واعتبر بشارة في مقابلة مع “التلفزيون العربي” أن الولايات المتحدة أرادت تجنب الحرج المتمثل في استخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي، ولذلك تمّ إفراغ القرار من مضمونه، حتى اكتفت بالامتناع عن التصويت.
وأشار إلى أن ما حققته إسرائيل حتى الآن من حربها لا يتعدى “الأهداف الجزئية”، فهي لم تستطع تحقيق هدفها المتمثل في القضاء على المقاومة الفلسطينية، مجدداً القول إن إسرائيل تركز على قصف المناطق المأهولة بهدف معاقبة الشعب الفلسطيني.
وفيما أكد الدكتور بشارة أن غالبية المجتمع الإسرائيلي داعمة لاستمرار الحرب على قطاع غزة، لفت إلى أن إسرائيل سعت لاستعادة توازنها عبر إشباع غريزة الانتقام، وهو ما يتجلى في السلوك العدائي الذي تنتهجه، كما أن بدائيتها ظهرت في تعاملها مع الأسرى والمعتقلين.
على المستوى السياسي، اعتبر بشارة أنّ حل الدولتين أفرغ من معناه، وأن “ما نراه على الأرض هو نظام الأبارتهايد”، مشدداً على أن “وقف معاناة الشعب الفلسطيني يجب أن يكون أساساً لأي تسوية مقبلة”.
قرار مجلس الأمن
وأوضح بشارة أن قرار مجلس الأمن “بلا لون ولا طعم ولا رائحة”، فهو لا يتضمن أي عنصر فيه “إلزام” لإسرائيل، بما يتيح المجال فعلاً لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتوزيعها بشكل لائق على سكانه.
وأضاف: “في النتيجة، لم تستخدم الولايات المتحدة الفيتو، ولكنها امتنعت عن التصويت، لأن القرار لا يتضمن إدانة حركة حماس وعملية 7 تشرين الأول/أكتوبر”.
وشرح أن هذا القرار لا يوجد فيه شيء واحد يغيّر واقع الحال على الأرض في قطاع غزة، معتبراً أن المؤشر الأفضل والأدق لحال هذا القرار هو تعليق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عليه فور صدوره.
وأوضح أن غوتيريش انتقد القرار بشدة، أولاً لأن المطلوب هو وقف كامل لإطلاق النار، وثانياً لأنه من المستحيل في ظل الإجراءات الأمنية الإسرائيلية أن تصل المساعدات لمن يحتاجها فعلاً.
الهدف لم يتحقق
وتوقف بشارة عند ما تحقّق حتى الآن من الأهداف المُعلَنة من الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث أعرب عن اعتقاده بأنّه “لا يوجد أهداف استُكمِلت فعلاً”.
وفيما تحدّث عن “أهداف جزئية” تحقّقت، لفت إلى أن الهدف الأساسي المُعلَن لم يتحقّق بعد، في إشارة إلى عنوان القضاء على المقاومة الفلسطينية، بمعنى كسر القوة العسكرية لحركة حماس ومنعها من إدارة قطاع غزة.
في السياق نفسه، جدّد الدكتور عزمي بشارة التأكيد على أن تدمير قطاع غزة وجعله منطقة غير صالحة للحياة، هو أحد الأهداف التي أراد الإسرائيلي تحقيقها على الأرض.
وأشار إلى أن صغار المسؤولين في إسرائيل يقولون علناً إن من بين الأهداف تدمير غزة، وأن يكون ذلك عبرة للبنان ومناطق أخرى، معتبراً ذلك “هدفاً مركباً”، ورافضاً تصويره على أنه “أضرار جانبية” كما يحاول البعض الإيحاء.
وكرر اعتقاده في هذا السياق بأن الأضرار الجانبية هي ما تتعرض له المقاومة من خسائر، لأن الاحتلال يقصف المدنيين في المقام الأول.
وشدد على أن “الهدف واضح وهو معاقبة الشعب الفلسطيني وشفاء غليل المجتمع الإسرائيلي واستعادة هيبة الردع وأيضاً جعل غزة منطقة غير قابلة للحياة”، معتبراً أن هذا الأمر سيتسبّب وفقاً للمخطط الإسرائيلي بهجرة تدريجية على المدى الطويل.
الاستمرار في الحرب
وفي سياق متصل، أكد بشارة وجود غالبية إسرائيلية لا تزال مؤيدة لاستمرار الحرب على قطاع غزة، موضحاً أن “أكثر من ثلثي المجتمع الإسرائيلي مع الاستمرار في الحرب وحتى فعل أكثر ممّا فعلوه حتى الآن”.
واعتبر أن الأمر ناتج في جزء منه عن سياسة “تعبئة الناس في إسرائيل في الإعلام والثقافة والخطاب السياسي وحتى في مناهج التدريس، واستخدام لغة عنصرية في تصوير العرب على أنهم “دونيون ومنحطّون”، ما يؤدي إلى نشوء نوع من “الحقد عليهم”.
ورأى بشارة أن المرحلة الثالثة من الحرب التي بدأ الحديث عنها في الأيام الأخيرة، “ليست مجرد خيار للقيادة العسكرية”، موضحاً أن القصف الهمجي الشامل لقطاع غزة “أدى أغراضهم” بمعنى التخريب والتدمير وإلحاق الضرر في كل شيء في قطاع غزة.
وقال: “هذا انتهى ولم يعد هناك أهداف حقيقية لقصفها، ولذلك لا بدّ من الانتقال الآن لما يسموّنها زوراً وبهتاناً أنها عمليات جراحية كأنها تستأصل الورم، في حين أن المقصود عملياً هو عمليات أكثر تحديداً وقد يستدعى فيها الطيران لمساعدة المشاة أو سلاح المدرعات”.
وفيما رأى أن ذلك “يتطلب تمركزاً في قطاع غزة لفصل الشمال عن الجنوب”، شدّد على أن كل ذلك يبقى “مجرد خطط على الورق”، يتوقف تنفيذها عند ما يمكن أن تفعله المقاومة.
أصوات معارضة
ولفت بشارة إلى بدء ظهور أصوات معارضة للحرب في المجتمع الإسرائيلي، وحتى في الصحف، ملاحظاً أن هذه الأصوات لا تزال مغيّبة بالمطلَق عن الإعلام المرئي والمسموع، لكنّها تبرز في الإعلام المكتوب.
كما أشار إلى أن هذه الأصوات المعارضة تظهر في مظاهرات أهالي المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، “حيث تُسمَع أصوات ضد الحرب عموماً وتدعو إلى صفقة شاملة وإلى القبول بوقف شامل لإطلاق النار”.
ودعا بشارة إلى عدم الانتقال من الحالة التي تُعتبَر فيها إسرائيل “قوة لا تُهزَم ولا تُقهَر، وكأنّها خارقة”، إلى “الاستخفاف بها بالمطلق”.
ولفت إلى أن الوقائع على الأرض بيّنت أن من الممكن إلحاق الأذى بالجيش الإسرائيلي، لكن يجب إدراك أنه “جيش يمتلك خلفية اجتماعية قوية وتسليحاً جيداً وتدريباً جيداً”، وبالتالي فإن القضية متوقفة على صمود وقوة المقاومة وعلى عوامل أخرى”.
وأكد بشارة أن الجانب الإسرائيلي يلقي بالاً للخسائر الاقتصادية أيضاً، خصوصاً إذا ما تراكمت العملية، وازدادت الخسائر.
فقدان التوازن
إلى ذلك، تطرق بشارة إلى بعض الممارسات المستفزّة، والسلوك العدائي، الذي يمارسه الإسرائيليون، الذين يتحولون إلى “ساديين ووحوش”.
وتحدّث في هذا السياق عن “سلوكيات غير معقولة” برزت خلال هذه الحرب، من بينها ما ارتكبه جنود الاحتلال في المستشفيات، والإعدامات على الحواجز لبعض المسنّين، وغير ذلك من أمور كان الجيش الأميركي قد مارسها أيضاً في العراق.
واعتبر أن خروج مثل هذه الممارسات من مجتمعات توصَف ب”الراقية” نوعاً ما مثير للاهتمام، ما يدفع إلى ضرورة درس ماذا يحصل للبشر في بعض الحالات، حيث “يفقد الإنسان إنسانيته ويتحول إلى آلة قتل”.
وعزا بشارة الأمر في حالة العدوان على قطاع غزة إلى “فقدان توازن” طرأ بعد عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر، معتبراً أن الإسرائيليين يحاولون استعادة هذا التوازن عبر إشباع غريزة الانتقام، ولافتاً إلى أن “المشكلة أن الدولة شجّعت على ذلك بشكل أو بآخر”.
انتقام من الأسرى
وفي السياق نفسه، توقف الدكتور عزمي بشارة عند حملات التعذيب والإذلال التي يتعرّض لها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية.
وانطلاقاً من ذلك، تحدّث بشارة عن “انتقام حقيقي من نضالات الأسرى وإنجازاتهم” من خلال الحملات الأخيرة التي تعرّض لها الأسرى، واضعاً ما يحصل في سياق ما وصفه ب”النذالة والخسة والوضاعة”.
وقال إن “أحد أهم مقاييس هذا الموضوع هو كيف تتعامل مع شخص غير مسلح”، مشدّداً على أن التعامل مع الأسير يجب أن يكون له أصول. وذكر بأن “أي شخص يحاول إهانة الآخرين هو شخص لديه عقد نقص”.
الوساطات والهدن
بالانتقال إلى موضوع الوساطات والهدن، جدّد بشارة القول إن المقاومة لا تؤيد الذهاب إلى هدن مؤقتة، يستمرّ القصف بعدها.
واعتبر أن إسرائيل بحاجة أن تظهر وكأنها تعمل على إبرام صفقة، موضحاً أن الحكومة الإسرائيلية مضطرة أن تظهر بنتيجة الضغوط التي تتعرض لها، وكأنها مهتمّة بالوصول إلى اتفاق، لكن ليس بثمن التنازل عن القضايا الرئيسية بالنسبة إليها.
ولذلك، أعرب بشارة عن اعتقاده بأن كلام المقاومة أنه لا يوجد مفاوضات قبل وقف إطلاق النار يُفشِل هذا المسعى الإسرائيلي، فإسرائيل هي التي تقتل الأسرى، وهي غير مهتمّة كثيراً بوضعهم، كما أنها ليست مستعدّة لإخضاع استراتيجيتها العسكرية لقضية الأسرى.
حل الدولتين
وبالحديث عن المبادرات السياسية، ميّز بشارة بين نوعين، أولهما هو المشروع الوطني الفلسطيني الذي يجب أن تتفق عليه مجمل فصائل المجتمع الفلسطيني، ومشروع الدولتين الذي يتحدّث عنه الأميركيون والأوروبيون وغيرهم.
وفي حين سأل بشارة عمّا إذا كان الأوان قد حان لتطرح مجمل قوى الشعب الفلسطيني مشروعاً وطنياً شاملاً في هذه المرحلة، أشار إلى أن المشاريع التي تُطرَح حالياً، تنطلق من موضوع حل الدولتين، “الذي نسمعه عملياً منذ أوسلو ولاحقاً منذ أن نطق جورج بوش الابن فكرة الدولة”.
وتحدّث بشارة عن آليتين في إطار هذا المشروع، تقوم الأولى على مفاوضات من دون قاعدة متفق عليها، وبغياب موافقة إسرائيلية، وبالتالي مفاوضات بلا نهاية كما جرى منذ أوسلو، فيما تنطلق الثانية من وجود استعداد إسرائيلي للقبول في مرحلة ما بالدولة كتسمية فقط، من دون أن يكون لها شيء من عناصر السيادة.
وقف معاناة الشعب الفلسطيني
وشدد على أن مشروع الدولتين لا يمكن أن يكون “مجرد رأي”، بمعنى أنه “إذا كان هذا هو المشروع المطروح دولياً، يجب أن يكون ملزماً وأن تكون المفاوضات على أساسه”، موضحاً أن “الأطراف لا تتفاوض من أجل الوصول إلى اتفاق بل تتفاوض إذا اتفقت”.
ورأى أن حل الدولتين أفرغ من معناه، “وما نراه على الأرض هو نظام الأبارتهايد”، مشدداً على أن “الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني هو أساس التضامن العالمي”، ولذلك فإن “وقف معاناة الشعب الفلسطيني يجب أن يكون أساساً لأي هدنة أو تسوية قريبة”.
المبادرة العربية
وبالحديث عن الموقف العربي من كل ذلك، أشار إلى أن الدول العربية إذا أرادت أن تكون صافية النية مع المقاومة يمكن أن تنطلق من مبادرة السلام العربية التي تقول إنها تتمسّك بها، ما يعني أن أيّ اتفاق يتم التوصل إليه، يجب أن يكون فيه قبول بهذه المبادرة.
وأشار إلى أن هذه المبادرة، التي اعتبرها “تنازلاً بلا مقابل لإسرائيل”، لا يمكن أن تكون “نقطة بداية تتبعها تنازلات”، منبّهاً إلى أن أي تنازل ما دون هذه المبادرة عبارة عن تطبيع مجاني.
ورأى أيضاً أن العرب لا يجب أن يفرضوا شيئاً على الفلسطينيين ولا أن يتناغموا مع مخططات أميركية إسرائيلية حول مرحلة ما بعد القضاء على المقاومة، لأن ذلك يعني التسليم بتحقيق هذا الهدف، علماً أن إسرائيل تريد أن يُدار قطاع غزة بشكل منفصل عن الضفة بتعاون بين إسرائيل ودول عربية.
الإعلام الغربي
كما توقف الدكتور عزمي بشارة عند التحول الذي سُجّل في تغطية الإعلام الغربي للحرب على غزة، معتبراً أنه “ليس صحوة أخلاقية على الإطلاق”.
وإذ رأى أن صمود الناس في قطاع غزة فرض هذا التحوّل في مكان ما، تحدّث عن تنافس خفي اقتصادي على السوق الإعلاني بين وسائل الإعلام ووسائل التواصل لعب دوره أيضاً.
ورفض بشارة “تمجيد” الإعلام الغربي على التقارير التي يبثّها جزء منه اليوم، وتفضح زيف البروباغندا الإسرائيلية في مكان ما، قائلاً: “ما يقولونه اليوم، قلناه منذ اليوم الأول، فهل اكتشفوا الحقيقة فجأة ويجب تمجيدهم؟”.
وشدّد على أن التحول في التغطية اليوم “لا يغفر لهم ما فعلوه في الأشهر الأولى، حين كرروا أكاذيب إسرائيل وحرّضوا على حقها بالدفاع عن نفسها”.