعم لم يتوقف، ولا يوجد حتى الآن أي قرار من “البنتاغون” بإنهائه، كونه يندرج ضمن إطار استراتيجية محاربة “داعش”، وضمان استقرار المراكز التي تحتجز عناصر التنظيم، مثل مخيم “الهول” الذي يأوي عوائل عناصر “داعش”، إضافة إلى دعم العمليات الميدانية ضد خلاياه.
هل تملك سوريا مقومات الدخول في سلام مع إسرائيل؟ وما أبرز العقبات؟
الولايات المتحدة ترى أن هذا الدعم ضروري لمنع عودة “داعش”، ويأتي ضمن شراكة مستمرة بين قوات “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن، و”قسد”، التي أثبتت قدرتها على تنفيذ هذه المهام ميدانيا، وفق تعبير صالح.
الانعكاسات على مسار التفاوض مع دمشق
في ضوء التقارير التي تتحدث عن مخططات محتملة لتنظيم “داعش” لشن هجمات جديدة داخل سوريا، قد يعني تجديد “البنتاغون” الأميركي الدعم لقوات “قسد” و”جيش سوريا الحرة” كمؤشر على استمرار اعتماد واشنطن على هذه القوات المحلية في محاربة التنظيم، رغم التقارب الأخير بينها وبين سلطة الشرع في دمشق.
وحول انعكاسات قرار “البنتاغون” على مسار التسوية المطروحة بين “قسد” ودمشق، يرى الباحث السياسي، زارا صالح، أن الدعم الحالي يعكس استمرار الشراكة بين “قسد” و”التحالف” الدولي بقيادة واشنطن، ولا توجد مؤشرات لإنهاء هذا الدعم.
وفي تقدير صالح، فإن التمويل الأميركي المتجدد حاليا يقوي موقف “قسد” السياسي في أي مفاوضات مقبلة مع السلطات بدمشق، لا سيما أنه يأتي وسط حملة دعائية تتحدث عن قرب توقف الدعم الأميركي للأكراد بشمال وشرق سوريا.
قائد “جيش سوريا الحرة” خلال جولة ميدانية بمنطقة التنف في سوريا- “الشرق الأوسط”
أما تمويل فصيل “جيش سوريا الحرة” بالتوازي مع “قسد”، كذلك يمكن تفسيره على أنه إعادة توزيع للأوراق المحلية، ومحاولة أميركية لإيجاد توازن بين هذه القوى على الأرض.
تباينات عميقة بين “قسد” ودمشق
تتوارد الأنباء حول لقاء مرتقب سيجمع المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، بالقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، في إطار التنسيق المستمر بين “قسد” و”التحالف الدولي” الذي تقوده واشنطن لمحاربة تنظيم “داعش” في سوريا والعراق.
وبحسب بعض التقارير الصحفية، فإن باراك سيناقش مع عبدي سبل تنفيذ اتفاق العاشر من آذار/مارس، الموقع بين الأخير وأحمد الشرع، فضلا عن احتمال أن يسعى المبعوث الأميركي إلى “تحديث” الاتفاق أو الدفع باتجاه صيغة جديدة وبدعم فرنسي أيضا.
وفي هذا السياق، يرى صالح أن أميركا كانت راعية لاتفاق 10 آذار/مارس بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، لكن التنفيذ على الأرض “بطيء جدا”. كما أن إعلان الشرع “الدستوري” تاليا، يتناقض مع مضمون الاتفاق، خاصة في ما يتعلق بحقوق الكُرد والتعددية ودمج “قسد” ضمن “وزارة الدفاع السورية”.
عودة اللاجئين السوريين: صدمة بالواقع ومحاولة للتكيف
وبالتالي، ثمة تباينات عميقة بين الجانبين، أبرزها تمسك الشرع بالمركزية، مقابل رؤية كُردية تدعو إلى اللامركزية وشراكة حقيقية في قيادة البلاد، يضيف صالح خلال حديثه مع “الحل نت”.
ولذلك، فإن اللقاء المرتقب بين عبدي وبراك سيناقش تنفيذ بنود اتفاق 10 آذار/مارس بحيث يتم تنفيذه بشكل فعّلي على أرض الواقع. كما أن هناك رؤية كُردية شاملة نابعة من “مؤتمر القوى الكُردية”، الذي انعقد في نيسان/أبريل الفائت، والتي تطالب بتثبيت حقوق الكُرد دستورياً، وهو ما لا يلقى تجاوبا حاليا من دمشق، وفق يراه صالح.
في العموم، نتائج اللقاء بين عبدي وبراك ربما ستكون حاسمة في فهم إن كانت واشنطن تدفع باتجاه تثبيت الوضع الراهن على ما هو عليه، أم ستمهد لمسار سياسي مرن يتضمن تسويات مع دمشق شرط استمرار التواجد الأميركي في سوريا.
قائد قوات “قسد” والرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع- “الرئاسة السورية”
وبالتالي، على السلطة الجديدة في دمشق، وضع مقاربة متكاملة، بل خطة وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب، تشمل ملاحقة الخلايا النائمة، خصوصا في البادية السورية، التي لطالما شكلت ملاذا آمنا للتنظيم، حتى تصبح شريكة موثوقة مع “التحالف الدولي” في مكافحة “داعش”.
ولكن، حتما ومن الضروري الانفتاح والتنسيق مع القوى السورية الأخرى، وخاصة تلك التي بمقدورها الاصطفاف لمواجهة مخاطر هذا التنظيم وخلاياه وحواضنه، مثل قوات سوريا الديمقراطية، بغية مواجهة الخطر المشترك، ودمجها ضمن إطار الدولة الجديد. وبطبيعة الحال، تحقيق توافق سياسي داخلي، يحصن البلاد من الفوضى ويمنع أي فراغ قد يُستغل لإعادة تدوير “داعش” لنفسه، فضلا عن أن أي توافق بين “قسد” ودمشق من شأنه أن يجنب البلاد من شبح الحرب الأهلية، ويمهد الطريق نحو الاستقرار والأمن، لا سيما على المستويات الأمنية والاقتصادية والمجتمعية.
نيويورك تايمز: صور أقمار صناعية تكشف كيف دُفن معارضو الأسد في مقابر جماعية
الصدر يجهّز لاحتجاجات مليونية: العراق أمام غليان جديد؟