بين الرواية والتاريخ والفكر الفلسفي، تراوح حصاد القراءة في عام 2023 لدى أدباء ونقاد وأكاديميين مصريين. هناك ما وجد ضالته فيما يطلق عليه «الرواية المعرفية»، وهناك من ارتاح على شواطئ الفلسفة الطبيعية، بينما أعاد البعض اكتشاف أعمال قديمة وجد أنها لا تزال صالحة لإثارة الدهشة، بينما آثر البعض الآخر أن يقرأ السيرة الذاتية لرجال صنعوا التاريخ.

«عاشوا ألف عام»

البداية مع الكاتب والروائي إبراهيم عبد المجيد الذي يتوقف عند كتاب «رجال عاشوا ألف عام – 9 شخصيات غيرت مسار العلم والفكر والأدب» للكاتب جلال الشايب الذي يتضمن قراءة في مسيرة كل من: جون ستيوارت مل، وتشارلز داروين، وكارل ماركس، وفيودور دوستويفسكي، وليف تولستوي، وفريدريش نيتشه، وسيغموند فرويد، وبرتراند راسل، وألبرت آينشتاين. ويشير عبد المجيد إلى أن العمل يتناول بلغة تجمع بين الجاذبية والسلاسة والدقة أبرز المحطات في حياة هؤلاء، لا سيما الميلاد وملابسات الرحيل، مع تركيز خاص على ما واجهته الشخصية من أفراح وآلام. ويكشف الكتاب عن كثير من المفارقات في هذا السياق، فعلى سبيل المثال استطاع جون ستيوارت إتقان كل من اليونانية واللاتينية، مع معرفة واسعة بالمنطق والفلسفة والاقتصاد والرياضيات، وهو في الـ14 من العمر.

 

إبراهيم عبد المجيد

 

ويورد المؤلف عدداً من المقولات التي توضح فكر صاحبها، مثل مقولة: «الفقر لا يصنع الثورة، إنما وعي الفقير هو الذي يصنع الثورة. الطاغية مهمته أن يجعل وعيك غائباً»، لكارل ماركس الذي ولد عام 1818 في عصر مضطرب يموج بصراع عنيف بين الإقطاع والبرجوازية الجديدة. وكذلك مقولة دوستويفسكي: «إن الواقعية التي لا ترى ما هو أبعد من الأنف، أشد خطراً من الخيال الجامح المجنون؛ لأنها عمياء»، عبارة توضح حجم الخيال في أعمال الكاتب الروائي الفذ الذي وجد نفسه متهماً في قضايا ضد القيصر، حُكم عليه فيها وعلى من معه بالإعدام، ثم كان هناك من توسط لدى القيصر ليجعل الحكم مؤبداً. تفاصيل درامية مذهلة للحظة تنفيذ الحكم، ثم الرجوع عنه.

«خبيئة حارسة المعبد»

أما الكاتب أحمد صبري أبو الفتوح، فيتوقف في حصاد قراءاته لهذا العام عند رواية «مصير خبيئة حارسة المعبد»، وهي آخر إصدارات الكاتب الدكتور أحمد جمال الدين موسى، وزير التربية والتعليم ورئيس جامعة المنصورة الأسبق.

 

أحمد صبري أبو الفتوح

 

الرواية يمكن تصنيفها بأنها «رواية معرفية»، أي تتضمن كثيراً من المعارف عن موضوع أو عدة موضوعات، وهي مكتوبة بشروط هذا النوع من الروايات، شأنها في ذلك شأن الرواية المعرفية الأشهر «عالم صوفي»، التي كتبها الكاتب النرويجي جوستاين جاردنر في بداية تسعينات القرن الماضي حول تاريخ الفلسفة. هنا تتولى الجنية «ساتا» الطواف بالشاب الصغير «خوتو» ربوع مصر القديمة، في عصور الأسرات المختلفة، وبخاصة العصر الحديث الذي حاربت فيه مصر كل أنواع التدخل الخارجي في شؤونها والاعتداء عليها؛ بل احتلالها، وما استتبع ذلك من مقاومة قادها حكام مصر وشعبها في مواجهة المحتلين، وكذلك أطلعته على مجريات واحدة من الثورات المنسية في التاريخ المصري، وهي الثورة المنديسية التي اندلعت في منديس التي كانت إحدى عواصم مصر. وتقوم الرواية على سر كبير هو أن «ساتا» الجنية الطيبة كانت في قديم العهد كاهنة كبيرة في المعبد، وعهد إليها الفرعون أحمس الثاني بخبيئة، هي موجز لمعارف مصر وكنوزها المعرفية، مسطورة في أوراق البردي، ومحفوظة في صندوق عجيب ثمين، لتسلمها لمن تلمس فيه وطنية صادقة وقدرة على تحمل الأمانة.

«أطفال منتصف الليل»

ويشير الشاعر صبحي موسى إلى أنه عادة ما يعود إلى كتب سبق أن قرأها منذ سنوات طويلة، وعادة ما تكون قراءته لها مختلفة عن القراءة الأولى؛ سواء بإعادة اكتشافها كأنه لم يقرأها من قبل، أو بوضعها في إطارها الحقيقي والخلاص من الفتنة التي أصابته بها في مقتبل العمر. من بين الكتب التي أعاد موسى اكتشافها من جديد، رواية الكاتب الهندي الإنجليزي سلمان رشدي «أطفال منتصف الليل»، ففي القراءة الأولى -وكانت منذ سنوات طويلة- لم يستطع استساغتها، ولم يتمكن من إكمالها، وبدا له رشدي كاتباً غير مفهوم، ويحلق في كثير من البلاغة وكثير من الإفراط في السرد، لكنه بعد نقاش مع بعض الأصدقاء أكدوا فيه أهمية الرواية قرر العودة لها من جديد، ليجد أن العالم على غير ما رآه سابقاً، وراح يكتشف النص كمن عثر على خبيئة كانت مدفونة بين الكتب.

 

صبحي موسى

 

ويوضح صبحي أن الرواية تدور حول الجيل الذي ولد مع استقلال الهند عن بريطانيا، والذي شهد استقلال باكستان عن الهند، ونشوب الصراع بينهما على إقليم كشمير، وتفتت شبه القارة الهندية إلى أكثر من دولة، بالتزامن مع قدرة المؤلف المذهلة على السخرية من كل شيء، وانعدام المقدسات في السرد، فليس هناك أقدس من الكتابة، وكل شيء مباح من أجل نص فاتن، حتى لو سخر من تاريخه وجنسه وعائلته وأفرادها، وهو ما كان يفعله بامتياز شديد، حيث يؤسس لبناء المواقف سردياً بشكل عظيم، ثم سرعان ما يفاجئنا بالموقف الجديد، ليضعنا أمام مفارقة ساخرة بين الرؤيتين.

«هندباء برية»

وتوضح الكاتبة الروائية والصحافية زينب عفيفي، أن قراءتها لهذا العام شملت رواية «هندباء برية» للروائي الياباني ياسوناري كاواباتا، وهي رواية مذهلة عن الحب والجنون بجمال رشيق وغرابة بالغة، فهي روايته الأخيرة التي تركها غير مكتملة عند انتحاره في عام 1972.

 

زينب عفيفي

 

كما قرأت أيضاً كتاب «المدينة الوحيدة» للكاتبة أوليفيا لاينج الذي تروي فيه المؤلفة تجربة مرت بها، حيث انتقلت إلى نيويورك لتلحق بالشخص الذي أحبته، تاركة مدينتها لندن، وفجأة بعد أن صارت هناك في ذلك البلد الغريبة عنه، والذي لا تعرف فيه أحداً، تُغيِّر رأيها تماماً، وترى أنهما لا يصلحان معاً، لتجد أوليفيا نفسها وحيدة، في مكان لا تعرفه. تقرر بعد ذلك أن تعيش في المدينة نفسها، وتتمسك بها بيأس، بعد أن تتعرف على أبرز المؤلفين الذين تحدثوا عن الوحدة، وتعكف على أعمالهم، ومنهم إدوارد هوبر، وآندي وارهول، وهنري دارجر، وديفيد ووننار، وفيتش.

«10 أساطير عن إسرائيل»

وبعيداً عن الرواية، تتوقف الناقدة الدكتورة أماني فؤاد عند كتاب «عشر أساطير عن إسرائيل» للمؤرخ والأكاديمي الإسرائيلي إيلان بابي، ترجمة سارة عبد ‏الحليم. ويفند المؤلف في هذا الكتاب جملة من الأفكار الشائعة المتعلقة بأصول وهوية ‏الدولة العبرية، منها أن فلسطين كانت أرضاً خالية قاحلة شبه صحراوية، وتمت زراعتها ‏وتأهيلها من قبل المستوطنين الجدد. ويؤكد المؤلف أن فلسطين كانت بلداً معترفاً به منذ ‏العصر الروماني، وبالعودة إلى السجلات العثمانية للتعداد السكاني لفلسطين عام ‏‏1878، فإن غالبية السكان كانوا من المسلمين، وقد شكل اليهود حينها نسبة 3 في المائة ‏فقط من السكان، بينما شكل المسيحيون 10 في المائة من السكان. ‏كما يتناول المؤلف خرافة مساواة ‏الصهيونية باليهودية، حيث أصبحت معاداة الصهيونية معاداة للسامية، فيحلل ‏تلاعب الصهيونية بالديانة اليهودية لأسباب استعمارية بالأساس، مشيراً إلى كذب ادعاء الحركة الصهيونية بأنها حركة تحرر قومي للشعب اليهودي.

«نحو فلسفة طبيعية»

وتشير الأكاديمية والمترجمة الدكتورة سلوى جودة، أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس، إلى كتاب «كلير كريك – نحو فلسفة طبيعية» للكاتب الأميركي إريك ريس، الصادر مؤخراً عن مطبعة جامعة وست فيرجينيا، بعدّه من أكثر المؤلفات التي قرأتها تميزاً في عام 2023.

 

سلوى جودة

 

يرصد الكتاب جوانب من حياة المؤلف الريفية الرعوية التي عاشها في مقاطعة «كلير كريك» بولاية كولورادو الأميركية. وتطرح رؤيته الخاصة للعيش في أحضان الطبيعة، فلقد انتقل ريس إلى الغابة بأسلوب هنري ديفيد ثورو في روايته «والدن» 1854، ولكنه رفض أيضاً مبادئ ثورة البيوريتانية، وما أطلق عليه «التفوق الأخلاقي المتعسف والمتطرف»، والجهود المبذولة لتحويل الآخرين إلى أسلوب حياته، فلم يكن هدف إريك ريس مهاجمة نمط الحياة التي يعيشها سكان المدينة، هؤلاء الذين يقودون حياة يائسة هادئة؛ بل كان هدفه هو العودة إلى الأصالة وسيرة الإنسان الأولى في علاقته الحميمة بالطبيعة، وكان يأمل في أن يعيش البشر حياة حقيقية وفطرية. وهكذا، انغمس في تصويره لروعة كرمة العنب البرية، والزنجبيل البري، والمياه المتدفقة البرية حول منزل في كلير كريك، هناك، حيث جلس مع مخاوفه بشأن التدهور البيئي، على خلفية ما يحيط بالغابات البكر والحظائر القديمة من مخاطر.