قبيل منتصف ليل أمس، نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر مخابرات إقليمية أن الأردن يشن غارات جوية داخل الأراضي السورية على طول حدوده، ضد مخابئ لمهربي المخدرات المدعومين من إيران. وبالتزامن قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إن الطيران الحربي الأردني نفّذ سلسلة من الغارات الجوية على مناطق تنطلق منها عمليات التهريب في ريفي درعا والسويداء.
ومنذ يوم الثلثاء الماضي حتى أمس الاثنين، كانت الحدود الأردنية السورية مسرحاً لـ5 مواجهات عسكرية ساخنة، أعقبت محاولات تهريب مخدرات وأسلحة إلى المملكة، ما أدى إلى مقتل جندي أردني وإصابة آخرين، بالإضافة إلى مقتل وإصابة عدد من المهربين.
في آخر تلك المواجهات الاثنين، أكّد الجيش الأردني إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة الأتوماتيكية والصاروخية، معلناً وقوع إصابات عدة في صفوف جنوده، وطرد مجموعات التهريب المسلحة إلى الداخل السوري، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الأيام الماضية شهدت ارتفاعاً في عدد العمليات وتحولها من محاولات تسلل وتهريب إلى اشتباكات مسلحة، بهدف اجتياز الحدود بالقوة.
ولا يدّخر الأردن جهداً دبلوماسياً أو سياسياً سعياً لمواجهة الملف المؤرق له والذي يعتبره خطراً يهدف إلى زعزعة استقراره، لكن دون أي نتائج على الأرض، إذ تم سابقاً بحث الملف مع مسؤولين بارزين في النظام السوري على المستويين السياسي والأمني، فيما حضر الملف غير مرة في لقاءات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، كان آخرها لقاء قبل أيام على هامش منتدى اللاجئين في جنيف، وفيه حذر الصفدي من “استمرار محاولات تهريب المخدرات والسلاح من سوريا إلى الأردن”.
ما علاقة إيران؟
وفيما لا يتهم الأردن إيران علناً بتورطها بتهريب المخدرات إلى الأردن من خلال القوى الحليفة لها، إلا أن “عمّان على يقين بأن طهران تقف وراء ذلك، ولديها أدلة تحتفظ بها”، وفق ما ذكر الوزير والبرلماني الأردني الأسبق بسام العموش في تقرير سابق لـ”النهار العربي”، وهو كان شغل أيضاً منصب سفير بلاده في إيران.
وسبق للصفدي نفسه أن صرح بأن “عمليات التهريب منظمة. المهربون يمتلكون قدرات كبيرة، ومنهم مجموعات مرتبطة بجهات إقليمية”، وذلك في وقت لجأ المهربون لاستخدام أساليب جديدة ومتطورة لم تكن مستخدمة من قبل، كالبالونات الطائرة على اختلاف أحجامها، والتي تحمل في جوفها كميات متنوعة من المواد المخدرة، إضافة إلى الطائرات المسيرة.
لا بوادر تعاون من الجانب السوري
يعزو الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد أيمن الروسان ارتفاع وتيرة التهريب إلى “الانفلات الأمني للمناطق الجنوبية السورية، وتراخي الأجهزة الأمنية السورية”. وثمة من يضيف إلى ذلك التراجع الكبير في الحضور الميداني الروسي بعد الانشغال في حرب أوكرانيا، مما أتاح للمليشيات بزيادة نشاطها.
ويضيف الروسان لـ”النهار العربي” أن “المهربين اليوم يستخدمون وسائل أكثر نجاعة وأكثر أماناً في عمليات التهريب مثل المسيرات، وهذا يشجع على زيادة التهريب”، لافتاً إلى أن “هذا الانفلات الأمني مؤشر إلى محاولة زعزعة استقرار الأردن بطريقة غير مباشرة، ولا يوجد أي بوادر تعاون من الجانب السوري الرسمي في ضبط الحدود رغم الانفتاح مع سوريا من قبل الدولة الأردنية”.
ويقول إن “الأردن يعتد بقواته وضبطه لحدوده باقتدار مسجلاً نجاحات كبيرة في هذا المجال بالمقارنة مع دول أخرى وفي الميزان العالمي لحراسة الحدود، وبذلك الأردن له كل الخيارات لحراسة حدوده وبالطريقة التي يراها مناسبة، حتى لو جرى تغيير على قواعد الاشتباك أو حدث تصعيد فيها”، معتبراً أن “المسألة مسألة أمن وطني، والملك عبدالله الثاني يسعى جاهداً وحذر من إمكانية تطور قواعد الاشتباك المؤدي إلى فرضية المواجهة. فليس أمام الأردن إلا أن يدافع عن نفسه أمام الانفلات الأمني، مستخدماً العمل المتصاعد في تعامله مع هذا الملف المقلق للدولة الأردنية”.
استخدام كافة الوسائل العسكرية
ولأن “تهريب المخدارت صار يشكل تهديداً مباشراً للأمن الوطني الأردني، ويؤثر على أمنه الوطني ككل، ولا سيما الأمن الاقتصادي والأمن المجتمعي بالذات”، يقول الروسان إنه “لا يوجد ما يمنع الأردن من استخدام كافة الوسائل العسكرية والتغيير في قواعد الاشتباك، فضلاً عن اللجوء إلى خيارات استثنائية مثل المطالبة بتهيئة الظروف لإنشاء منطقة عازلة إذا ما لم يجد بديلاً عن ذلك”.
ويضيف أن “الأردن جاهز لأي خيار في سبيل الدفاع عن حدوده مستخدماً كافة إمكانياته ومستفيداً من علاقاته الاستراتيجية. وأرى أن عليه التركيز على مسألة الاستخبارات، خصوصا في ما يتعلق باستخدام الطائرات المسيرة من مناطق توجيهها وأسلوب عملها ومن يقف وراءها، لا سيما أن نقاط التوجيه يفترض أن تكون قريبة من الحدود”.
مسؤولية النظام السوري
ووفق ما يؤكد رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، فإن الأردن “لا يزال يولي أهمية خاصة للجهود الدبلوماسية الساعية لتطويق ملف تهريب المخدرات والسلاح من سوريا إلى الأردن، وذلك من خلال السفارات أو التواصل المباشر وتحديداً مع النظام السوري لمحاولة إيجاد تعاون أمني وسياسي في هذا الملف الذي يضر على المدى البعيد بمصلحة البلدين”.
ويرى في حديث لـ”النهار العربي” أن “المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق النظام السوري، حتى وإن كانت المعلومات الاستخبارية تشير إلى وجود أطراف متورطة بالتهريب محسوبة على إيران”، معتبراً أن التصدي لتهريب المخدرات وانتشارها “يجب أن يكون مصلحة مشتركة حتى لطهران نفسها المعرضة لعمليات تهريب عبر الأراضي العراقية”.
ويضيف أن “التطورات الأخيرة تؤكد أن الملف يشكل هاجساً مقلقاً للأردن، بخاصة مع تزايد محاولات التهريب والاتجار بالمخدرات والمناوشات الحية والمباشرة بين القوات المسلحة والميليشيات الساعية الى إثارة الفوضى وعدم الاستقرار بتسللها إلى الجبهة الداخلية الأردنية”.
ويشدد شنيكات على أن “الاستمرار في سياسة استخدام القوة الكافية والرادعة ضد هذه الميليشيات، وتكبيدها خسائر كبيرة، هو أمر واجب حتى تتوقف عن محاولات التسلل”، متطرقاً في الوقت ذاته إلى “أهمية السعي لتشكيل منطقة عازلة على الحدود، بضمان من الولايات المتحدة وروسيا”.
ووفق تقديرات رسمية، بلغ عدد المهربين الذي قتلوا العام الماضي أثناء محاولتهم تهريب المخدرات إلى الأراضي الأردنية نحو 35 شخصاً، بينما لجأت طائرات من سلاح الجو الملكي الأردني في أيار (مايو) الماضي، إلى استهداف منزل من يعرف بأنه مسؤول عمليات تهريب المخدرات، السوري مرعي الرمثان المقيم في قرية الشعاب بمدينة السويداء السورية، ما أدى لمقتله.