شهدت تركيا، يوم الجمعة الماضي، حدثاً تاريخيّاً تمثّل باتّخاذ «حزب العمال الكردستاني» خطوةً نحو تسليم سلاحه، بعد 41 عاماً من بدء نشاطه المسلّح، في الـ15 من آب 1984، ضدّ الدولة التركية. ومع أنّ هذه الخطوة كانت رمزية إلى حدّ بعيد، لكن نُظر إليها على أنها تجاوز العتبة النفسية الأكثر صعوبة أمام إيجاد حلّ للمشكلة الكردية في تركيا.
وفي إحدى نواحي منطقة السليمانية في شمال العراق، اصطفّ 30 من مقاتلي الحزب، من الرجال والنساء، ومن بينهم القيادية البارزة بيسيه هوزات، وهم يحملون أسلحتهم الفردية، وتقدّموا واحداً تلو الآخر ليرمي كلّ واحد منهم رشاشه الحربي وحزام الرصاص في أتون كبير، وليتمّ بعد ذلك إشعال النيران في الساحة تعبيراً عن توديع السلاح.
ويفترض أن تلي هذا الإجراء، خطوات من مثل تسليم الأسلحة الثقيلة، بعد تحديد الجهة التي ستسلَّم إليها، وكذلك مصير المقاتلين الذين يتخلّون عن سلاحهم. ولفت في هذا الإطار، تصريح للسفير الأميركي لدى تركيا، توماس براك، الذي رحّب بالخطوة، قائلاً إنه «إذا أراد قياديّو حزب العمال العيش في الولايات المتحدة، فيمكن لهم ذلك».
وجاءت هذه الخطوة بعد نداء وجّهه زعيم الحزب، عبد الله أوجالان، المعتقل في جزيرة إيمرالي التركية منذ عام 1999، إلى قيادة الحزب لعقد مؤتمر لحلّ نفسه، وإعلانه التخلّي عن الكفاح المسلح، وهو ما حصل في السابع من أيار الماضي، في مؤتمر استثنائي وأخير للحزب. وتمّ الاحتفال برمزية تسليم السلاح، بحضور ممثّلين عن أحزاب تركية وكردية، فيما لم يُدعَ الصحافيون، وذلك لـ«أسباب أمنية»، وفقاً لما ذكرته مصادر كردية. ووصفت صحيفة «تركيا» الموالية، في عنوانها الرئيس، حرق أسلحة مقاتلي «حزب العمال»، بتعبير «نار السلام».
وفي اليوم التالي لبدء التسليم، كانت تركيا على موعد مع خطاب لرئيسها، رجب طيب أردوغان، وصفته وسائل الإعلام الموالية سلفاً، بأنه «تاريخي». وممّا جاء في الكلمة التي ألقاها رئيس الجمهورية قبل ظهر السبت الماضي، في احتفال لـ«حزب العدالة والتنمية»، إنّ «باب القرن التركي قد فُتح»، وإنه بخطوة «الكردستاني» تسليم سلاحه «فتحت صفحة جديدة، والسلطة ستفتح الباب لمن يريد المشاركة في عملية الحلّ». وعن الخطوة الأولى المقبلة من جانب الدولة، قال: «ستتشكّل لجنة دستورية في البرلمان من أجل اتّخاذ خطوات لحلّ المشكلة الكردية تحت سقف البرلمان»، لافتاً إلى أنّ «العدالة والتنمية» سيعمل من أجل إنجاح هذا المسار، بما يشمل إقرار التشريعات اللازمة لذلك.
برّاك: «إذا أراد قياديّو حزب العمال العيش في الولايات المتحدة، فيمكن لهم ذلك»
وفي موقف لافت، أعلن أردوغان رسميّاً قيام تحالف ثلاثي يضمّ حزبه إلى حزبَي «الحركة القومية» و«المساواة والديموقراطية للشعوب» الكردي، بالقول إنّ الأحزاب الثلاثة ستعمل معاً على امتداد هذه العملية، مضيفاً: «يجب ألّا يقلق أحد من المرحلة المقبلة». واستطرد، قائلاً إنّ «قضيّة إخوتنا الأكراد في العراق وسوريا هي قضيّتنا أيضاً. وهم مسرورون من هذه الخطوات».
وجاء التعليق الأول على خطاب أردوغان من الحزب الكردي على لسان رئيسته، بيرفين بولدان، التي أشادت بالخطاب، قائلةً إنه كان «للمرّة الأولى، على هذا القدر، بناءً وشاملاً وعاكسة نيّة صادقة للحلّ»، واصفة إياه بأنه «مهمّ جدّاً وقيّم جدّاً. وأعطى رسائل مهمّة حول الخطوات التي يجب أن تُتّخذ للسير في عملية الحلّ»، مشيرة إلى أنّ «أردوغان أجرى مراجعة نقدية للمرحلة الماضية».
لكن بولدان اعترضت على إعلان الرئيس التركي قيام تحالف ثلاثي، بقولها إنه «يجب ألّا يذهب أحد بعيداً في الحديث عن تحالف ثلاثي. فهذا الاتفاق محصور بعملية إيجاد حلّ للمشكلة الكردية. فنحن جزء من الاتفاق ونتحمّل مسؤوليّتنا، وعلى تحالف أردوغان – باهتشلي أيضاً مسؤوليات.
والتحالف لا يشمل القضايا الأخرى، إذ لكلٍّ خطّه وسياساته». ودعت إلى تشكيل اللجنة الدستورية بسرعة، لأنه «كلّما طال الوقت، تعرّضت العملية للتحريض والتخريب». كذلك، اعترضت على كلام أردوغان حول التعاون مع أكراد المنطقة، وقالت إنّ «هذا مهمّ، ولكن سوريا هي أمر آخر. على السوريين أن يحلّوا بعض المسائل أمام نشوء سوريا ديموقراطية. ما يجري في “روجافا” (شرق الفرات) مهمّ لجهة أنه يؤثّر على كل أكراد المنطقة».
أما ردّ فعل «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، فجاء مؤيّداً ولكن متحفّظاً، إذ قال زعيمه، أوزغور أوزيل، إنّ «التحالف الذي يعلنه أردوغان مع حزب المساواة والديموقراطية للشعوب، وحزب العمال الكردستاني، هو ما كان يتّهمنا به من ممارسة إرهاب، ويعتقل رؤساء بلدياتنا، وعلى رأسهم أكرم إمام أوغلو، على خلفيّته». واعتبر أنّ أردوغان «يعمل على تحالف على أساس سنّي، والسقف ليس المواطنية المتساوية، بل الأمّة».
وجاء أعنف انتقاد لخطاب أردوغان من زعيم «الحزب الجيّد»، مساوات درويش أوغلو، الذي قال إنّ «التحالف الثلاثي الذي أعلن عنه أردوغان، هو جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير، وتركيا أمام صفقات كبيرة». وأضاف إنّ هدف مشروع «تركيا بلا إرهاب»، هو «سلخ تركيا عن مبادئ الجمهورية التي أعلنت عام 1923، ونزع الصفة التركية عن الجمهورية، كما ورد في معاهدة لوزان».
من جهتها، أصدرت الجمعيات العلوية بياناً انتقدت فيه وعود أردوغان باعتبار كل الأتراك من أكراد وعرب وأتراك وعلويين وسنّة وأغنياء وفقراء، متساوين أمام الدولة. وأشار البيان إلى أنّ «أيّاً من وعود الدولة لم يتحقّق، ولا سيّما التمييز ضدّ العلويين. أردوغان، منذ عقدين، وهو يتلاعب بالعلويين»، واصفاً خطابه بأنه «مجرّد استعراض».
أيضاً، لفت في برقيات التهنئة بخطوة تسليم السلاح، رسالة الرئيس الآذربيجاني، إلهام علييف، إلى نظيره التركي، والتي قال فيها إنّ الاتفاق «سيجلب السلام إلى كل المنطقة». كما أشاد الرئيس العراقي، عبد اللطيف رشيد، من جانبه، بالخطوة، واعتبرها «نقطة تحوّل»، قائلاً إنها «ستساهم في تقوية العلاقات التركية – العراقية».